من وحي مدرسة الصوم عن مرض الاتكال والجشع! 4

 

عبد العزيز البغدادي
كيف يمكن للصيام أن يكون مذكراً للصائم الغني بما يعانيه الفقير؟!، طبعاً ليس المقصود هنا الفقير المتكل على غيره رغم قدرته الجسدية والنفسية على العمل أو من يمتهن التسول مع القدرة على عدم فعل ذلك، ولا الذي يرتضي لنفسه الفقر وعيش الذل والله يدعوه لسلوك طريق الغنى الحلال للعيش بكرامة والاعتماد على قدراته مهما بدت ضئيلة، وستكون فعالة ومثمرة إذا هو أي هذا الإنسان أعمل عقله وأطلق عنان روحه وقدراته الذاتية واستعان بالله !؛
كيف يمكن للصائم حقاً وصدقاً أن يتذكر ويتفكر في حال الفقير المحتاج حقاً منعدم القدرة والإرادة أو من يحتاج لدعمه وإقالة عثرته كي يتجاوز ظروفه القاهرة التي دفعت به إلى موقع يحتاج فيه للآخرين، كيف له ذلك إذا لم يُعِدُّ عدته لاستقبال شهر الصوم بالطريقة التي تساعده على إحداث ثورة على النفس والشهوات وأنماط السلوك الضار بالصحة الجسدية والنفسية ؟!؛
ومن أين له ذلك وقد حال تصرفه الغريزي دون أن يصبح الصوم طريق لثورة تغيير في سلوكه ونمط حياته ليبقى مجرد طريق للانقلاب على الوقت ونقل عاداته التي كان عليه تغييرها من النهار إلى الليل !،
فالوجبات هي الوجبات و(القات) قاتله الله هو نفسه ملازم لمدمنيه أو مدمني المواد السامة التي تحييه وتميت آكلُهُ، لم يغادر بل تطورت صوره والتلذذ بمضغه ومغازلة أغصانه من بعد العصر؟!
والنوم زادت ساعاته وتحول مفهوم (نوم الصائم عبادة) إلى مفهوم أهوج غبي وقاتل للروح والجسد، وبدلاً من أن يُفهم بمعنى الابتعاد عن سوء الخلق والتكشير في وجه خلق الله لإعلامهم بأنه صائم وبدلاً من التسلح بالصبر على الجوع والعطش وتذكر حال الفقير المستحق وليس الاتكالي القادر على العمل والسعي في الأرض بحيث تحوّلَ كل وقته إلى كسل وخمول وبُعد عن العمل والنشاط ووسيلة للهروب من أهم حكمة للصوم وهو الشعور بالجوع والعطش والتعب التي لا تتحقق ولن تتحقق إلا باستمرار برنامج العمل المعتمد في الفطر !،
وأنّى للصائمِ أن يتذكر الجائع والمحروم وقد حول شهر الصوم إلى ماراثون سباق للتفنن في إعداد الوجبات والنوم جزءاً من الليل ومعظم النهار؟!
نعم تحول شهر رمضان إلى شهر تخمة ونوم وغفلة وبطالة مشرعنة شعبياً من خلال هذه العادات ورسمياً من خلال اعتماد هذا السلوك بتغيير أوقات الدوام بما يرسخ هذه العادات القاتلة للوقت وللإنسان بتأثيره المباشر على العمل العام والخاص ، والى موسم لممارسة كل شكل ممكن من أشكال الاحتيال المعلنة من قبل التجار الذين أُطلق لهم العنان لتنفيذ رغباتهم في بيع الملابس والسلع الغذائية بالسعر الذي تصل إليه شطارتهم وأساليب احتيالهم المتجددة متجاهلين وبعضهم جاهلين بأن هذا الأسلوب ليس فقط شكلا من أشكال الاحتيال والنصب والكذب وانعدام الرحمة بل قد يرقى إلى مرتبة القتل غير المباشر في ما يتعلق بالمواد الغذائية والأدوية ، ومهما بدا الأمر أن الإنسان يدفع المال برضاه واختياره فالمغالاة ربا أي أن الآية الكريمة التي تقول (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) مقصود بها أن البيع الحلال هو الذي يلتزم فيه التاجر بالربح الحلال وهو الربح المعقول وغير الفاحش حتى وإن وُجد مَن لديه قدرة مالية تجعله لا يبالي بالأسعار أو لا (يفاصل )كما يقال ربما لأنه لم يتعب في الوصول إلى المال أي أنه قد يكون مالا حراما لأي سبب من أسباب التحريم أو أن يكون به غفلة ، والمحلات التي تضع الأسعار على السلع لا تزال محدودة وغالباً مبالغ فيها ولكنها تقوم على الإيحاء بكونها محدودة أي أن هذا التحديد غير الدقيق للأسعار قائم على الحيلة وفي هذا يتوفر الركن المادي لجريمة الاحتيال في ما خص المبلغ المبالغ فيه ، أي أن المال الحلال والرزق الحلال والتجارة والحلال لا تزال جميعها في غيبوبة الجشع والانفلات الناتج عن الفساد الشامل الذي لا تزال البلاد تعيش في ظله وتحظى برعايته وفي ظل العدوان بكل أشكاله المباشرة وغير المباشرة ويبدو الثورة الجادة ضده لا تزال حلماً والله غالبٌ على أمره !.
عقب كتابة هذا مباشرةً استمعت إلى كلمة السيد قائد الثورة ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان التي أنذر فيها الخونة والظلمة والفاسدين وفنّد سلوكهم الخارج عن كل القيم، والمتنكر لتضحيات الشهداء ومعاناة المواطن المضحي والصابر، وفي اليوم التالي لمست استبشارا لدى كثير من الناس باستمرار الحياة في عروق الثورة والحد من تغول المنافقين والأغبياء والفاسدين الذين يمضون بالوطن إلى حافة الهاوية !؛
دموع النخيل تحرك أيامنا الآتية
لتصنع أشرعةً للرحيل
إلى وطنٍ عانقته الغيوم
وطال انتظارُ المطرْ!

قد يعجبك ايضا