التهويل والمبالغة في تضخيم خطر عناصر القاعدة في اليمن أكان ذلك من قبل بعض الدوائر السياسية أو الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية إنما يخدم القاعدة أكثر مما يضرها لكونه يظهرها بحجم أكبر من حجمها بل ويقدمها للناس بصورة خارقة مع أن الحقيقة أن العناصر الإرهابية في اليمن محدودة العدد ومطاردة من الأجهزة الأمنية إلى درجة يصعب عليها حتى مجرد الظهور على الشمس فتلجأ إلى الفرار من منطقة إلى أخرى للاختباء في المغارات وكهوف الجبال مذعورة كالجرذان وليست بذلك التهويل الذي يتراءى للمرء فيه أن هذه العناصر تمتلك من القوة والتنظيم والتجهيز ما يجعلها تضع العالم من أقصاه إلى أقصاه على أبواب حرب ثالثة باتت قاب قوسين أو أدنى.
ونتساءل كما تساءلت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” عن سبب هذا التضخيم والتهويل رغم علم الجميع أن عناصر القاعدة في اليمن لا تمثل مشكلة حقيقية لا بالنسبة لليمن ولا لغيرها باعتبار أن نزعة العنف هي نزعة مرفوضة من قبل المجتمع اليمني ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة اليمن بأفغانستان فالثقافة الدينية للمجتمع اليمني يغلب عليها طابع التوازن والاعتدال والروح السلمية بدليل أن معظم عمليات القاعدة منذ عام 2000م قد تم إحباطها قبل وقوعها بفضل التعاون القائم بين المجتمع والأجهزة الأمنية.
وهو ما يعيد السؤال نفسه: لماذا كل هذا الضجيج والتهويل حول خطر القاعدة في اليمن¿.
ولمصلحة من تلك المبالغات التي تسوقها بعض الدوائر والوسائل الإعلامية العربية أو الأجنبية¿.
ولماذا كل هذا التركيز على اليمن وبتلك الطريقة الاستثنائية التي توحي وكأن الهدف هو إرباك المشهد والتدابير التي اتخذتها الحكومة اليمنية¿.
وهل المصادفة هي التي جمعت بين محاولة الشاب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب تدمير طائرة أمريكية أثناء توجهها من مطار امستردام إلى مطار ديترويت بالولايات المتحدة الأمريكية بمواد ناسفة وبين ذلك الاستهداف السياسي والإعلامي لليمن¿.
ولماذا تستهدف اليمن تحديداٍ¿ وقد اتضح تماماٍ أن ذلك الشاب النيجيري قد مر بمطارات ست دول بعد خروجه من اليمن¿ كما أنه تزود بالمواد المتفجرة من نيجيريا وليس من اليمن وأن تجنيده في تنظيم القاعدة قد جرى في بريطانيا وأن منحه تأشيرة لدخول اليمن للدراسة قد استند في حيثياته إلى حصوله على تأشيرة صالحة لدخول الولايات المتحدة.
كما أن تحذيرات والده قد أبلغت بها سلطات أخرى غير السلطات اليمنية التي لم تبلغ بأن المذكور على قائمة المشتبه فيهم.
وبتفصيل أكثر لماذا تلك الطريقة المبتكرة في التهويل من خطر القاعدة إذا ما كان أكثر من مطلوب من عناصر تنظيم القاعدة في اليمن هم من تسللوا إليها من خارجها ومن هؤلاء وإن كانوا من أصول يمنية أو عربية أو إسلامية من نشأوا وترعرعوا في الدول الغربية وتعلموا في جامعاتها وشبوا في كنف ثقافتها الرأسمالية واعتنقوا الفكر المتطرف والمتشدد في تلك البلدان وجْندوا في تنظيم القاعدة فيها.. فلماذا لا تلوم هذه الدول نفسها لإغفالها رصد أنشطتهم ومراحل انحرافهم قبل تحولهم إلى قنابل موقوتة¿ تتنقل بين البلدان مع أنه كان بالإمكان كبح جماح هذه العناصر ومنع خروجها من البلدان التي نشأت فيها¿.
والمثير والمريب حقاٍ أن من يثيرون الضجيج ويهولون في وسائل الإعلام من خطر القاعدة في اليمن هم من يمتنعون عن التطرق إلى كثير من التساؤلات المطروحة في الشارع العربي والإسلامي إزاء ذلك الهوس الذي يحاول تصوير الإرهاب وكأنه عجينة عربية وإسلامية فيما يتم إغفال أن الكثير من الخلايا الإرهابية تنشأ في الغرب. وان الإرهاب آفة دولية لا دين ولا وطن لها.
وهناك الكثير من المؤشرات الدالة على أن ثمة علاقة واضحة بين محاولة الشاب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب تفجير الطائرة المتجهة من امستردام إلى ديترويت وما حدث قبل أشهر من ذلك حين تم تصفية إحدى الخلايا الإرهابية المتطرفة التي كان يقودها لقمان عبدالله وهو أمريكي من أصول أفريقية استطاع أن يجند بعض الأفارقة ويحرضهم على القيام بعمليات داخل الأراضي الأمريكية استعداداٍ لإعلان قيام إمارة إسلامية هناك.
ومثل هذه الحركات المتطرفة موجودة في معظم الدول الأوروبية – إن لم تكن في كلها – ما يعني أن الإرهاب لا يمكن اختزال تواجده في بلد بعينه بل أنه ظاهرة عالمية ينبغي مواجهتها من خلال تعزيز التعاون الدولي لما من شأنه اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها بتنسيق أكثر وتعاون وجدية أكبر.
ومن المفيد أن يعلم الجميع أن اليمن قد تعاملت مع التحدي الإرهابي بكل حسم وقوة انطلاقاٍ من قناعة وطنية أن حربها على الإرهاب هي لمصلحة يمنية أولاٍ وليست تنفيذا لأية أجندات خارجية. وستظل اليمن ملتزمة بذلك حتى يتم القضاء على هذا السرطان المدمر. وما تحتاجه اليمن اليوم هو دعم أشقائها وأصدقائها لمجالات التنمية حتى يتسنى لها التغلب على معضلتي الفقر والبطالة باعتبار أنهما تشكلان الأرضية الملائمة لتغذية منابت الإرهاب.
وما دون ذلك فليطمئن أولئك المهولون أن اليمن لن تكون ملاذاٍ للإرهاب وأن نجاحات الأجهزة الأمنية ستتواصل للقضاء على هذه الظاهرة الخبيثة وقطع دابر عناصرها.
وسيتأكد الجميع أن قوى الشر لا مكان لها ولا مستقر في يمن الأمن والسلام وأن الخير هو السائد والغالب رغم أنف كل أعداء الحياة.
Prev Post
Next Post