الثورة / خاص
قبل خمس سنوات أعلن قادة عسكريون وسياسيون ورجال دين سعوديون أن الحرب الدائرة في اليمن طائفية، ولم يتحرجوا من ذلك فقالوها صراحة: “إن لم تكن الحرب في اليمن طائفية فسنجعلها طائفية”.
اليوم وبعد فشل كل المشاريع السياسية وسيناريوهات الحرب الطائفية التي سعت من خلالها قوى إقليمية ودولية لتجزئة عقيدة اليمنيين الدينية والثقافية، وإدخالهم في أتون صراع عقائدي لا ينتهي، يتجه مهندسو الأزمات اليمنية إلى إعادة اليمنيين إلى مربع الحروب والصراعات المناطقية، والتي يرون أنها متجذرة في ثقافة اليمنيين وتاريخهم الحافل بالصراعات.
وانطلاقا من هذا المفهوم، اتجهت السياسات السعودية الإماراتية لإذكاء نار الصراع المناطقي بين اليمنيين، والذي بدأته بتكريس واستحضار الصراع القديم بين الشمال والجنوب، والسير باليمنيين نحو العزلة الداخلية من خلال اختلاق عداوات وصراع مجتمعي ينتقل بالبلاد من دائرة الصراع السياسي إلى دائرة الصراع الشعبي، الأكثر اتساعا وتمزيقا وتأثيرا على حياة اليمنيين.
ومنذ سيطرة قوات الاحتلال الإماراتي على عدن والمحافظات الجنوبية، شهدت البلاد الكثير من التداعيات والتناقضات، التي اجتهدت أبوظبي في رسم خطوطها العريضة وتوجيهها لخدمة أهدافها ومشاريعها، التي ترى أن نجاحها مرهون بمدى نجاحها في تمزيق المجتمع اليمني.
استغلت الإمارات -ومن ورائها السعودية- التداعيات الناجمة عن حرب صيف 94م التي ينظر إليها بعض الجنوبيين على أنها احتلال، واستندت عليه في تعزيز مفهوم الشمالي المحتل واستثماره من خلال تبنيها لفكر التحرر من هيمنة صنعاء على القرار الجنوبي.
نجحت المؤامرة وتم استدراج أبناء المحافظات الجنوبية الذين كانوا يتطلعون لحل سلمي للقضية الجنوبية، لخوض معركة لم يكونوا يخططون لها، لكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم جنودا في خندق الاحتلال الإماراتي في مواجهة إخوانهم أبناء المحافظات الشمالية، الذين تحولوا بين عشية وضحاها إلى غزاة ومحتلين يجب مقاتلتهم وإخراجهم من محافظات الجنوب.
أشعلت الإمارات نيران الحرب المناطقية واحتدمت المعارك في كل المحافظات الجنوبية ضد -ما أسموه- الوجود الشمالي، وهي الحرب التي لم تتوقف عند حدود المواجهة مع القوات والألوية العسكرية، وتجاوزتها إلى خوض حروب وإشعال معارك لم يسلم منها المواطنون العاديون والعمال والتجار، ونجمت عنها الكثير من المآسي الإنسانية.
لكن، ورغم ما نجم عن مثل هذه المعارك من آثار وتناقضات، وحجم ما خلفته من مآسٍ وجراح في الجسد اليمني، ظلت حكومة الارتزاق وكل ما يتصل بها من منظومة سياسية وثقافية تنتمي في معظمها للمحافظات الشمالية، تتعامل مع ما تشهده المحافظات الجنوبية بلا مبالاة وبصمت؛ ما زاد الأزمة تفاقما واتساعا.
نجح مخطط الاحتلال السعودي الإماراتي، لكن نجاحه لم يتوقف عند حدود إخراج القوات الشمالية وتضييق الخناق على المواطنين في عدن وبقية محافظات الجنوب المحتل، إذ انتقلت المعركة إلى داخل معسكر حكومة المرتزقة ليجد حزب الإصلاح وحكومة المرتزقة أنفسهم في مرمى الحرب المناطقية التي سكتوا عنها ومنحوا الإمارات الفرصة لإشعال نيرانها بين اليمنيين.
واليوم وبعد إعلان المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً الإدارة الذاتية للجنوب وما نجم عن مثل هذا القرار من تداعيات شعبية وسياسية، تؤكد الأحداث أن السعودية والإمارات تدفعان أبناء المحافظات الجنوبية إلى هاوية صراع وحرب أهلية مناطقية، وهو المستقبل الذي تجلى في ردود أفعال الشارع الجنوبي الذي أعلن رفضه وعدم تأييده للإعلان.
وفي الوقت الذي سعى الانتقالي، من خلال إعلان الإدارة الذاتية، لإيصال رسالة تؤكد تواجده على الساحة، وسيطرته على المحافظات الجنوبية، عبّرت نخبة من الشخصيات السياسية والوطنية الجنوبية، يتقدمها علي ناصر محمد، عن قلقها وتخوفها من أن يكون إعلان المجلس الانتقالي “الإدارة الذاتية” بداية لتقسيم الجنوب وخلق صراع مجتمعي على أساس مناطقي، كما قوبل الإعلان برفض محلي وعربي ودولي.