تأتي قرارات حكومة الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام مُنفردة وبعيدة عن أيِّ تنسيق مع سلطة عباس في الضّفة الغربية، وآخرها محاولات نتنياهو ضم مُستوطنات الضّفة الغربية والأغوار الأمر الذي يؤدي إلى تآكل السلطة الفلسطينية، غير أنّ النافع في الأمر هو حتميّة إشعال انتفاضة ثالثة لن تبقي ولن تذر من تلك المُستوطنات أو حتى أراضي (48)، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإنّ أيّ ضمٍ للأراضي غالبًا ما سيتسبب بردةِ فعلٍ عكسي لن يكون بمقدور سلطات الاحتلال السيطرة عليه.
إصرار الکیان الاسرائیلي على عملية ضم المستوطنات والغور غريبٌ للغاية على الرّغم من أن الكثيرين يُحذرون من تنفيذ هذا القرار، لكن وكما يدّعي البعض داخل دولة الاحتلال بأنّ الظروف السياسية الدولية باتت ناضجة لتمرير مثل هكذا قرار، حيث أنّه من المرجح أن تدعم إدارة ترامب المُتعاطفة كليًّا مع دولة الاحتلال وخصوصًا الجناح اليميني المُتطرف منها هذا القرار، وهو بالمُناسبة يحظى بدعم من كافة الأجنحة في دولة الاحتلال، والحُجَّة في ذلك هي (الرغبة في حدود آمنة) غير أنّ قرارًا كهذا من شأنّه أن يُشعل الأرض تحت أقدام الإسرائيليين.
دولة الاحتلال وما عُرف عنها من دهاء ومكر إلّا أنّ الأمور هذه المرّة مُختلفة، فقد بدأت بوادر مُعارضة لهذا القرار من أقرب مقربيها ورُبما من مؤسسي هذا الكيان، حيث أن مائة وثلاثين نائبًا في البرلمان البريطاني صوتوا بفرض عقوبات اقتصادية على دولة الاحتلال الإسرائيلي في حال أقدمت على خطوة ضم مُستوطناتها في الضفة الغربية.
وقال النوّاب في رسالتهم لجونسون: “إسرائيل تتستر بانتشار وباء كورونا، من أجل السعي لتطبيق هذه الخطة الفظيعة، ومن الضروري أن تفعل المملكة المتحدة كل ما في وسعها لمنع ذلك”، لافتة إلى أن القانون الدولي ينص على أن “السيطرة على أي أرض خلال الحرب ممنوعة”، مُطالبين في الوقت عينه بالتأكيد لدولة الاحتلال بأنّ أيَّ عملية الضمٍ ستواجه بعواقب وخيمة، ومنها فرض عقوبات، مع التأكيد أن التصريحات وحدها لا تكفي، لأن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتجاهل التصريحات.
سباقٌ مع الزمن؛ هذا هو الحال الذي وصلت إليه حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فمن ناحية هي تُريد إنجاز عملية الضم في أسرع وقتٍ ممكن وهذا عائدٌ لسببين، الأول والأهم هو حاجة الأحزاب الإسرائيلية لنجاحٍ سياسي سريع يؤمن لها فرصًا انتخابية جيّدة ويؤهلها لإحراز مقاعد أكبر في الكنيست الإسرائيلي، حيث يبدو أنّ عملية الضم تلقى ترحيبًا واسعًا في الشارع الإسرائيلي، وباتت عملية الضم وترًا يضرب عليه كُلّ من أراد الحصول أصوات انتخابية أعلى.
أما السبب الثاني فهو استغلال وجود ترامب على رأس السلطة في البيت الأبيض، لما قد يوفره وجوده هناك من دعمٍ دولي في حال البدء بعملية الضم، وتُحاول حكومة الاحتلال إنجاز هذا الأمر قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المُقبل، حيث يرى نتنياهو أن ترامب هو الرئيس الأمثل لإنجاز هكذا مشروع، خصوصًا مع ارتفاع حظوظ مُنافسه “جو بايدن” في الوصول إلى البيت الأبيض، وهو الذي حذر من أن تسعی حكومة الاحتلال إلى أن تضم مستوطنات الضفة والأغوار، مُشيرًا إلى أنّ قرار الضم إن نُفِّذ ستخسر حكومة الاحتلال دعم الحزبين الحاكمين في أمريكا خصوصًا أنّ الجميع في أمريكا ضاق ذرعًا بتصرفات نتنياهو وحكومته المتهورة.
وفي النهاية؛ يمكن التأكيد على أنّ قرار الضم – في حال تنفيذه – سيكشف للعالم بأجمعه حقيقته، فغالبية دول العالم ومنذ إعلان ما يُعرف بصفقة القرن أعلنت وقوفها ضدّها، واليوم وفي حال تنفيذ هذا القرار الذي يُعتبر الخطوة الأولى في هذه الصفقة المشؤومة يتعيّن على دول العالم اتخاذ مواقف فعَّالة من شأنها ثني الكيان الإسرائيلي عن المُضي قُدمًا في تنفيذه، وإلّا فإنّ العالم سيشهد صراعًا جديدًا في الشرق الأوسط لن ينتهي قبل عودة اليهود إلى مواطنهم الأصلية التي قدموا منها طيلة المائة عام الماضية.