عصر الانبطاح
علي محمد الأشموري
وتبدأ الحكاية بالدراما الرمضانية السعودية الكويتية وفي شهر رمضان المبارك الذي حل ضيفاً خفيفاً على الشعوب العربية – الإسلامية، “عكاشة” صاحب “فضائية الفراعين” سابقا وعضو مجلس الشعب المصري بعد اشتداد الجدال بينه وبين السيسي على إثر ضيافة واستقبال مجموعة من شذاذ الآفاق الصهاينة المغتصبين جهاراً نهاراً في قاهرة المعز، فأغلقت “الفراعين” التي كانت تدس السم في العسل وظهر يتفاخر عبر فيديو ويصرح بأن الإعلام المصري والفلسفة الأمريكية للإعلام، هم أساتذة الإعلام اليهود الذين تعلَّم -حسب قوله- على أيدي بعض منهم… تعلَّم على يديهم في المؤسسة الإعلامية، وأشاد بالمدرسة اليهودية الأمريكية التي وصف الذين تعلم على يديهم في إدارة المؤسسات الإعلامية من اليهود الأمريكان بأنهم “كويسين جداً” -حسب قوله- ليس في مصر فقط وإنما مثلاً “من الذي يدير “الامبيسي؟”
بنو إسرائيل .. الذي يدير الإعلام المصري هم بنو إسرائيل كاملاً، “عكاشة” يتحدث عن الانبطاح الإعلامي في زمن “إسرائيل حبيبتنا والعرب أعداؤنا”.
ما علينا، فقد تبعه مسلسل تطبيعي سعودي يروِّج لأخلاق ووداعة بني صهيون ويلمز ويغمز إلى أصحاب القضية الفلسطينية الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً وسط دول المقاومة والأمر من أساسه له ارتباط بوباء كورونا وانخفاض بورصة النفط العالمي بعد شعار “خليك في البيت”، فقد تلقى محمد بن سلمان اتصالاً فيه تهديد ووعيد إذا لم يخفَّض من إنتاج النفط، الأمر الذي دفع الطائش بن سلمان بين شتائم ووعيد “البيت البيضاوي” بسحب القواعد العسكرية وإزالة غطاء الدعم والحماية الأمريكية عن السعودية، إلى تخفيض إنتاج النفط خوفاً على الكرسي، وتبعته الكويت بمسلسل تطبيعي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خطر انبطاح التطبيع المضحك المبكي أن حزب الله يعتبرونه إرهابيا.. عجبا للانبطاح العربي.
الإرهاب … عجبا لأن حزب الله اللبناني مقاوم وعلى يديه تجرَّع الصهاينة أكثر من هزيمة نكراء منذ عام 2006م، فالعدو الصهيوني الغاصب اصبح مدللاً لدى العربان.. فهل أصبح ميزان القوى يميل إلى الكيان الصهيوني المحتل بخطة مدروسة من الكونجرس والليكود لتصبح المقاومة في قائمة ما يسمى بالإرهاب ومنظمات الجهاد الإسلامي وحماس في نفس الوضع؟. عيب يا عربان النفط، فنهاية المطاف ستكونون وقد أصبحتم “دمى” في يد الكيان الصهيوني الأمريكي الأمر الذي لا يمكن السكوت عليه.
أما بالنسبة للإعلام المصري أيام عبدالناصر ودول عدم الانحياز ورمزه “هيكل” -رحمة الله عليه- وكبار المثقفين المصريين والعمالقة الإعلاميين فلا أحد يستطيع حجب عين الشمس في وضح النهار، وإذا كان الغرض طمس هوية “الجمهورية العربية المتحدة” “ناصر”، فعبدالناصر قاتل الاحتلال الإسرائيلي وقاتل الأنظمة المنبطحة بالرجال وبالسلاح وقاتل المحتل بالإعلام الحر ولا تنسوا أن عبدالناصر -رحمة الله عليه- بعد وفاته لم يمتلك في خزينته سوى 12 جنيهاً.
أما سماحة السيد حسن نصر الله فهو رجل مقاوم صريح يحسب له الكيان الإسرائيلي ألف حساب ويقف دوماً إلى جانب القضية المركزية الأولى وقلب العرب النابض “القضية الفلسطينية” وهو أول من دمَّر “الميركافا” فخر الصناعة الصهيونية ولن ازيد.
رمضان والأسعار والغش التجاري “2”
بلاغ لمن يهمه الأمر في وزارة الصناعة والتجارة: المواطن يدعوكم للنزول إلى الأسواق لكبح جماح الأسعار التي ترتفع كل يوم وكأن المواطن يعيش في كوكب والوزارات المعنية تعيش في كوكب آخر وبرج عاجي.
والسبب الملعون هو “الأخضر الأمريكي” وتصاعده المستمر حتى أثَّر على مستوى قوت الشعب الصامد اليومي بدءاً من “البطاط” وانتهاء بـ”الطماط”، هناك تجار جشعون لا يخافون الله ولا يقتنعون بالرزق الحلال وهم يعرفون أن الشعب اليمني وعلى مدى نصف عقد من الزمن ويزيد بدون رواتب وتحت القصف والحصار وانعدام الأدوية وتخزينها من قبل تجار “السوق السوداء”، وأخطرها انعدام دواء الفشل الكلوي ودواء الغدد الدرقية والليمفاوية وهذا عائد على وزارة الصحة العامة والسكان، فالخطورة تكمن في تخزين اكسير الحياة من الدواء الذي أصبح سلعة تجد رواجاً في السوق السوداء وبسرية تامة تباع للموثوق بهم فقد قفر “الاندرال” و”نيو ميركازول” الذي أصبح شبه معدوم وإن وجد وهذا مستحيل فتجد سعره قد ارتفع من أربعة آلاف إلى 11 ألفاً و15 ألفاً والتجارة شطارة، وربنا يستر وهذا بلاغ معاناة الناس.
سيول بلا مجاري “3”
منَّ الله سبحانه وتعالى على العاصمة صنعاء وضواحيها بأمطار ليل الجمعة الماضية استمرت لما يقارب الخمس ساعات… يا خبرة التحذيرات للأمانة لا تنفع، فالحلول الجذرية لتماسك المباني المتهالكة ضرورية ولا رحم الله دول تحالف العدوان والمنظمات الأممية الكاذبة التي نسمع منها تصريحات ولا نرى شيئاً على الواقع، “نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً”… اللهم اجعله نعمة لنا لا نقمة علينا.. اللهم اجعله حوالينا لا علينا.
عيد العمال “4”
يحتفل العالم ومعه الشعب اليمني بعيد العمال العالمي.. نحتفل بتلك السواعد السمراء التي يعوَّل عليها في البناء والتنمية والزراعة والصناعة التي تنقل اليمن من المجهول إلى دائرة المعلوم … فتحية لتلك السواعد التي تبني وتعمل بصمت، فالعامل هو البَّناء والنجَّار والمخترع وكل الشعب اليمني عامل، كل في مجال تخصصه… فمبروك للعمال عيدهم.
اللهم احفظ اليمن وأهله من كل وباء وكارثة، يا رب أنت أحكم الحاكمين أنت تعلم ما عاناه الشعب اليمني جراء الحرب الظالمة والحصار الجائر من كوارث بيئية ووبائية.. اللهم ارفع البلاء عن البلاد يا أرحم الرحمين.
قانون “ساكسونيا” “5”
الإجراءات الوقائية والاحترازية في اليمن ضد وباء جائحة “كورونا” بدأت من حيث انتهى الآخرون حسبما ذكره في المؤتمر الصحفي معالي وزير الإعلام ضيف الله الشامي ومعالي وزير الصحة طه المتوكل، فإغلاق شوارع ورشّها بالمواد المبيدة لهذه الفيروس الخطير احترازي وخطوة من أجل الحفاظ على صحة المواطن اليمني، قال واحد من المارة “لا الكمامة ولا الجوانتي ترد القضاء والقدر” قلت له: يا صاحبي هذا فيروس قاتل فالشخص المصاب به يمكنه أن ينهي أسرته بأكملها، لكن نأخذ بالأسباب وما جاء من الله حيّا به، نظر إليَّ باشمئزاز وتلعثم بكلمات لم أفهمها ومضى، كان بجانب الجدار الطيني صبي يبدو أنه ضمن الأسر النازحة، أخذ مسماراً طويلاً وبدأ ينحت في الجدران.. نهرته بعد أن تعبت في محاولة إقناعه بأن هذا العمل يمكن ان يسبَّب له مشاكل مع صاحب البيت.. إلا أن أحد المارة قال بفضول خلي الولد يمارس هوايته ، استغربت اللا مبالاه من قبل البعض الذين ينظرون إلى الخطأ ويشجعون عليه، وقلت: حسبي الله ونعم الوكيل.
الخطأ يبدأ من الصغر وعندما يجد الطفل من يشجّعه على مثل هذه الأعمال سوف يكبر وتكبر معه هذه العادة السيئة.. وتتشعَّب.
فإذا كان الكبير عديم التربية فالصغير يتصرف بكل أريحية في مؤاذاة الناس.
أجاب شخص آخر: هذا العمل قلَّة أدب، تصوَّر يا أخي أن أطفالاً يزعجوننا بالكرة ويرمون الشبابيك، وقررت حينها أن أذهب إلى ولي أمر أحد الأطفال الأشرار الذي “يجرجر” – من صباح ربي – بعده عشرة كلاب ويطوف بها الحي وهو من يشجِّع الأطفال على المشاغبة ومؤاذاة الصائمين النائمين في بيوتهم… قلت لوالد الطفل: ابنك كسر الزجاج وهرب ويرمي بالحجارة إلى حوش منزلي “فأجاب ولي الأمر” ما لقيت إلا أبني “المسكين”!!
تألّمت من ردة واستعذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت “اللهم إني صائم”.
تجمَّعت في رأسي الأفكار والخواطر وفي مقدمتها ما يقوم به ذلك الطفل القصير القامة الذي يتقافز من جدار منزل لآخر، أشعث الرأس أسمر الملامح، كانت الشقاوة تنبع من عينيه فتطغى على البراءة، حينها استرجعت معنى التربية قبل التعليم، فالتعليم بدون تربية يولِّد قلة الأدب… حاولت أن استدرج الطفل واستخدم معه أسلوب الاقناع، لكن دون جدوى، وصدقت المقولة “حاولت أن أحاور عالماً فغلبته.. وحاولت أن أحاور جاهلاً فغلبني”، نظرت إليه نظرة حنان، فبادلني النظرة بشقاوة… تذكَّرت حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ووصيته بسابع جار فدارت في خلدي قصة ذلك الرجل الذي انحنى ظهره وهو يجمع فصولاً وبصائر” داخل كيس ومن كثرة ما حاول أن يسترد حقه انحنى ظهره وابيض شعره وضعف نظره، ذهلت من ذلك المنظر لزميل كانت البسمة لا تفارق شفتيه وسريع البديهة في النكتة، ارتمى إلى حضني باكياً، حاولت التخفيف عنه، لكن دموعه كانت تختلط مع حشرجة بكاءة، فقلت له: مالك يا صديقي وزميل دراستي … فأجاب وهو يمسح على دموعه: يا صاحبي لقد عدت حاملاً أحلامي بعد الدراسة ولظروف الحياة قسَّم الوالد -رحمه الله- بيني وبين اخوتي تركته المتواضعة، وحاولت شراء أرضية فدخلنا في مشاكل الطمع وبمساعدة أفراد الأسرة انتصرت في بناء غرفتين وحمام ومطبخ، ولأني صرفت كل ما في الجيب قررت السفر إلى القرية للاستدانة من إخوتي فحصلت على بعض النقود وعدت لأرى المفاجأة التي كادت أن تسقط قلبي وتوقفه عن الحياة.. وجدت جزءاً من الأرض قد التهمت من قبل الجار -لا رحمه الله دنيا وآخرة- مبنية من البلك والإسمنت وسد منافذ السيول واستولى على المجاري وغرف التفتيش بفعل قانون “ساكسونيا” هذه أول مصيبة..
والمصيبة الثانية هي أنني وجدت شبابيك زجاجية في نوافذ منزلي التي كنت قد سددتها ببطانيات، ربتَّ على كتفه ووعدته خيراً، تناولنا طعام الغداء في منزلي المتواضع، الرجل كان يهذي وفلتت من فمه كلمة عبَّرت عن مدى الهم الذي هو واقع في دوامته “البيت” يا زميلي مسكون”…. فوجئت بكلامه قائلاً وبدون تفكير: بالجن، قلتها هلعاً، ضحك بمرارة قائلاً: يا ليت فعندما ذهبت إلى القرية وتأخرت في البحث عن الإعانة رجعت وقد تحوَّل البيت بقدرة “نصاب” إلى اسمه وقام بالواجب بعمل الشبابيك الزجاجية محل البطانيات.
وكثَّر الله خيره ركَّب أبواباً غاية في الروعة وتحوّل من اسم زميلك إلى اسم آخر، وهئنذا في المحاكم نسيت كل ما درسته ولا رحم الله القوانين التي لا تنفذ إلا قانون “ساكسونيا”.. حمَّلني همومه بكوابيس، وبحكم عملي الأسبق في البرلمان استطعت بعد جدل مع رئيسه أن انتزع لصاحبي أمراً قهرياً بإعادة الحق إلى نصابه، بعد أن هددت بالاستقالة.. فرح صاحبي وأخذ الأمر ورمى بـ”الشوالة” وذهب، كان ذلك في العام 1997م.