رغم أنه لم يتبق منه سوى الأثر، يبقى مسجد الفازة واحداً من أهم المعالم التاريخية الدينية في اليمن وأحد أقدم الجوامع، فتاريخ بنائه يعود إلى القرن الهجري الأول، أو بصحيح العبارة إلى الجيل الهجري الأول، بأمر من معاذ بن جبل، الذي بعثه رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) في السنة التاسعة للهجرة قاضيا على الجند وظل متنقلاً بين تهامة والجند إلى أن انتقل للمشاركة في معارك بلاد الشام مع المقاتلين اليمنيين.
يقع مسجد الفازة في مديرية التحيتا جنوب مدينة الحديدة (يبعد 30 كيلومتراً غرب زبيد التاريخية ويرتفع عن مستوى سطح البحر حوالي أربعة أمتار)، ويعد أهم المساجد الإسلامية الأثرية السواحلية من حيث التخطيط المعماري الفريد والمصمم في بنائه لمقاومة الظروف البيئية الساحلية، إضافة إلى كونه يمثل أحد أنماط العمارة الإسلامية اليمنية في تهامة النادرة.
يعتبر جامع الفازة رابع مسجد بُني في اليمن منذ بداية العصر الإسلامي بعد الجامع الكبير بصنعاء وجامع الجند بتعز وجامع الأشاعر في تهامة، ومر بمراحل بناء وتوسعة في عهد الزياديين الذين حكموا زبيد في عهد بني أمية خلال القرن الثاني للهجرة وأعاد بناؤه النجاحيون في العصر العباسي ثم الأيوبيون في القرن السادس الهجري، وأسمي بجامع الفازة نسبة إلى منطقة الفازة التي تعود تسميتها إلى العلّامة التهامي الصوفي أحمد الفاز الذي عاش في القرن السابع الهجري، ولا تذكر مراجع التاريخ تسمية للجامع قبل ذلك.
بقي المسجد شاهدًا على مدى الوعي التاريخي بأهمية المآثر الدينية والروحية خلال التقلبات العسكرية والسياسية والدينية والغزوات والحروب التي شهدتها اليمن منذ بنائه، وأولي اهتماماً بالغاً من قبل مختلف الجماعات الدينية، وارتبط ذكره بقداسة روحية لدى الصوفيين الذين ظلوا يترددون عليه كل عام لزيار ضريح العلامة الفاز، الذي ولد ودفن في المنطقة ذاتها، حتى جاء العدوان السعودي الإماراتي بما يحمله من فكر وهابي متطرف ضد الدين والتراث والثقافة والوعي فدمّرت قواته المسجد في أكتوبر من العام 2018، وسوّيت بنايته بالأرض.
كان المسجد لنحو 800 عام استراحة للمسافرين المارين عبر المنطقة، وفيه مركز دعوي للقادمين من البحر من أهل الحبشة ومأوى لكل من تقطعت به السبل ومنارة للزهاد والنساك؛ تقام بين جنباته الخلوة مع الله للعبادة، ويضم في مكتبته مئات المخطوطات اليمنية التي تعود إلى القرون الهجرية الأولى، وبه نقوش معمارية تهامية جمالية ويضم ثلاث قباب متساوية الحجم والنقوش الداخلية ويزوره الآلاف من اليمنيين كل عام.
ويعد مسجد الفازة الأثري ملتقى للأولياء والصوفيين وأكابر العلماء أيام الدولة الرسولية على ساحل البحر الأحمر كما تذكر كثير من المصادر التاريخية، حيث سلاطينها يحتفلون فيه بختم القرآن وليلة البهجة وليلة المحيا، وفيه يختلي العلماء والصالحون، بيد أن متشددين من المرتزقة ينتمون إلى التيار التكفيري قاموا بهدمه قبل عامين بالجرافات العسكرية.