الحياة في زمن الكورونا
عبدالملك سام
الجلوس في البيت، والخروج الحذر الذي أصبح يقتصر على أماكن محدودة فقط.. أصبح سمة الحياة لدى معظم البشر في هذه الفترة، إلا ذلك صار أكثر تعقيدا لدى بعض الأمم التي انتشر كورونا أو (كوفيد-19) فيها بشكل واسع، فحياة الناس أصبحت على المحك، خاصة أولئك الأطفال وكبار السن والمصابون بأمراض مزمنة، ومن الغريب ما نسمعه من أفكار شاذة لدى بعض الغربيين الذين باتوا يتحدثون عن “الانتخاب الطبيعي” و”البقاء للأقوى”!! من قال إن الأفكار النازية المجنونة اندثرت؟!!
أن تجلس في بيتك لهو أمر بالغ الصعوبة للبعض، خاصة أولئك الذين لم يعتادوا استغلال الوقت في المطالعة والقراءة، وهو برأيي فرصة لتغيير بعض السلوكيات العبثية التي نمارسها بإصرار طوال الوقت، وربما خرجنا من هذه المحنة وقد ارتفع عدد المثقفين في مجتمعنا خاصة ونحن أقل الأمم قراءة على مستوى العالم!! فالإنسان قادر على التأقلم مع أي أسلوب حياة جديد، فقط بمرور بعض الوقت سنعتاد الوضع الجديد، وصحتنا وصحة من حولنا أولاً..
هناك فائدة أخرى من بقائنا في المنازل ألا وهي الجلوس مع أفراد أسرنا، وهي متعة اكتشفتها مؤخرا عندما وجدت أني أعرف أقل مما اعتقدت أني أعرفه بكثير! ورؤية هؤلاء الأحبة تجعلك أكثر إصرارا على الجلوس في البيت، خاصة وأنت تخاف أن تكون السبب في أن تنقل لهم أي عدوى من خارج المنزل، ولمعرفتك بالطبيعة الشيطانية لهذا الوباء الذي بإمكانه أن ينتشر منك إلى الآخرين قبل أن تكتشف أنك مصاب به! حتى أن الواحد منا يسأل نفسه بدهشة أين كان طوال تلك الفترة الماضية؟!
هناك فائدة مهمة وراء هذا الأسلوب الجديد في العيش، فنحن أصبحنا أكثر حرصا على النظافة، وقلّ عدد الباصقين على الأرض، وأصبح الناس يعطسون أو يكحون بشكل مؤدب أكثر، وبسبب قلة التنقلات صار الجو أقل تلوثا، كما أن الصابون والمنظفات انتشرت في المحلات والمنازل بشكل ملفت، بل إن العديد – تخيلوا ذلك – أصبحوا يحملون المعقمات في جيوبهم، وامتنع الكثير منا عن شراء المواد المكشوفة، وأصبح الشخص المهمل لنفسه ولنظافته الشخصية محلا لنظرات الشك والانتقاد.. كما أصبح الناس يتابعون بحرص تلك المنشورات الصحية، ويبحثون عن أساليب الحياة والتغذية الصحية.
أما النعمة العظيمة فهي ما نراه من عودة الكثيرين حول العالم للسلوك السوي بعد أن أصبحوا يخافون على حياتهم، وبدأت مجتمعات عدة تقلل من نظرتها المادية الأنانية لكل شيء فالغني والفقير يتساوون عند الموت، وها هي مجتمعات كانت غارقة في ملذاتها الدنيوية تهتم بالجانب الروحي، ومع استمرار هذا الوباء في الانتشار أكثر سنرى عودة الكثير من الأمم إلى الله أكثر، وفي أقل تقدير سنرى مستوى الشر يقل عما كان عليه، أقول “ربما” لأن هذا هو المفترض بالبشر أن يكونوا عليه! أما نحن في اليمن الحبيب فالله معنا ولن يُخِيّبَنا، والعودة إلى الله ضرورية في كل الأوقات.. نسأل الله أن يحفظ بلدنا وشعبنا من كل مكروه.
أحب أن أشير إلى نقطة أخيرة هي ما نشاهده من مبالغة البعض في تخزين المواد الغذائية والصحية! هذا جانب سيئ لا يليق بنا ونحن من مررنا بأقسى الظروف من قبل، من الجيد أن تشتري ما تحتاجه حتى لا تضطر للخروج مرارا، ولكن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسبب بها العدوان والحصار، ومن باب الإنسانية ونحن نشاهد ضعف الكائن البشري يجب أن نشعر ببعضنا، كما يجب أن نبتعد عن الجشع حتى لا يكون ذلك سببا في ارتفاع الأسعار، ولمواجهة الكورونا نحتاج إلى تعاون على أرقى مستوى إنساني، فإصابة فرد واحد لا سمح الله بهذا الوباء في بلدنا يعني أن الخطر مازال قائما! ومخزون نصف شهر يكفي صدقوني.. ودمتم بخير.