الثورة نت|..
يستقبل اليمنيون رمضان هذا العام في وضع أشد تعقيداً من الأعوام السابقة وبقدرة شرائية ضعيفة جداً، خصوصاً مع استمرار انقطاع المرتبات وانتشار جائحة “كورونا” العالمية.
وتراجع إقبال الناس على الأسواق بصورة ملحوظة ، فمنذ بدء العدوان على اليمن عملت كثير من الأسر على تغطية احتياجاتها من خلال إخراج ما تم ادخاره بالإضافة إلى بيع المجوهرات الخاصة بالنساء وصولاً إلى بيع أثاث المنازل.
ولكل محافظة يمنية طقوسها في رمضان، ووجباتها المفضلة وترتيباتها الغذائية والتي قد تتشابه عند البعض وتختلف عند البعض الآخر.
ففي العاصمة صنعاء يستقبل اليمنيون كعموم الشعوب الإسلامية، في كل عام، شهر رمضان المبارك، كضيف سيغير كل شيء، لكنه وفي ظل الأوضاع التي يمر بها اليمن، يكون التغير مختلفاً من ناحية الاستعدادات على مستوى الأسر، وبما يتناسب مع الآثار التي تركتها الحرب الظالمة على بلادنا في كل منطقة أو أسرة.
النفس تودع ” ما تشتهي”
ومن مظاهر استقبال الشهر الكريم التي انحسرت هذا العام تقريباً ، عادة إقامة حفلات إعداد وجبة شهيرة تُسمى “يانفس ما تشتي” بأيام شعبان الأخيرة ، والتي كانت الكثير من النسوة يحرصن على إقامتها .
وتُعد ” يانفس ما تشتي” من أبرز العادات التي تميز صنعاء في استعدادات استقبال رمضان ، والقصد منها هو أن يعطي الإنسان نفسه ما تشاء من “الأكل”، قبل أن يدخل شهر الصيام ، الذي سيضطر معه لمنعها من الأكل طوال النهار.
وهي عادة صنعانية قديمة ، تتمثل في أن الأسرة كلها تجتمع ، وأحياناً تجتمع الأسرة والجيران ، وتٌعمل فيها حلويات كالرواني والبسبوسة ومربى الدبا والجزر والكيك والموالح كالكروسان والسندويشات، والمعجنات كالفطائر والعصائر والشاي بالحليب… وغيرها، وكل امرأة تحضر معاها أي طبق وتجتمع وتأكل من كل ما تشتهي النفس في يوم يا نفس ما تشتي.
زيارة “المقشامة” :
يقصد اليمنيون، نهار كل يوم في رمضان، “المقشامة” وهي مزارع مخصصة لزراعة الخضروات ، وعادة ما تكون استعداداتها مبكرة جدا بزراعة الخضروات اللازمة للمائدة الرمضانية ، ويحضرون الفِجل والنعناع والجرجير والنباتات العطرية، التي تُضاف إلى “الشفوت”؛ الوجبة الرئيسية في موائد الإفطار الرمضانية في اليمن.
ويُعد الذهاب إلى “المقشامة” طقسًا رمضانياً يستعذبه الناس، ويتضمن إلى جانب غرض الشراء، نزهة تأملية ساحرة يقضيها الصائمون من بعد صلاة العصر الى قبل غروب الشمس، بعد خروجهم من صخب المدينة إلى رحابة الطبيعة.
وتتواجد “المقاشم” في أراضٍ رحبة وفي الغالب تكون حولها المنازل ، ما يمنحها سحراً، كونها مساحات زراعية تتواجد داخل مدينة صنعاء، وتمنح تلك الأخيرة ألقاً ريفياً يجذب الناس إليها، خصوصاً في رمضان.
غربة الأسواق:
في صنعاء تختلف أسواق رمضان عن العالم الإسلامي كله ، فكل مكان بها يحمل عبق التاريخ وذكريات من الماضي القريب ، ففي العشرين من شهر شعبان تتوافد القبائل من ضواحي مدينة صنعاء قاصدة أسواقها المختلفة لشراء حاجيات رمضان.
وتبدو الأسواق في العاصمة صنعاء حالياً خالية من المتسوقين فيما البضائع مكدسة في مراكز التسوق الكبيرة ، رغم أنه لم يتبقى سوى يومين او ثلاثة لدخول شهر رمضان، بعكس ما كان قبل العدوان حيث كانت تزدحم الأسواق منذ الثلث الثاني من شهر شعبان ، غير أن ظروف الحرب بدلت حالة الناس.
فالأسواق في مثل هذه الأيام تكون قد امتلأت بكل ما يحتاجه الإنسان في هذا الشهر ونظرة واحدة من خلال “باب اليمن” وهو أكبر أبواب مدينة صنعاء تلفت الانتباه لتزاحم الناس وتداخلهم ، فذلك يشتري الحب “الذرة، الشعير، القمح، الرومي”.. وهذا يشتري البهارات والحوائج “الثومة – البصل – الحلبة المطحونة – الكمون – الصعتر” وآخر يتساوم مع البائع لشراء سلعة معينة وهكذا.
ويقتصر استعداد الأسر اليمنية لشهر رمضان هذا العام على اقتناء القليل من الاحتياجات البالغة الأهمية وذلك بسبب الوضع المادي المتردي الذي يعيشه أرباب الأسر.. فلا يوجد مجال إطلاقا لشراء الكماليات التي كانت عادة ما تصاحب شهر رمضان المبارك ليقتصر الشراء على المستلزمات الضرورية.
وكانت السنوات الماضية ، أي قبل العدوان على اليمن من قبل تحالف الشر، تشهد موسما رائعاً ومربحاً للتجار جميعا حيث كان الجميع يستنفر طاقاته في شراء كل شيء بالجملة وتقوم الأسر بشراء جميع المواد الغذائية اللازمة لها وتضج الأسواق بالمتسوقين وتباع كل البضائع ولكن في هذه السنة بالذات ، الأمر مختلف تماماً فالحركة التجارية تراجعت كثيراً.
استعدادات الريف:
تغادر بعض الأسر العاصمة صنعاء إلى القرى الريفية لصوم شهر رمضان حيث التكلفة المعيشية الأقل، بالإضافة إلى الأجواء الروحانية والنقية التي تتميز بها القرى، وأيضاً يكون التكافل الاجتماعي أكثر في بساطة المائدة الرمضانية وتنوعها الطبيعي.
ويتألق رمضان بطقوسه الدينية والاجتماعية في الريف اليمني حيث النقاء والصفاء والعلاقات الاجتماعية الراقية التي تزداد مع تمسك أبناء الريف بالطقوس المتوارثة من العبادة وتلاوة القرآن.
أما الحياة في الريف اليمني الزراعي فتختلف نسبياً خلال شهر رمضان عن حياة المدن ، فالريف زراعي 100% وسكانه لا بد أن يتكيفوا مع مقتضيات الحياة حيث يتطلب منهم تنفيذ العديد من الأعمال مثل الحرث أو جني المحاصيل أو تجميع الخضر وإدخالها للمدن لبيعها، وهذا يستدعي بذل الجهد وبخاصة من قبل النساء.
ويرحب سكان الريف بقدوم شهر رمضان بهتافات تعبّر عن الفرحة والابتهاج بهذا الشهر يرددونها قبل رمضان بأيام قليلة وخلال الشهر كما يرددون هتافات الوداع في الأيام الأخيرة منه التي تعبّر عن حزنهم لفراق شهر رمضان.
وما يميز الشهر الكريم في ريف اليمن هو تجمعات الموائد الخيرية (مشاريع الخير الرمضانية) وتعكس واقعاً متميزاً للعمل الخيري، حيث يقوم العديد من ملاك المنتجات الزراعية بعمل ضيافات لأهل الريف، وكذلك تبادل الزيارات بين القرى.
وتكاد تكون المظاهر الرمضانية بجميع الأرياف في اليمن متشابهة حيث تبدأ الاستعدادات لهذا الشهر من الأيام الأخيرة من شهر شعبان فتزدحم الأسواق بالناس لشراء المواد الغذائية ، معتقدين أن شهر رمضان لا يحتمل عناء البحث عن هذه السلع والسفر للمدن للتسوق كل يوم.
وقبل رمضان بثلاثة أيام أي في ليالي الـ27 والـ28 والـ29 تبدأ مآذن بعض المناطق الريفية بالترحيب بالضيف الحبيب ، فما إن يعود الناس إلى بيوتهم بعد أداء صلاة العشاء حتى تبدأ الحناجر المؤمنة تغرد فرحة برمضان.
سبأ