الدور الأمريكي في حرب أكتوبر 1973م
أنس القاضي
تعد استراتيجية “الخطوة خطوة”، من أبرز الاستراتيجيات التفاوضية لدى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر. والذي وضعها كسياسة للإدارة الأمريكية للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي عقب حرب أكتوبر سنة 1973م بالتوازي مع الجسر الجوي الذي أمّنته واشنطن للكيان الصهيوني.
تمثلت أهدف استراتيجية كيسنجر في ضمان تقوية “إسرائيل”، وإضعاف المحيط العربي عسكرياً وسياسياً، وذلك عن طريق تجزئة الحل، في العمل على أن تتفاوض مصر وسوريا مع الكيان الصهيوني بصورة منفردة، وبالتالي عمل وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر على خلق انشقاق بين الدول العربية، وحول الحرب من حرب تحررية عربية ضد الاحتلال الصهيوني، إلى خلافات حدودية بين الكيان الصهيوني والدول العربية المحيطة التي عرفت بمحور الطوق.
كما عمل كيسنجر على تخريب العلاقة المصرية السوفياتية، مما أضعف الموقف العربي. بالإضافة إلى ذلك فقد لعب كيسنجر دوراً رئيسياً في دفع الرئيس المصري أنور السادات والملك السعودي فيصل إلى إلغاء سلاح حظر تصدير النفط، وقبول خطة رئيسة الحكومة الصهيونية غولدا مائير.
تنفيذاً لتوجيهات الإدارة الأمريكية أعطى كيسنجر الضوء الأخضر لإسرائيل بعدم الالتزام بوقف إطلاق النار المُقر من قبل مجلس الأمن في تاريخ 22 أكتوبر 1973م والمنصوص عليه في القرار رقم 338؛ وبالتالي فقد مكن القوات الصهيونية من التقدم في الضفة الغربية من قناة السويس وصولاً إلى فرض حصار مطبق على الجيش المصري الثالث المرابط في الضفة الشرقية من قناة السويس، وبذلك اكتسبت إسرائيل ورقة ضغط مؤثرة على الجمهورية المصرية.
وقد نفذ كيسنجر نهجاً سياسياً قاسياً أثناء المحادثات مع مصر مستغلاً ورقة الضغط هذه، حيث لخص الموقف الأمريكي على النحو التالي:” بالطبع إن مصر كدولة واقعة تحت الاحتلال، هي الدولة التي يتطلب منها الأمر أن تقدم تنازلات أكثر”.
كان هدف ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر في حرب أكتوبر هو تفادي الوصول إلى تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي وفق قرار مجلس الأمن، الذي أكد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 67.
في الثامن من أكتوبر 1973م سافر كيسنجر إلى المملكة السعودية وفي طريقه زار الأردن، حيث اجتمع بالملك حسين وكبار معاونيه وأطلعهم على نتيجة ما توصل إليه في مصر من الاتفاق مع السادات على إبرام اتفاقيات منفردة مع الصهاينة لفك الاشتباك.
في زيارته للسعودية استخدم كيسنجر الخطاب العاطفي للملك فيصل يبرر له لماذا قامت أمريكا بدعم إسرائيل ويبدي له أسف أمريكا من استخدام السعودية الصديقة سلاح حظر تصدير النفط، كما أكد كيسنجر للملك فيصل بأن أمريكا ستدفع بتسوية للصراع العربي الإسرائيلي.
تمهيداً لاتفاق جنيف، ذهب كيسنجر إلى مصر في 12 ديسمبر 1973م واجتمع بالسادات، وأخبره بأن فك الاشتباك سيكون المهمة الأولى للمؤتمر، كما نجح كيسنجر في الحصول على تنازلات اضافية من السادات، نتيجة رغبة السادات في الانعطاف نحو أمريكا وأيضا نتيجة ضعف المركز التفاوضي لمصر حيث كان جيشها الثالث تحت الحصار.
في الخامس عشر من ديسمبر 1973م وصل كيسنجر الى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد، وكانت رؤية الأسد أنه بالإمكان انتصار الشروط العربية ما دام سلاح النفط مستخدما ومادامت الصداقة مع السوفيت قائمة ومادام الموقف التفاوضي العربي موحدا.
عرض كيسنجر على الأسد كتاب الدعوة إلى مؤتمر جنيف، وسأله عن رأيه حول صيغة الدعوة. إلا أن الأسد انتقل إلى صلب الموضوع، حيث استفسر الأسد من كيسنجر عما إذا كان مؤتمر جنيف سيبحث موضوع التسوية الشاملة؟ وعما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية توافق ضمن إطار التسوية أن تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة عام 67 وأن تعترف واشنطن بحقوق الشعب الفلسطيني.
فأجابه كيسنجر: بأن الولايات المتحدة عازمة على تحقق تسوية شاملة، وبأن المؤتمر الأول يجب أن يكون من أجل فك اشتباك القوات.
إلا أن الأسد كان يرى بأن فض الاشتباك يجب أن يسبق اللقاء الأول في جنيف، فيما يخصص مؤتمر جنيف لبحث التسوية الشاملة، ولذا فلم يشارك في مؤتمر جنيف.
انعقد مؤتمر جنيف في 21 ديسمبر ولم ينجز شيئا، ولذا اتجه كيسنجر إلى تطبيق استراتيجيته وما توصل إليه من تفاهمات مع مصر والأردن والسعودية، وهكذا حققها في الواقع بعيداً عن المؤتمرات الدولية.
تجدر الإشارة إلى أن كيسنجر حين أكد للعرب التزام الولايات المتحدة بتحقيق تسوية شاملة لم يفصح بدقة عن مضمون هذه التسوية وبخاصة فيما يتعلق بالحدود النهائية لإسرائيل.
وحين ألحّ الرئيس حافظ الأسد على كيسنجر بأن يقدم مزيدا من الإيضاح أجابه كيسنجر:” إن سلفي (ويليم رروجرز) أعلن مرة تفسيرا للقرار 242 وخلال أربع سنوات بعدها ظل يضرب على رأسه. من الواضح بأن أية تسوية تتطلب موافقتكم. ولكننا لسنا في مركز لأن نعلن موقفنا حول ما تجب ان تكون عليه الحدود النهائية لإسرائيل، لأن ذلك سيقضي على إمكانيتنا في أن ندير التفاوض. لذلك يجب أن نسير خطوة خطوة”.