العقد الوثيق!! 

لا يحتاج الحديث عن التحديات التي تواجهها اليمن اليوم الكثير من التكهنات والتخمينات والتحليلات المتشعبة حيث وأن القسم الأكبر من تلك التحديات أخذ في التراكم والتشكل إما بفعل الموارد الاقتصادية المحدودة والتي يقابلها نمو سكاني مرتفع أو أنها من نتاج إرث الماضي المتخلف بعقده وقتامته وسوداويته وظلاميته وعنصريته وأمراضه التي ما تزال تلقي بثقلها على حاضر هذا الوطن. خاصة وأن هناك من لايزال يحن إلى هذا الماضي سواء ما يتعلق منه بالعهد الإمامي والاستعماري والسلطنات والمشيخات أو الحقبة التشطيرية التي حفلت بالصراعات الدامية والحروب ودورات العنف والتصفيات وأوجاع التجزئة والتمزق والتشظي وهو ما يظهر اليوم في تلك النتوءات التي خرجت علينا مؤخراٍ من شراذم محدودة تحركها مصالحها وغرائزها وانشدادها إلى ذلك الماضي البائس والكريه وتفكيرها السقيم الذي لم ولن يتغير ما بقيت هذه الشراذم غارقة في أوهامها وكوابيسها وأحلامها العليلة وستبقى هكذا تتآمر على هذا الوطن وثورته ووحدته وانجازاته مسكونة بسوء التقدير وسوء التصرف وسوء الظن مع أنها لم ولن تحصد إلا سوء العاقبة وسوء المآل والمصير.
وعقليات بهذا الانحدار لا عقل لها ولا حس كيف لها أن تستوعب أن الزمن قد تغير وأن تفكير الناس صار من الوعي بما لا يحتمل مثل ذلك العزف النشاز الذي تحاول من خلاله تلك العناصر البلهاء التسلل لإعادة أنتاج مشاريعها الصغيرة وأفكارها المتطرفة ودعواتها الشاذة التي تقوم على تغذية النزعات المناطقية والشطرية والانفصالية التي لم يعد لها مكان اليوم في وطن الـ22 من مايو الذي انتفض على الماضي وتجاوز مثالبه بوحدته المباركة التي تمثل العقد الوثيق بين أبناء الوطن الواحد كما أشار إلى ذلك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية يوم أمس في كلمته في لقائه بالطلاب من أبناء محافظة صعده الدارسين في جامعة صنعاء.
ويستحيل أن ينفرط هذا العقد بأي حال من الأحوال لكونه يستمد صلابته وديمومته وحيويته من إرادة 25 مليون مواطن هم مجموع الشعب اليمني ويرى كل واحد منهم في ذلك المنجز خياره الأبدي وعروته الوثقى التي لا انفصام لها.
بل إن الوحدة التي يتآمر عليها شرذمة من الانفصاليين والرجعيين صارت بالنسبة لهذا الشعب هي القدر الحتمي الذي لا يمكن السماح بالمساس به أو النيل منه مهما كانت التضحيات.
والمؤسف أن أولئك الأقزام من دعاة الردة والانفصال بمقاومتهم إرادة التغيير لا يدركون أنهم يقاومون سنة الحياة التي لا تتبدل مما يجعل من غير الممكن أن يحل الماضي محل الحاضر أو المستقبل وأن إعادة إحياء الماضي الذي ولى واندثر هو ضرب من المستحيل إن لم يكن المحال بعينه.
والمؤسف أيضاٍ أن هذه الشراذم الماضوية ممن أعمى الله أبصارهم وبصائرهم لم يستفيدوا من كل دروس وعظات وعبر ذلك الماضي المؤلم ومن كل نكساتهم المريرة وإخفاقاتهم المتكررة وبما يمكنهم من إعادة التصالح مع أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم والتكفير عن خطاياهم وذنوبهم والجرائم التي ارتكبوها بحق أبناء مجتمعهم لأنهم لو فعلوا ذلك لفهموا واستوعبوا أن الزمن لن يستطيع أحد إيقافه وأن التاريخ شأنه شأن الزمن لا يتوقف ولو كان الأمر عكس ذلك لما شاخوا ووصل بهم خرف الشيخوخة إلى ما هم عليه اليوم من ضياع وبؤس.
وربما يكون مفيداٍ تذكير كل أبناء الوطن بمسئولياتهم أكان ذلك في مواجهة هذه النتوءات الانفصالية والارتدادية أو في مجابهة التحديات المتصلة بالأوضاع الاقتصادية والأمنية والتنموية أو الإصلاحات السياسية حيث وأن الواجب على الجميع وفي مقدمتهم الأحزاب السياسية النظر إلى أن الحفاظ على أمن واستقرار الوطن ووحدته هو مسؤولية مشتركة وأنه مهما كانت الخلافات والتباينات في وجهات النظر فلا ينبغي لها أن تقودنا إلى الإفراط في الخصومة وعدم التمييز بين خلافاتنا كأحزاب وخلافنا مع الوطن بل أن ذلك الواجب يقتضي منا أن نجعل الوطن فوق كل مصلحة وفوق أي خلاف أو تباين.
ويحسن بنا أن نسارع إلى إعادة ترتيب أولوياتنا وتوجهاتنا ومواقفنا متسلحين بحكمة العقل والمنطق في تحديد الاختيارات بحيث لا نجعل من أية تأثيرات تنتج عن ممارسة العمل السياسي والديمقراطي عائقاٍ لخطواتنا وتواصلنا والتوافق على أفضل السبل للإسراع في تنفيذ ما بدأنا به ومن ذلك التعجيل بتفعيل اتفاق فبراير الذي وقعته الأحزاب والتنظيمات السياسية الممثلة في البرلمان العام الماضي والذي بموجبه تم تعديل المادة 65 من الدستور لتمديد فترة مجلس النواب سنتين لما من شأنه تمكين نواب الشعب من إنجاز المهام التشريعية المتصلة بتطوير النظام السياسي والانتخابي ونظام السلطة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية والارتقاء بدور المرأة في الحياة السياسية.
وليس هناك محطة أفضل من الراهن لإعادة تصويب اتجاهاتنا وضبط إيقاع مساراتنا والوصول إلى رؤية أوضح تدلنا على طريق المستقبل الآمن والمشرق والأرغد.
والمطلوب فقط شد الأحزمة وجعل اليمن وعقد وحدته هما المرشدان لنا إلى الطريق الأصوب لتجاوز التحديات الماثلة وصدق الله العظيم القائل : (إنِ اللهِ لاِ يْغِيرْ مِا بقِوúمُ حِتِى يْغِيرْواú مِا بأِنúفْسهمú).

قد يعجبك ايضا