دفعت أزمة فيروس كورونا إلى تحريك مفاجئ لإمكانية تحقيق صفقة تبادل أسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، غير أن مراقبين فلسطينيين يقللون من فرص التوصل لاتفاق شامل في هذه المرحلة.
وبادرت حماس إلى إطلاق مبادرة من قائدها في قطاع غزة “يحيى السنوار” بالاستعداد لتقديم “تنازل جزئي” في ملف جنود إسرائيل الأسرى مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
وجاءت المبادرة على ما يبدو في ظل اتساع رقعة الإصابات بفيروس كورونا في إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة، والخشية الفلسطينية من انتقال الفيروس لأسرى فلسطينيين معتقلين في سجون إسرائيل.
ورد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بإصدار بيان يعلن فيه الاستعداد للبدء الفوري في حوار مع حماس -من دون أن يسميها- من خلال الوسطاء لاستعادة “القتلى والمفقودين” الإسرائيليين في غزة.
ويرى المحلل السياسي من غزة “حسام الدجني” أن الإفراج عن كبار السن والمرضى والنساء من الأسرى الفلسطينيين “ليس مطلباً مستحيل تنفيذه لدى نتنياهو” لدفع تحريك ملف الإفراج عن الجنود المحتجزين في غزة.
ويعتبر الدجني أن “إمكانية حصول نتنياهو على معلومات متعلقة بالجنود المحتجزين في غزة يمنحه قوة ودفعة لتنفيذ صفقة تبادل لأنها ستشكل رأي عام ضاغط وحامي لمستقبله السياسي”.
في المقابل يشير الدجني إلى أن حماس من خلال المبادرة التي قدمتها “ستحرك ملف الأسرى وستستفيد منها محلياً وإقليمياً ودولياً”.
وأعلنت حماس أمس أن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية المتواجد في قطر تلقى اتصالاً هاتفياً من ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي.. أكد فيه زعيم الحركة “التصميم على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين” لدى إسرائيل في إطار صفقة تبادل.
ويوم أمس قال الناطق باسم حماس حازم قاسم إن “الكرة الآن في ملعب إسرائيل بشأن ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها في قطاع غزة” وأن الحركة ستتعامل بشكل مسؤول مع أي استجابة فعلية وحقيقية لهذه المبادرة.
وكانت كتائب القسام الجناح العسكري لحماس أعلنت قبل أكثر من عامين أنها تحتفظ بأربعة إسرائيليين من دون أن تحدد مصيرهم فيما تقول إسرائيل إن اثنين من الجنود قتلى.
وقالت إسرائيل إنها فقدت أثر” الجندي اهدار غولدن و الجندي شاؤول آرون” خلال هجومها العسكري على غزة صيف عام 2014م، ثم أعلنت بعد ذلك أن مدنيين إسرائيليين فُقدا بعد أن دخلا القطاع في واقعتين منفصلتين.
وتعتقل إسرائيل أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطيني بينهم العشرات أمضوا أكثر من 20 عاما قيد الاعتقال.
ومؤخرا تصاعدت المطالب الفلسطينية بالإفراج عن الأسرى خصوصا المرضى والأطفال وكبار السن على إثر انتشار أزمة فيروس كورونا.
وسبق أن أجرت حماس وإسرائيل بوساطة مصرية عام 2011م صفقة لتبادل الأسرى شملت الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي كان محتجزا لدى الحركة لمدة خمسة أعوام.
ويعتبر المختص في شؤون الأسرى الفلسطينيين عبدالناصر فروانة أن مبادرة حماس لتحريك ملف الأسرى في هذه المرحلة “تحمل أبعادا إنسانية في ظل القلق على سلامة وحياة الأسرى” لدى إسرائيل بسبب تفشي فيروس كورونا.
ويرى فروانة أن المبادرة المعلنة من حماس ” قد تحدث اختراقا مهما للوصول إلى تفاهمات جزئية، وربما مدخلا لمعالجة قضايا ذات مصالح مشتركة لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي”.
ويعتقد أن ما يمكن أن يتحقق في المدى القريب “سيشكل أساسا لحوارات أشمل تتعلق بعدة قضايا ومنها إتمام صفقة تبادل شاملة في وقت لاحق”.
لكن فروانة يستبعد جاهزية إسرائيل حاليا لدفع استحقاقات إبرام صفقة تبادل شاملة تلبي المطالب الفلسطينية.. مفسرا ذلك بأنها تحاول تقليل الثمن بربط ملف الجنود المحتجزين بملفات أخرى.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت ألمح الأسبوع الماضي في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، بأنه قد يمنع دخول عينات فحص كورونا إلى غزة للمساومة على استعادة الجنود المحتجزين في القطاع. ورفض السنوار بشدة ربط ملف الأسرى بالمساعدات بشأن مواجهة فيروس كورونا، لكنه قال “هناك إمكانية أن تكون مبادرة لتحريك الملف (تبادل الأسرى) بأن يقوم الاحتلال بعمل طابع إنساني أكثر منه عملية تبادل بحيث يطلق سراح الأسرى” المرضى والنساء وكبار السن من سجونه” وممكن أن نقدم له مقابلا جزئيا”.
وأضاف السنوار الذي أفرج عنه في إطار صفقة تبادل عام 2011م بعد اعتقال دام أكثر من 20 عاما، أن “المقابل لصفقة تبادل الأسرى هو ثمن كبير يجب أن يدفعه الاحتلال”.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة (الأمة) في غزة عدنان أبو عامر إن “الحراك المتبادل بين حماس وإسرائيل حول صفقة تبادل ولو كان أولي يحمل هذه المرة الصفة الإنسانية” بفعل أزمة فيروس كورونا. ويعتقد أبوعامر أن إنجاز تفاهمات في ملف تبادل الأسرى قد يقتصر في مرحلة أولى على المدنيين الإسرائيليين المحتجزين في غزة “مقابل مطالب إنسانية معيشية”، فيما أن الجنديين “ثمنهما معروف للجانبين والوسطاء وأمامنا وقت ليس قصيرا لإنجاز ملفهما”.
ويؤكد أبوعامر أن الحراك الحاصل “يمكن أن يستفيد منه الفلسطينيون للحصول على ثمن من إسرائيل، لكن بعيدا عن صيغة إما كل شيء أو لا شيء لأن المسافة الوسطى مفيدة في كثير من الأحيان”.