محاولات لاغتيال التأريخ والبحث عن الهُوية الوطنية!
عبد العزيز البغدادي
ستظل – القراءة الانتقائية للتأريخ وتقطيعه ومحاولة تحويل الذاكرة الجمعية إلى مخزن خاص لتوجيه الهُوية الوطنية باتجاه يمثل جزءا خلافيا ويبتعد عن منطق الحوار الجاد والصادق للبحث عن هوية جامعة – مطبا تاريخيا يعيق أي جهود تبذل في سبيل تحقيق وحدة وطنية يمنية مهابة الجانب ! ، وستبقى محاولات حشد الطاقات في هذا الاتجاه سواءً كانت بحسن نية أو بسوء نية المغذي الرئيس لدوامة العنف الذي يحول دون وضع عربة قطار المشروع الوطني باتجاه بناء وحدة وطنية حقيقية تُخرج اليمن من هذه الدوامة لتبدأ حياة طبيعية ينعم في ظلها كل أبنائه بالأمن والاستقرار والرخاء بعيداً عن العنف والتطرف بكل صوره وأشكاله وتقف في وجه عوامل تغذيته السياسية والدينية المختلفة وتمنع اختراقات قوى الفساد والاستبداد الداخلي والخارجي .
نعم ما أحوجنا إلى قراءة إنسانية للتأريخ تمنع محاولات اختزاله ومحورته حول رؤية خلافية وفرضها عن طريق إساءة استخدام السلطة وقد أثبتت التجارب لمن يعقل أن هذه الطريقة وإن وجدت لها بعض القبول أو الهوى لدى جزء من المجتمع ولبعض الوقت ، والنفاق من البعض الآخر، فإنها ليست الطريقة المثلى لتحقيق وحدة مجتمعية يرضى بها الناس أو غالبيتهم ، والتأريخ مليء بالعبر في مراحل مختلفة منه حاول خلالها بعض المتسلطين جر الناس باتجاه تلبية أمزجتهم ونهمهم في السلطة والثروة وهما مصدراهم المظالم وسرعان ما أدى ذلك إلى التذمر وتشكل الرفض الذي غالباً ما يبدأ سلمياً ثم ينتهي إلى العنف وهكذا تتوالد المآسي من بعضها ويتكاثر الظلم ؛ من الأمثلة على هذا النهج:
1- ذات يوم طلب مني أحد الأصدقاء رحمة الله عليه التوسط لدى صديق آخر له مكانته الأدبية والفكرية للسعي للإفراج عن كتاب جده عن الإمام يحيى حميد الدين رحمه الله الذي منع من الدخول من المطار بمبرر أنه أشاد بمناقب الإمام.
2- وفي نفس المرحلة سحب الجزء الأول من كتاب مجموع بلدان اليمن وقبائلها للقاضي المؤرخ محمد الحجري رحمه الله لأنه أورد فيه بأن مشايخ حاشد هم آل الضحاك وليسوا آل الأحمر مع أن الكاتب يكتب تأريخ والتأريخ علمٌ وخبر، والقاعدة المعروفة في علم الإعلام تقول: (إن الخبر مقدس والرأي حر) وهنا أضيف: ( أن الخبر والعلم مقدسان والرأي حر) ، والتأريخ تجتمع فيه الصفتان أي أنه علمٌ وخبر وواجب المؤرخ الالتزام بأمانة النقل والتدوين والتحقيق مع تحري الدقة فيها جميعاً .
ومعلوم أن المشيخ سلطة على مستوى القبيلة أشبه بالسلطة بأنواعها على مستوى الدولة جميعها محكوم تداولها بتقلبات الظروف والأحوال والبحث عن بناء الدولة يؤثر فيه وضع القبيلة والمجتمع ولا يمكن أن تبقى سلطاتها مرهونة بمحاولات أصحاب النفوذ القبلي الهيمنة على مفاصلها وإلا تعطل بناؤها على أسس وطنية ولم يعد من المقبول أو الملائم سيطرة قبيلة من القبائل أو تقسيم النفوذ على أسس قبلية لأن من شأن ذلك خلق انقسامات وتصدعات غير قابلة للالتئام ، ولا يحل هذا الإشكال إلا وثيقة شرف ومصالحة وطنية يلتزم فيها كل أبناء الوطن باحترام مبدأ سيادة القانون على الجميع والخضوع لسلطات الدولة باعتبارها الشكل الجديد المعبر والمخول بحفظ التوازن بين كل المصالح ولو باستخدام القوة الضرورية واللازمة لتحقيق ذلك والقبيلة اليمنية على مستوى من الوعي سبقت فيه بعض متسلقي السلطة .
3- ومن الأمثلة على طغيان المسار الخاطئ الذي يحول دون أداء سلطات الدولة دورها المفترض في البحث عن الطريق الثوري لصياغة الهُويّة الوطنية الجامعة ما قامت به السلطات المدارة بالفساد بإشراف نفس دول العدوان من عمل ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب حيث كلفت إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة بالبدء بكتابة ما أسمي تأريخ واحدية الثورة وتعددية النضال حيث عقدت ندوة لهذا الغرض في 21فبراير/ 2008 وكانت السلطة قد اتجهت نحو تمجيد حكم الفرد لتعتبره بطل الثورة والجمهورية والوحدة وبالمقابل شيطنة شريك وحدة 22/ مايو 1990 التي مسخت الوحدة الحقيقية بالوحدة الاندماجية التي تقاسم بموجبها لصوص سلطة الشطرين السلطة والثروة في دولة الوحدة لتتحول من حلم لليمنيين إلى لعنة في وجه هذا الحلم أو كابوس رهيب حَوَّلَ حب الوحدة عند بسطاء الناس إلى كراهية !!؛
وتمحورت هذه العملية المشبوهة في البحث عن دور مزور لرأس النظام ليس فقط في ثورة 26/ سبتمبر بل وفي 14/ أكتوبر، وحشدت لهذا العمل كل طاقات النفاق والكذب مع حضور بعض شهود الزور ممن لهم بعض معرفة بالتأريخ لاستخدامهم كغطاء ولتكون الغلبة في الصياغة لنسج الأكاذيب واغتيال التأريخ ومن ثم إبقاء الباب مفتوحاً أمام كل المزورين والأفاكين الذين لا هَمَّ لهم إلا إبقاء اليمن في إطار دوامة العنف !.
وللتأريخ أهدابٌ وعينٌ * وفي شفتيه تجتمع المعاني.