الاقتصاد العالمي يظهر ضعيفا أمام جائحة كورونا
وباء كورونا الذي يدخل شهره الرابع حيث تجاوزت الإصابات أكثر من مليون حالة وحصد ولايزال أكثر من 60 ألف وفاة حول العالم لم يستثني أحداً جعل العالم بكل قدراته عاجزا عن الوصول إلى لقاح فعال يمكنه من وضع حد لانتشار هذا الوباء القاتل والفتاك تحول إلى جائحة عالمية تهدد مصير سكان المعمورة، وضع أعين حكومات العالم صوب سبل تطويق هذه الجائحة لحماية أرواح البشرية
جعل العالم يمر بركود اقتصادي قد يخلف دماراً كبيراً على جميع الدول والشعوب. وقد تكون أمريكا هي الخاسر الأكبر في اقتصادها بسبب كورونا الذي يتسع انتشاره في المدن الأمريكية
الثورة / قاسم الشاوش
وفي هذا السياق يقبع الاقتصاد العالمي تحت ضغط هائل، أدى إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم، جراء إغلاق جميع المطاعم والفنادق وشركات الطيران والسلاسل العملاقة والمحلات التجارية الصغيرة، حيث أمرت مدن وولايات ودول بأكملها، بإغلاق الشركات غير الضرورية وأوعزت الناس بالبقاء في منازلهم. وقدرت الأمم المتحدة أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة في الاضطرابات الاقتصادية، أي أكثر مما حدث خلال الانهيار المالي العالمي عام 2008م.وأصبحت إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ومصدرا رئيسيا للآلات والمنسوجات والسلع الأخرى.
خسائر أمريكا
أكد تقرير بمجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية إن الولايات المتحدة قد تواجه عاصفة اقتصادية محتملة، يمكن أن تدفع البلاد إلى حالة من الركود، كلما ظهرت انعكاسات تفشي فيروس كورونا.
وأضاف التقرير أنه في حين أن الأمور قد تزداد على المدى القريب، فإن المخاطر التي قد تتعرض لها البلاد على المدى البعيد من المحتمل أن تكون أسوأ بكثير.
ونقل التقرير عن خبراء قولهم إنه من الممكن أن تضطر الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى اتخاذ إجراءات قاسية، مثل عزل مجتمعات أو ولايات بأكملها.
بحسب التقرير، ذهب باحثون من الجامعة الوطنية الأسترالية إلى أبعد من ذلك، وتوقعوا الخطر المحدق بالولايات المتحدة في دراسة صدرت حديثا تطرقت إلى التكلفة المحتملة من الناحيتين البشرية والمالية.
مؤلفو هذه الدراسة أوضحوا أن التكلفة المتوقعة للمال المهدر يمكن أن تصل إلى 1.7 تريليون دولار عام 2020م، بسبب تفشي فيروس كورونا
وقال التقرير إنه مع قيام مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في واشنطن بالفعل بدعوة الأميركيين للنظر في الإجراءات الاحترازية مثل تعليق الدروس، وإلغاء تنظيم الكثير من الفعاليات، والتباعد الاجتماعي، فإن ذلك يمكن أن يؤثر بشكل شديد على مجموعة كاملة من الصناعات في الولايات المتحدة.
وأفاد التقرير بأن تفشي فيروس كورونا ليس الأزمة الوحيدة التي تعاني منها الولايات المتحدة، حيث إن هناك الكثير من التهديدات الرئيسية الأخرى التي تواجهها، من بينها الخسائر التي تكبدتها الأسهم الأمريكية، بجانب انخفاض كبير في أسعار النفط.
خسائر أوروبا
أظهرت وثيقة من المفوضية الأوروبية أن من المرجح أن ينكمش اقتصاد الاتحاد الأوروبي 1 % هذا العام بسبب فيروس كورونا، لكن المسؤولين قالوا إن التقديرات الداخلية للمفوضية أشد تشاؤما إذ تشير إلى انكماش قد يصل إلى 2.5 %.
وقالت الوثيقة “أزمة كوفيد-19 تفيد التقديرات أنه سيكون لها أثر اقتصادي ضار كبير للغاية على الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.”
وأضافت “الأثر المباشر من خلال جميع القنوات سيقلص بحسب التقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في 2020 بمقدار 2.5 نقطة مئوية مقارنة مع الوضع لو لم تكن الجائحة.”
وقالت وثيقة المفوضية “في ضوء أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي كان من المتوقع أن ينمو 1.4 % للاتحاد الأوروبي في 2020م، فإن هذا ينطوي على إمكانية تراجعه إلى ما يزيد قليلا فحسب على -1 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2020م، مع حدوث تعاف كبير لكن غير كامل في 2021م.”
لكن مسؤولين قالوا إن ورقة داخلية للمفوضية تقدر أثر فيروس كورونا عند سالب 3.9 نقطة مئوية، وليس 2.5 نقطة، مما يعني ركودا اقتصاديا أعمق.
خسائر الاقتصاد الخليجي
يعد تفشي فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط ضربة مزدوجة لا تترك لحكومات دول الخليج العربية خيارا يُذكر لتحقيق الاستقرار لموازناتها المالية في الوقت الذي تحاول فيه حماية اقتصادها من المخاطر والدفاع عن مستويات ربط عملاتها، أولها السعودية التي ستواجه مصاعب رغم كونها صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة العربية وهي التي بدأت حربا مع روسيا من أجل حماية حصتها في السوق في أعقاب انهيار اتفاق بين منظمة أوبك وحلفائها في السادس من مارس الماض أدى إلى هبوط الأسعار بنسبة 30 في المئة.
ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن الحرب الذي تقوده السعودية على اليمن منذ خمس سنوات سيكون له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد السعودي اكثر بكثير من فيروس كورونا
وكان الانهيار السابق في أسعار النفط في العام 2014م قد دفع المنطقة التي تعتمد على صادرات الطاقة إلى تخفيض الدعم الحكومي للمواطنين واستحداث ضرائب لتنويع مصادر الإيرادات ومحاولة تقليص نظم الرفاهية والقطاع العام المتضخم، أما الآن فستجد حكومات مجلس التعاون الخليجي الست صعوبة في إدارة العجز في موازناتها أو زيادة الضرائب أو خفض الدعم بفعل التركيز على تحفيز النشاط الاقتصادي والتخفيف من أثر انتشار فيروس كورونا على سكانها.
ويمكن لأغلب الحكومات الاستعانة باحتياطياتها المالية الضخمة إذا لم تنتعش أسعار النفط. وبوسعها أيضا خفض الإنفاق الاستثماري لإدارة العجز في الميزانية أو كسب الوقت بالاستدانة، غير أن مصرفيا سعوديا تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته قال إن ”الاحتياطيات النقدية لا يمكنها الحفاظ على الإنفاق الحالي لفترة طويلة جدا“ وهو ما يعني أنه ”قد يتعين عليها (الحكومات) خفض الإنفاق” وأضاف المصرفي “هذه أوقات صعبة الناس بدأت تتحدث وبدأت تستعد لما قد يحدث مستقبلا”.
وقد تعرضت العملات الخليجية المربوطة بالدولار الأمريكي منذ عشرات السنين لضغوط بفعل التوقعات بقلة السيولة، ثمة اختلافات شديدة بين دول مجلس التعاون، فقطر تتمتع بفائض في الموازنة واقتصادها يعتمد على صادرات الغاز الطبيعي المسال الذي كان تأثره المباشر بأسعار النفط أقل شدة في حين أن اقتصاد عمان والبحرين وهما أصغر دولتان منتجتان للنفط وتعانيان من عبء الديون أكثر عرضة لتقلبات الأسعار، غير أن شركة أرقام كابيتال قالت إن “الصورة المالية العامة لدول مجلس التعاون الخليجي تتدهور تدهورا حادا”.
ومن المحتمل أن تكبد أسعار النفط هذا العام دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات من إيراداتها، وتقول أرقام كابيتال إن السعودية قد تشهد ارتفاع العجز في موازنتها لعام 2020م إلى 16.1 % من التقدير السابق البالغ 6.4 % إذا كان متوسط أسعار النفط 40 دولارا للبرميل، أما إذا كان متوسط الأسعار 30 دولارا للبرميل فتقول أرقام كابيتال إن العجز سيقفز إلى 22.1 % وهو ما يعادل 170 مليار دولار وفقا لحسابات رويترز، وعلى النقيض من المنتجين الأصغر، يمكن للسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم أن تعوض انخفاض الأسعار جزئيا بزيادة الإنتاج. ومع ذلك فقد قالت مصادر لرويترز إن الرياض طلبت بالفعل من مؤسسات حكومية تقديم مقترحاتها لخفض موازناتها بما لا يقل عن 20 %.