آخر الأزمات والحروب 

من باب الانحياز للحقائق السلمية لقيام الحياة واستمرارها وليس من حالة الاستغراق في الأماني الحالمة يمكن القول أن تنفيذ الشروط الستة لعودة الاستقرار العام والحياة إلى طبيعتها في صعدة أقوى تأكيد على إغلاق كل السبل أمام أي حرب قادمة.
ويكفي مجرد التسليم بضرورة العودة إلى الأوضاع السلمية دليلا◌ٍ على أن المعاناة من المواجهات الحربية بلغت أوج قسوتها ومأساويتها¡ وأن حصادها المر هو ما طرحه فعل الجنوح إلى التمرد وخيارات العنف.
وتلك هي المحصلة التي تتكفل بتوفير ضمانات المستقبل الآمن حيث صار على كل مندفع متهور أن يعمل ألف حساب وحساب لأية خطوة في هذا الاتجاه المؤدي إلى الهاوية.
ومن شأن المعاناة أيضا◌ٍ¡ وقد طالت كافة مناطق وقاطني المحافظة أن تخلق التفافا◌ٍ شعبيا◌ٍ حول أحوال الاستقرار والتعايش¡ يقاوم بشدة كل نزعة لتعكير السكينة العامة والإضرار بالسلم الاجتماعي.
ويكون المواطن والوطن بأجمعهما المنتصر الأول فيما طرأ من حرب والمستفيد الأكبر من وضع خاتمة لها حيث تصب النتائج في صالح التنمية بما تتيحه من إمكانية وقف حالة النزيف والإهدار للمقدرات الوطنية.
ويكون أول الهالكين كما أثبتت الأحداث الدموية لحركة التمرد من اتخذ جانبها وانتهج سبيلها ومن منطلق دعاوى ضيقة ومحصورة منغلقة على الذات.
وذات الأمر هو ما ينطبق على الحراك الانفصالي الذي يبدو في ضوء ممارساته المنسلخة عن كل قيمة إنسانية أنه يجر الوطن إلى بحر الظلمات.
وأن يتحول إلى مكون تابع وخادم لقاعدة العمل الإرهابي هو الممكن الوحيد أمام “حراك” يعيش حالة انشطار وليس بين مكوناته المتشرذمة ما يجمعها على الائتلاف في ما بينها وقد فشل التمويل الخارجي في إكسابهم مواصفات المؤلفة قلوبهم.
هو الفشل والنهاية السريعة والمخزية ما ينتظر المشاريع الصغيرة والمتشيعين لها لدواع وغايات لا رابط بينها والمجتمع¡ لا تجيد غير أساليب الترهيب ووسائل الابتزاز ومحاولات الفرض¡ وهي التي تجمع في ممارساتها الانسلاخية بين مقت الديمقراطية ومعاداة الوحدة.
وكلا الديمقراطية والوحدة ينتسبان إلى فسحة الحياة ورحابتها الإنسانية المتشبعة بروح القبول بالآخر فردا◌ٍ¡ والتعايش مع الآخرين مجتمعا◌ٍ¡ أو في إطار مجتمعي¡ الأمر الذي لا يتناسب مع النزعة الانعزالية ولا يلبي متطلباتها وتطلعاتها الانفرادية الاستبدادية.
وفي ما آلت إليه محاولات الإثارة للأزمات والفتن ومساعي إشعال الصراعات والحروب ما يكفي لحسم الموقف لصالح الأوضاع السلمية والتنافس الديمقراطي في مضمار السباق الإنمائي¡ وتقديم التأكيد النهائي على أن ما حدث لابد أن يكون آخر الأزمات والحروب وفاتحة لتاريخ جديد مزدهر بأسباب الشراكة الوطنية في تأمين الاستقرار والنهوض الوطني الشامل.
ولا يتطلب الأمر أكثر من فك الحصار عن مفهوم الشراكة في الإطار المصالحي للتقاسم السلطوي. وشيء من الاحترام للذات السياسية كفيل بأن يدل الأحزاب أنها الأقدر على الإسهام الإنمائي من موقعها في المعارضة ومن حيث النقد البناء الذي تمارسه والبديل الذي تقدمه لما تعترض عليه.
وأن توفق أحزاب المعارضة في تقديم برنامج انتخابي قادر على الكسب الديمقراطي لاهتمام وتأييد الناخبين والوصول بها إلى السلطة من بوابة التداول السلمي¡ فإن في ذلك الوعد التنموي للمستقبل الأفضل.
وبقدر ما نمنح للمبدأ السلمي للديمقراطية من اعتبار بقدر ما نجني من مكاسب في حاضر زاهر ونتزود بأسباب التقدم نحو المستقبل الأفضل¡ وإذا لم نفعل فإننا نترك الساحة للجنون يعبث بها.

قد يعجبك ايضا