تدمير البيئة والأراضي الزراعية ونهبها عنوان للفساد الشامل

عبدالعزيز البغدادي

 

مشهد هذا التدمير والنهب الممنهج المستمر منذ حوالي أربعين عاما يستوجب سرعة التحرك لإنقاذ اليمن من تطور أساليبه وتداعياته ، تحركاً مرادفاً للصمود الأسطوري في جبهات القتال ضد العدوان الهمجي المباشر والمستمر منذ خمس سنوات ؛
إنه مشهد يحرك أشجان كل حُرٍّ يرى تخطيط مدن العالم المزدهرة ومستوى المحافظة على الأراضي الصالحة للزراعة حولها وحماية البيئة بصرامة ودون تهاون أو استهتار ، وبتأمل هذا الزحف على الأراضي الزراعية نلاحظ تطبيق المفهوم الخاطئ للمقولة الشعبية اليمنية (الأرض موعودة بالحياة وابن آدم بالموت) بطريقة مرعبة قاتلة للإنسان والأرض معاً ، عصابات نهب الأراضي تمكنوا من إحكام قبضتهم على القرار منذ عقود وما زالوا رغم حلم اليمنيين بالثورة على الفساد الذي غمر حياتهم وحول جميع المدن ومناطق اليمن بلا استثناء إلى كتل مقززة من الإسمنت والشوارع الضيقة المتعرجة والمقرفة الخالية من المتنفسات والحدائق وكل جميل يقدر قيمة الحياة الإنسانية الحضارية ، وقضوا على بقايا البنية التحتية الزراعية الأثرية واستولوا على مواقعها ليتأكد بذلك أن العبرة في نجاح أي ثورة يظهر بتغيير النظام وليس الأشخاص فقط !؛
هذا الزحف المتوحش والاستخدام البليد للمادة لا أعتبره تخلفا عمّا وصل إليه التخطيط والبناء الحضري وفق أسس وقواعد ومُثل تستحق الحياة فحسب ولكنه نكوص عن بدايات الذائقة الفطرية التي جسدها الإنسان اليمني في تخطيطه العبقري لمدنه وقراه منذ فجر التاريخ وهي رؤى تطورت لتصبح في العالم مناهج تُدرس وتتطور باستمرار تعبيراً عن استمرارية الحياة في حين ابتلي اليمنيون بمن يعمل لهدم ما بناه أجدادهم الذين تجنبوا البناء في الأراضي الزراعية المتكونة تربتها الخصبة عبر مئات آلاف السنين حفاظاً عليها لزراعة متطلبات الإنسان اليومية والاستراتيجية وبناء وتشييد السدود وخزانات المياه في أماكن اختارتها بعناية لتوزيعها والاستفادة منها في مواسم القحط والجفاف وتفننوا في تشييد وإصلاح الحواجز والسدود والبرك وخزانات المياه مختلفة الأحجام الخاصة والمشتركة والعامة وأدركوا أن الأراضي الزراعية رخوة غالباً ولا تصلح للبناء ، ففي الهضبة الشمالية والوسطى مثلاً عدد من القيعان التي تتوسط الجبال المشهورة بزراعة أنواع الحبوب التي كانت اليمن من المواطن الأصلية لزراعتها كالقمح والحبوب بأنواعها ، منها قاع جهران والبون والحقل وصنعاء وصعدة وغيرها من الأراضي الخصبة المنبسطة الواقعة عند سفوح الجبال جرى ويجري القضاء عليها وإحلال كتل من الخرسانيات القاتلة محلها وإحاطة بعضها بالأسوار تمهيداً لبيعها والتصرف بها دون مراعاة لأبسط قواعد وأسس التخطيط الحضري أو وضع حساب لمجاري السيول والصرف الصحي أو خصوبة التربة التي تراكمت عبر آلاف السنين من الجبال المليئة بالمعادن كهدية للإنسان الذي وهبه الله العقل ليهتدي به في البحث عن كيفية إصلاح الأرض غير الصالحة والحفاظ على الصالح منها واستيعاب معنى الإعمار والتفريق بينه وبين الهدم الذي يتم بعنوان البناء وبصورة حولت الأرض إلى أشبه بالفريسة بين براثن الوحوش !،
إن العالم من حولنا يبني نفسه ومستقبله ويحافظ على مقومات حياته ونحن نهدم ما بناه الأولون مرددين ( الدهر لا يأتي بأحسن ) ، والعالم يموج بالتغييرات نحو الأفضل والأحسن والأكثر جمالاً فيسن القوانين التي تمنع الزحف العمراني في المناطق الزراعية ، وهو ما كان سلوكاً أقرب إلى القانون غير المكتوب في حياة اليمنيين ، وعلى سبيل المثال بنيت صنعاء على ربوة غير صالحة للزراعة غالباً ، وتم استصلاح أجزاء منها وخططت لتضم مقاشمْ (بساتين كانت تزرع بها الخضروات والفواكه والورود) وتتوسط الحارات بحيث تطل عليها جميع المنازل للتهوية والشمس والمنظر ، ووسط كل حي يوجد صرَحَةْ كموقف للِإبل والحَميرْ والبغال (وسائل المواصلات البرية حينها) لتحط حمولتها من الفواكه والمحاصيل الزراعية المجلوبة من الريف اليمني الغني بمنتجاته المتعددة تعدد المناخ ومكان لشراء ما تحمله من حطب أو كِبَى ( أقراص من مخلفات البقر يستخدم وقودا ) احتياطي قابل للتخزين فترات طويلة دون أي رائحة يستخدم في حال انعدام الحطب ، وكذا البضائع المستوردة من الشام أو الحبشة ، ويوجد في كل حارة جامع وحمام تسمى باسمها وموقع مدينة صنعاء يساعد على تنظيم مرور مياه الأمطار وانسيابها إلى قاع صنعاء الزراعي الخصب الذي كانت الأنهار الصغيرة والجداول الآتية من بني مطر و خولان وهمدان وكل الجبال المحيطة تتخلله مما يحوله إلى سلة غذائية للحبوب والفواكه بأنواعها تكفي سكان العاصمة ويصدر الفائض إلى المناطق اليمنية الأخرى ولبعض دويلات الخليج التي صارت دولاً كالسعودية التي أدمنت الاعتداء على اليمن وسرقة أراضيه بحجة إعادة الشرعية المزعومة إليه !!!!!؛
ومنذ بدء العدوان تسارعت وتيرة هدم البيئة اليمنية المعروفة بجمالها وتنوعها للتدليل على أن هذا التدمير الداخلي والفساد جزء من العدوان الخارجي مطبخه وإدارته واحدة !؛
والنهب المستمر لأراضي الأوقاف وأملاك الدولة لا يتعلق بقطعة أرض لمواطن مساحتها خمس أو عشر لبن أو عشرين لبنة ضمن مخطط صادر عن الجهات الرسمية ولكنه سطو على مئات بل آلاف (اللبن) تجاوزت حدود ما هو مدون في سجلات الأملاك والأوقاف لتمتد إلى ما تبقى من مساحات في الأطراف البعيدة للعاصمة وهكذا تم التلاعب بمخططات بقية المدن والمحافظات اليمنية ، باختصار ما يجري تدمير متوحش للمستقبل غير محكوم بأي ضابط ديني أو قانوني أو أخلاقي ازداد ضراوة مع استمرار العدوان ضمن المحاولات المستمرة لخلخلة الجبهة الداخلية وإثقال كاهل أي سلطة وطنية مستقبلا بحمولة من الفوضى والتسيب والفساد يصَعِّب التغلب على آثارها ، وتقوم هذه العصابات ببيعها بما يعود لها بعائد أكبر دون مراعاة لأي من مقومات التخطيط الحضري لتتحول إلى كتل سكانية تشكل عبئاً على الدولة محملة بركام من المشكلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ؛ يرتدون ثوب المستثمرين ولا هَمَّ لهم سوى المال ولديهم ممتلكات خارج اليمن وهم في اليمن مجرد لصوص !.
لله في الكون آياتٌ وأحكامُ *وفي السماء نجومُ الأرضِ أعلامُ
يا فارسَ البرِّ والإحسانِ مُعلنةٌ * قوافلُ البرِّ والإحسانِ أحلامُ

قد يعجبك ايضا