العراق.. قدرات وعقبات عودة عادل عبد المهدي إلى السُلطة

 

بغداد /
منذ بداية شهر أكتوبر 2019، شهدت الشوارع العراقية احتجاجات شعبية واسعة في مختلف المحافظات العراقية واستمرت لعدة أشهر على عكس التوقعات الأولية آنذاك. وفي هذه الأثناء، كان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي هو أهم ضحايا هذه الاحتجاجات الشعبية. فقد قدّم عبد المهدي في عدة مناسبات، مشاريع إصلاحية إلى المتظاهرين، لكنها رُفضت جميعًا. وفي نهاية المطاف، اضطر عبد المهدي إلى تقديم استقالته بعد ضغوط مباشرة مارسها السيد مقتدى الصدر، رجل الدين العراقي المؤثر وزعيم تحالف سائرون، أكبر تحالف برلماني في العراق.
وبعد الجدل العميق بين التيارات السياسية العراقية لتعيين خليفة عبد المهدي، كلّف الرئيس الجمهورية العراقي برهم أحمد صالح، محمد توفيق علاوي، بتشكيل حكومة جديدة. ومن جانبه، فشل علاوي، على الرغم من كل الجهود، في كسب الدعم الكامل من الفرق السياسية، وبعد ثلاث مراحل من تأجيل اجتماع مجلس النواب العراقي لمنح الثقة، اضطر هو الآخر إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة. وبعد هذا المُستَجَد، تقرر أن يَطرح الرئيس برهم صالح مُرشح آخر لرئاسة الوزراء في غضون أسبوعين وفقا للدستور العراقي، ولكن مع اقتراب نهاية هذه المدة الدستورية، لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب السياسية العراقية.
وفي غضون هذه الأحداث، فإن إحدى القضايا الجديدة التي أثيرت على أنها حل لخروج العراق من الأزمة الراهنة، كانت تتعلق بإعادة انتخاب عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء. وفي الواقع، يبدو أن الأحزاب السياسية العراقية توصلت إلى استنتاج مفاده أن استمرار الوضع الحالي غير مجد، وأن عادل عبد المهدي ربما يكون الخيار الأكثر سهولة والأكثر مقبولية بين الأحزاب السياسية في البلاد.
لكن السؤال الحالي هو إلى أي مدى يمكن إعادة انتخاب عبد المهدي إلى السلطة وما هي القدرات المتوفرة في مسار تسنّمه للحكومة الجديدة وما هي العقبات التي يواجهها. ولمعالجة هذا السؤال الرئيسي، سنتطرق إلى أهم العقبات والقدرات لإعادة انتخاب عادل عبد المهدي رئيسًا للوزراء.
قُدُرات عبد المهدي للعودة إلى السلطة
فيما يلي سنشير إلى قدُرات عبد المهدي لإعادة انتخابه رئيسًا لوزراء العراق.
1 – شهد العراق خلال الأشهر الخمسة والنصف الماضية واحدة من أهم منعطفاته السياسية المتأزمة في السنوات التي تلت عام 2003. وتشهد الساحة السياسية ومقاليد الحكم في العراق حالة من عدم الاستقرار ولا يمكن لأي لاعب سياسي حل هذا اللغز. وفي مثل هذا الوضع المتأزم، يُمكن لعودة شخصية مثل عادل عبد المهدي إلى رئاسة مجلس الوزراء، أن يكون لها تأثير إيجابي على عودة الاستقرار إلى العراق، وتحديدا بعد تضائل موجة الاحتجاجات بشكل كبير قياسا بالسابق.
2 – إن دعم الأكراد والسنة هو قدرة رئيسية أخرى يمكن أن يكون لها تأثير على إعادة انتخاب عبد المهدي. وفي الواقع، كانت معارضة هاتين المجموعتين هي العقبة الرئيسية أمام تشكيل حكومة محمد توفيق علاوي، لكنهم على عكس غرار علاوي، لا يمانعون من إعادة انتخاب عبد المهدي لاستلام دفة الحكم، بل هم من داعمي هذا السيناريو أيضًا.
3 – إن الفرق السياسية الشيعية فيما بينها، لا تعارض فكرة إعادة انتخاب عادل عبد المهدي إلى السلطة بشكل كبير. وفي الواقع، عبد المهدي هو شخصية ليس لها خلفية سلبية نسبياً بين الشيعة، لذلك لا توجد عقبة كبيرة أمام إعادة انتخابه رئيساً للوزراء.
4- من جوانب الفرص الأخرى لإعادة عبد المهدي للجلوس على مقعد رئاسة الوزراء، يمكن التمعن فيها من خلال بيان المرجعية العليا في النجف الأشرف المتمثلة بسماحة السيد السيستاني، الذي أعلن في ديسمبر من العام الماضي انه لا يؤيد الشخصيات السياسية التي كانت في السلطة لسنوات، لتبوء منصب رئاسة الوزراء. وقد كان هذا البيان، بمثابة خارطة طريق للبرلمانيين ورئيس الجمهورية، وكذلك كان عقبة رئيسية أمام الشخصيات البارزة الراغبة في الترشح لمنصب رئاسة مجلس الوزراء، وهو امتياز لعبد المهدي، في حين لم يصدر آية الله السيستاني بيانا ضد استمرار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بالحكم.
العقبات التي يواجهها عبد المهدي لتقلد الحكم
إلى جانب قدرات عبد المهدي لإعادة انتخابه رئيسًا للوزراء، هناك عدد من العقبات في هذا المسار، أبرزها:
1 – تعد معارضة مقتدى الصدر لإعادة انتخاب عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء من أهم العقبات التي تواجه الأخير في هذا الطريق. فمثلما لعب الصدر دوراً رئيسياً في إرغام عبد المهدي على التنحي عن رئاسة الوزراء، يبدو الآن أنه يكرر رغبته في إنهاء رئاسته في المنطقة الخضراء. وفي هذا الصدد، فإن امتلاك الصدر للكتلة الأكبر في البرلمان العراقي وعلاقاته الوثيقة بهادي العامري، زعيم تحالف الفتح، من شأنها أن تكون عقبة خطيرة أمام إعادة انتخاب عادل عبد المهدي وكسب الثقة في البرلمان.
2 – من العقبات الخطيرة الأخرى فيما يخص إعادة انتخاب عبد المهدي لموقع السلطة، يمكن حصرها في رفض المتظاهرين لعودة الرئيس السابق. فقد رفض المتظاهرون العراقيون مراراً مقترحات عبد المهدي للإصلاحات السياسية والاقتصادية في الأشهر القليلة الماضية وطالبوا باستقالته. وفي هذه المرحلة أيضًا، إذا أبدت التيارات السياسية عن رغبتها بإعادة انتخابه رئيسًا للوزراء، فمن المحتمل أن تتوسع موجة الاحتجاجات مرة أخرى ويدخل العراق في مرحلة جديدة من الأزمة.

قد يعجبك ايضا