الوحشية الأمريكية في فيتنام
أنس القاضي
في 30 يوليو سنة 1964م قامت المخابرات المركزية الأمريكية بعملية تفجير بارجتها في خليج (تونكين) الفيتنامي، لإيجاد مبرر للتدخل العسكري في فيتنام وضمن هذه الخطة التي دبرتها المخابرات المركزية شن الطيران الأمريكي 64 غارة جوية على 4 قواعد بحرية للزوارق الفيتنامية، وعلى إثر ذلك أعطى الكونغرس الأمريكي صلاحيات للرئيس الأمريكي (جونسون) باستخدام القوة المسلحة في جنوب شرق آسيا، وبموجب هذا بدأت الولايات المتحدة حربها الجوية والبحرية والبرية ضد فيتنام.
بعد كفاح تحرري مرير ضد الاحتلال الياباني والاستعمار الفرنسي أعلن الفيتناميون في العام 1945م قيام جمهورية فيتنام الديمقراطية الشَعبية، كدولة مستقلة في الجزء الشمالي من البلاد، ومن يومها أصبحت فيتنام هدفاً للإمبريالية الأمريكية التي استمرت في ارتكاب المجازر فيها عدة سنوات، وانتقلت جنوب فيتنام من الهيمنة الأمريكية على الحكومة الانفصالية العميلة إلى السيطرة الأمريكية المُباشرة.
قدم الأمريكيون أنفسهم أصدقاء للفيتناميين في المناطق الجنوبية بأنهم جاءوا من أجل مساعدة الشعب الفيتنامي وتخليصه من الشيوعيين، وكي تبدو جنوب فيتنام دولة غنية بمجرد وصول الأمريكان، فرضت الحكومة العميلة في جنوب فيتنام ضرائب من أجل طِلاء جدران المنازل المُطلة على الشوارع، وتحت إشراف المستشاريين الأمريكيين كان يتم قتل المواطنين الذين لم يوفروا المال من أجل دعم أكذوبة البلد الغني.
لم يقتصر الأمريكيون على حمل السلاح إلى فيتنام، فقد نقلت القوات المسلحة الأمريكية العادات القذرة من المجتمع الأمريكي إلى هذا البلد، فانتشرت الأمراض الجنسية كالزُهري، وشاع تعاطي المُخدرات.
قدمت الولايات المتحدة الأمريكية المال والأسلحة لحكومة (ديم) العميلة في جنوب فيتنام، وحين فشل دعم المُرتزقة بالمال والسلاح لوقف النضال الشعبي الفيتنامي الرافض للهيمنة الأمريكية والساعي إلى توحيد الوطن، أصدر الرئيس الأمريكي جونسون عام 1965م قراراً من مجلس الشيوخ يسمح له بقصف شمال فيتنام والقيام بتكثيف القوات الأمريكية في جنوب فيتنام بحجة دعم الحكومة الفيتنامية ضد الجمهورية الشعبية في الشمال الفيتنامي.
تعرضت فيتنام ما بين سنوات 1965حتى 1975م لقصف أمريكي عنيف إلى درجة أن القنابل الأمريكية كانت تمطر يومياً على فيتنام الصغيرة أكثر مما كان يُمطر على المحيط الأطلسي في الحرب العالمية الثانية.
جاء في كتاب “فيتنام ستنتصر” للكاتب الصحفي ليفرد بورشيد الذي وثق الحرب ما يلي:
“روى لي (ديب وان داي) وهو فلاح في عمره 63 من قرية (تان ثان) قائلاً: أتى الأمريكيون بالمروحيات وأطلقوا النار على كل شيء صادفوه أمامهم على الناس والحيوانات والأكواخ وقتلوا كل واحد ألقوا القبض عليه ورفض التكلم، قتلوه فوراً، قتلوا كل البقر البرية والدجاج وحرقوا القرية ومن ثم أتوا بالطائرات، وبخوا على المزروعات مسحوقاً أزرق وأخضر ومن ثم جف كل شيء”.
مارس الأمريكيون أبشع الجرائم بحق الفيتناميين، وظهرت في فيتنام هواية جديدة أبتدعها الأمريكيون، وهي القيام بطلعات صيد يستمتوعون فيها بقتل الفلاحين الفيتناميين من المروحيات بالبنادق الشخصية، ومطاردتهم مثل الأرانب، وقد وُثقت هذه الشهادات في جلسة الاستماع الى الشهود التي قام بها الكونجرس الأمريكي للتغطية على جرائم جنوده.
لم يقتصر استخدام المروحيات لمطاردة الفلاحين واصطيادهم مثل الأرانب، فقد ابتدع الأمريكيون حيلة جديدة للمروحيات لم يستخدمها أحد قبلهم، ألا وهي إلقاء الأسرى الأحياء من الجو وطبعا دون مظليات.
لم يبخل الأمريكيون بتقديم كل معرفتهم في فنون التعذيب الوحشية، وتطبيقها على الأسرى الفيتناميين، فحول الأمريكيون جزيرة (كون سون) إلى مُعتقل، وقاموا بتطوير التعذيب فيه، وكانت أكثر إبداعات متطورة أقفاص النمور، وهي عبارة عن اقفاص فولاذية لا تتجاوز المترين في مترين، يوضع فيها ثلاثة أو أربع مساجين، وتنتهي حفلات التعذيب والتجويع فيها وعلى جثث الأسرى علامات الضرب والجروح وقد فقدوا أصابعهم، عليهم سلاسل مدببة تنحت اللحم، صنعت خصيصاً من قبل المجمع الصناعي الأمريكي لصناعة الفولاذ (ماصا شوس، وسيبرنغ فيولد، وسميث ويسون).
جربت الولايات المتحدة الأمريكية المئات من أساليب القتل والقمع على الشعب الفيتنامي، وحسب تعبير الفيتناميين كان الطبيب النازي (مانغلى) يجري التجارب الوحشية على البشر شخصاً شخصا بينما أمريكا قامت بالتجارب على شعبنا بشكل جماعي.
يتحدث أحد الجنود الأمريكيين في المحكمة حول المكافأة التي تقدم مقابل الآذان:” عملية جمع الأذان كانت إحدى ممارسات لواء الإنزال الجوي 173، عندما كنت أنا هناك كانت تقص آذان الفيتناميين المقتولين بعد الاشتباكات وكان يحتفظ بها كذكرى، وكان يقوم بنفس العمل لواء البر الأمريكي الـ25 والجندي الذي كان يحضر أكبر عدد ممكن من الآذان كان يعتبر أفضل قاتل للشيوعيين وعندما يعود إلى القاعدة العسكرية كان يشرب البيرا والوسكي قدر ما يستطيع مجاناً”.
ورغم الألغام وقنابل النابالم والأدوية السامة والأراضي المحروقة والمدن المدمرة والجروح العميقة انتصرت فيتنام، وطُرد الأمريكي من الأراضي الفيتنامية وقد خلفوا خلفهم، 83 ألف معاق، و8 آلاف مشلول، و30 ألف أعمى، و10 آلاف أطرش، و13 مليوناً و475 ألفاً و822 قتيلاً ومفقوداً.