ليس من التجني أو التحامل أن نقول بأن أحزابا◌ٍ سياسية تنتمي إلى هذا الوطن وتستمد مشروعيتها من دستوره وتمارس عملها الحزبي في إطار ما كفله لها هذا الدستور وتزاول نشاطها السياسي في “المعارضة” بعد أن أخفقت في كسب ثقة الناخبين والحصول على الأغلبية التي تمكنها من الوصول إلى السلطة وفق هذا الدستور¡ نراها اليوم – مع الأسف الشديد- تجسد صورة شوهاء ومسيئة لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وتتناقض كليا◌ٍ مع حقيقة الدور المفترض والمعول على هذه المؤسسات في تقديم القدوة والمثل الخلاق والنموذج المسؤول في احترام الدستور والالتزام بقواعد وأسس الديمقراطية وتقاليد وضوابط العمل السياسي¡ بل أن هذه الأحزاب قد تحولت إلى ظاهرة صوتية تشرعن للفوضى وتحرض على العنف والتخريب والسلب والنهب وإحلال شريعة الغاب بدلا◌ٍ من شرعية الدستور الذي يمثل العقد الاجتماعي الناظم للحقوق والواجبات والعلاقة بين الحاكم والمحكوم¡ والوثيقة التي استفتي عليها الشعب وتوافق فيها على الثوابت الوطنية والخطوط الحمراء التي لا يجوز لأحد الخروج عليها أو تجاوزها أيا◌ٍ كان.. حزبا◌ٍ أو تنظيما◌ٍ سلطة أو معارضة جماعة أو فردا◌ٍ.. كبيرا◌ٍ أو صغيرا◌ٍ. وتبرز ملامح هذا المسلك الطائش والأرعن في تحلل هذه الأحزاب المنضوية في ما يسمى “اللقاء المشترك” من كل الضوابط بما في ذلك الضوابط الدستورية¡ وقد تأكد ذلك في رفضها إجراء الحوار تحت مظلة الدستور بعد أن رفضت أن يكون الحوار تحت سقف الثوابت الوطنية¡ وهو تجويف يعكس عقم تفكير هذه الأحزاب وعدم نضجها ورشدها وجهلها بحقيقة أن شرعيتها محكومة بالتزامها بشرعية الدستور والنظام والقانون¡ وأن مجرد خروجها على هذه الشرعية يسقط عنها مشروعية مزاولة العمل السياسي والحزبي¡ وهي في الحقيقة صارت كذلك¡ فقد أودت بها تصرفاتها الانتهازية اللامسؤولة إلى زوايا مظلمة¡ فلا هي امتثلت لأدبياتها ونظمها الداخلية وما حملته من موجهات¡ ولا هي احتكمت للمنظومة الدستورية والقانونية أو اتبعت المسار الصائب الذي يجعل منها أحزاب بناء لا أحزاب هدم¡ بل أنها تفرغت للطعن في الوطن وتصفية حساباتها الضيقة معه¡ حيث لم تترك شيئا◌ٍ يلحق الضرر بهذا الوطن إلا وتبنته وكانت السباقة إليه. ولم تكتف هذه الأحزاب بكل ما قامت به بل ازدادت تكالبا◌ٍ في الأشهر الأخيرة على هذا الوطن وأبنائه¡ فمن الادعاءات الزائفة والمضللة التي ظلت تروج لها قيادات هذه الأحزاب أثناء مؤتمر لندن لدعم اليمن وتصويره على أنه سيفرض الوصاية الدولية على اليمن¡ إلى مطالبتها المانحين بإيقاف المساعدات لليمن¡ إلى تضخيم خطر “القاعدة” في اليمن ومحاولة إظهار هذا البلد وكأنه مأوى للإرهاب¡ في الوقت الذي يعلم الكثير أن عناصر القاعدة قد خرجت من تحت عباءات بعضهم ناهيك عن قيام بعض قيادات هذه الأحزاب بالدس الرخيص وتقديم المعلومات الكاذبة للآخرين عن الأوضاع في اليمن. ولأن هذه الأحزاب قد فشلت في الوصول إلى غاياتها الخبيثة من وراء كل ذلك¡ اتجهت إلى رمي أوراقها من خلال إعلان تحالفها مع عناصر الفتنة التي أعلنت التمرد في محافظة صعدة¡ لتكشف عن أن تلك العناصر المتمردة التي أهلكت الحرث والنسل وألحقت الضرر البالغ بالوطن والمواطن وسفكت دماء الآلاف من أبناء القوات المسلحة والأمن والمواطنين الأبرياء¡ هي عناصر مرتبطة بهذه الأحزاب وامتداد لها¡ كما هي صلة هذه الأحزاب بالعناصر التخريبية والانفصالية والخارجة على النظام والقانون والمتورطة في التآمر على وحدة الوطن والإخلال بالأمن والاستقرار وأعمال النهب والتدمير للمنشآت والممتلكات العامة والخاصة في عدد من مديريات بعض المحافظات الجنوبية والشرقية. وأحزاب بكل هذه المثالب والعقليات المتحجرة والتحلل القيمي والوطني¡ وإن لم يكن بمستبعد عليها أن تتحالف مع العناصر الإمامية والانفصالية والتخريبية وكل من يناصب الوطن العداء ويضمر له الشر¡ فإنها بهذا السجل التآمري يستحيل عليها أن تقنع أحدا◌ٍ بعد اليوم بأنها ما زالت تتمتع بأية صفة شرعية أو قانونية¡ بعد أن أكدت عدم اعترافها بالديمقراطية في الوقت الذي كان عليها أن تمارس نشاطها بوعي وأنها في مجتمع يحكمه دستور وطني وقوانين ونظام سياسي تعددي يستند على محددات واضحة وثوابت وطنية راسخة لا مجال معها للضبابية القاتمة والحقد الدفين والتعنت السلوكي والذهني والأفق الضيق والعدائية المقيتة وأساليب الابتزاز الملتوية والانتهازية الفجة وكل التصرفات الناقمة على هذا الوطن¡ باعتبار أن كل هذه الأفعال تتصادم كليا◌ٍ مع كل ما هو شرعي ودستوري وقانوني وديمقراطي ووطني وحضاري ومتمدن. وما لم يصلح هؤلاء أنفسهم فإن القانون كفيل بإصلاحهم.