عندما يقول الشعب كلمته!! 

يبرهن الشعب اليمني يوماٍ بعد يوم على أنه الأكثر وعياٍ والأكثر رشداٍ واقتداراٍ على حسم موقفه لصالح مساره الوطني وتوجهاته الطموحة وتطلعاته في المزيد من التطور والنماء والرخاء والنهوض حيث أثبت هذا الشعب في كل المحطات أنه – وبقدر اعتزازه بما حققه من الإنجازات والمكاسب التنموية والديمقراطية فإنه لن يسمح لأي كان بالمساس أو النيل من ذلك الرصيد من إنجازاته الوطنية التي لم يصل إليها عن طريق الصدفة أو بضربة حظ وإنما كانت نتاج جهد وعرق وعمل دؤوب ومثابرة وتضحيات سخية قدمها هذا الشعب من أجل بلوغ أهدافه وامتلاك قراره وحقه في حكم نفسه بنفسه واختيار حكامه وسلطات دولته التشريعية والتنفيذية والمحلية بمحض إرادته ودون وصاية أو إملاء من حزب أو جماعة أو تيار.
وها هو هذا الشعب يؤكد من جديد على هذه الحقيقة من خلال جماهيره الغفيرة التي تحتشد في عموم محافظات الوطن للتعبير عن قولها الفصل الرافض لكل الممارسات الانقلابية على النهج الديمقراطي وأساليب الابتزاز التي تستخدمها بعض القوى السياسية والحزبية بهدف عرقلة وإعاقة المسار الديمقراطي واستحقاقاته بعد أن وجدت تلك القوى نفسها عاجزة عن التطبع مع قيم الديمقراطية ونهجها الحضاري وهي التي فشلت في كسب ثقة المواطنين والحصول على أصواتهم في صناديق الاقتراع وفي حين كان من المؤمل أن تتجه تلك القوى السياسية والحزبية نحو إعادة تقويم نفسها والوقوف على الأسباب التي أدت إلى عزوف الناس عنها والنفور منها فإنها وبدلا من ذلك سلكت طريقاٍ محفوفاٍ بالأشواك والتعرجات الخطيرة ظناٍ منها أن الاندفاع في هذا الطريق المجهول سيمكنها من تحقيق ما لم تحققه عبر صناديق الاقتراع حيث لجأت إلى المساومة والابتزاز والرقص على إيقاعات الفتن والأزمات التي تثيرها دون إدراك أن إيغالها في تصرفاتها الإنقلابية والالتفاف على إرادة الشعب والتحريض على العنف وإشعال الحرائق والتماهي مع العناصر الانفصالية والتخريبية والخارجة على القانون لن تجني من ورائه سوى المزيد من العزلة والخسران وابتعاد الناس عنها فالشعب اليمني الذي اختار الديمقراطية نهجاٍ لا رجعة عنه لا يمكن له أن يفرط أو يسمح لأي كان بالانقلاب على هذا النهج أو الالتفاف والالتواء عليه وأقرب شاهد على ذلك قد تأكد في أول رد فعل شعبي سطره أبناء محافظة تعز الأبية يوم الأربعاء الماضي وبصورة قوية وواضحة وجلية حيث وجه أبناء تعز بذلك الموقف الحازم والحاسم صفعة مؤلمة لتلك القوى الحزبية والسياسية التي تحاول الانقلاب على الديمقراطية والارتداد بالوطن إلى عهود الشمولية والثيوقراطية البالية التي أهال عليها شعبنا التراب ودفنها وشهد موتها النهائي صبيحة يوم الـ22 من مايو 1990م.
ومثل هذا الموقف الوطني الذي سجله أبناء محافظة تعز لم يكن بالأمر المستغرب على أبناء هذه المحافظة التي كانت وستظل مركز إشعاع معرفي وفكري وثقافي وديمقراطي يزهو بتجليات الانتماء والولاء الوطني والإخلاص لقيم الثورة والوحدة والديمقراطية.
ولأن من راهنوا على تعز في تنفيذ مخططهم ومشروعهم الارتدادي لا يعرفون تاريخ هذه المحافظة ومواقف أبنائها الشرفاء فإنهم الذين أصيبوا بصدمة مدوية أفقدت تلك القوى المهترئة صوابها وهي تستحق مثل ذلك الرد القاسي الذي حمل رسالة واضحة تدعو تلك القوى إلى مراجعة نفسها والكف عن الاستخفاف بمشاعر هذا الشعب والمبادئ الوطنية التي يؤمن بها كل أبنائه وفي المقدمة منهم أبناء محافظة تعز الذين قدموا أجلِ وأبر الرجال على دروب الثورة والجمهورية والوحدة والحرية والديمقراطية بل إنهم قد شكلوا إلى جانب إخوانهم في كافة محافظات الوطن المدد العظيم لمسيرة التغيير والتحديث والنهوض والتجديد الحضاري.
ووحدها تلك القوى المعزولة في قبو التآمر والشمولية هي من تجهل تاريخ تعز التي لم تكن بالأمس واليوم ولن تكون في المستقبل إلاِ منارة للديمقراطية والوحدة والسلام والعلم والحرية وصمام أمان لاستحقاقات التنافس الديمقراطي الشريف وستبقى تعز دوماٍ عصية على دعاوى التخلف والجمود والتطرف والنزعات المناطقية وهرطقات منتجي الفتن والفوضى والأزمات وكذا أبواق الحقد والكراهية الذين فاتهم الزمن وصاروا بمختلف مشاربهم مجرد حطام لا يجمعهم جامع سوى الرغبة في الهدم والتدمير وإشاعة الخراب في هذا الوطن.
ومع ذلك يبقى من الثابت أن الخفافيش لا تقوى على العيش في النور بعد أن استمرأت العيش في الظلام ولا خوف على الديمقراطية من هذه النتوءات الشمولية فالتجربة الديمقراطية اليمنية هي من الثبات والرسوخ والقوة التي يستحيل معها أن تنال منها الأيادي المرتعشة والأبواق النشاز والتي طالما حاولت القفز على الثوابت الوطنية دون وعي أو فهم أو رشد أو اتزان.
وعندما يقول الشعب كلمته فليس أمام أصحاب العقول المتحجرة سوى التواري خجلاٍ وخزياٍ في كهوفهم المظلمة.

قد يعجبك ايضا