الإرهاب والاستغلال الأعمى!! 

من تابع تناولات وسائل الإعلام لحادث التفجير الانتحاري والإرهابي الفاشل يوم أمس الأول في منطقة “نقم” بالعاصمة صنعاء والذي كان يستهدف السفير البريطاني¡ لابد وأنه سيستغرب من انزلاق بعض تلك الوسائل الإعلامية إلى التضخيم والتهويل للحادث الذي لا يقاس بتلك الحوادث البشعة والفظيعة التي تتكرر يوميا◌ٍ في أكثر من بلد بما فيها بريطانيا نفسها وغيرها من البلدان الأوروبية والغربية التي تمتلك من الإمكانيات ما يفوق إمكانيات اليمن بمئات المرات¡ إذ ليس بوسع أحد أن يمنع أي منحرف من تفجير نفسه كما فعل ذلك الشاب الضال الذي دفعت به عناصر الإرهاب إلى تفخيخ نفسه والانتحار على قارعة الطريق لمجرد إشباع نزواتها الشيطانية والإجرامية ونهمها المتعطش لسفك الدماء وقتل النفس التي حرم الله.
وما أرادته تلك العناصر الإرهابية المتطرفة من وراء ذلك العمل الإرهابي الجبان ليس أكثر من التذكير بنفسها بعد الضربات الاستباقية القوية والموجعة التي وجهتها الأجهزة الأمنية للعديد من أوكارها مؤخرا◌ٍ على طريق تخليص الوطن اليمني من شرورها والإجهاز كليا◌ٍ على ما تبقى من عناصرها المختبئة في جحورها وصارت قاب قوسين أو أدنى من مصيرها المحتوم ولفظ أنفاسها الأخيرة في ظل الملاحقة الأمنية المستمرة لعناصرها وأفعالها الآثمة.
بيد أن اللافت في ذلك التضخيم والتهويل الإعلامي لهذا الحادث الإرهابي الذي وقع بالعاصمة صنعاء¡ هو انجرار بعض الوسائل الإعلامية ولأهداف سياسية أو شخصية مغرضة إلى محاولة الربط بين اليمن والإرهاب¡ وهي مسألة ليست جديدة¡ فقد برزت أولى مؤشرات هذه الموجة من الاستهداف الإعلامي لليمن عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م¡ حينما اتجهت بعض الوسائل الإعلامية للترويج بأن اليمن ستكون المحطة الثانية للقاعدة بعد أفغانستان!!. إلا أن كل الشواهد أثبتت أن ذلك الطرح يفتقر للمصداقية والموضوعية ولا يستند إلى أية حقائق واقعية أو معطيات منطقية.
وقد برهنت الأيام أن اليمن لم يكن ولن يكون ملاذا◌ٍ أو مرتعا◌ٍ للإرهاب¡ وإذا ما وجدت أو ظهرت بعض العناصر المتشددة والمتطرفة على أراضيه¡ فإن حظه من ذلك قد يكون أقل من حظ بعض الدول الأخرى أكان على مستوى العالم العربي والإسلامي أو حتى داخل أوروبا والعالم الغربي عموما◌ٍ¡ فالجميع سواء بسواء يعاني من آفة الإرهاب التي أضحت آفة عالمية لا وطن ولا دين لها¡ مما يقتضي من الجميع التصدي لها بعمل جماعي مشترك¡ بعيدا◌ٍ عن التصنيف والفرضيات الجزافية التي تفترض دولا◌ٍ بعينها مصدرا◌ٍ للإرهاب وأخرى متلقية له ومتضررة منه أو مستهدفة به.
وغني عن التذكير أن اليمن كان من أوائل الدول التي استهدفها الإرهاب حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م¡ وتكبد الكثير من الأضرار والخسائر الاقتصادية¡ وهو أيضا◌ٍ أول من حذøر من هذه الآفة ودعا إلى تحرك دولي وجماعي من أجل تطويق أعمال الإرهاب ومعالجة أسبابها وتجفيف المنابت التي تتغذى منها.
وما دام اليمن ليس معزولا◌ٍ عن عالمه¡ فإنه لا هو ولا غيره من دول العالم يملك حصانة ضد لوثة الإرهاب التي عم بلاؤها ليمتد إلى كل بقاع الأرض.
وإذا كان هناك من يحاولون اليوم سواء داخل اليمن أو خارجه- استغلال الحادث الإرهابي الأخير لتصفية بعض الحسابات الشخصية مع هذا البلد¡ من خلال تشويه صورته عبر وسائل الإعلام أو محاولة النيل من ثقافة أبنائه والقيم الحضارية التي يتحلون بها¡ فإن هؤلاء لن يحصدوا سوى الفشل الذريع¡ وسيسقط أي رهان في هذا الجانب كما سقطت كل رهانات من سبقوهم لاعتبارات عديدة¡ أهمها أن اليمنيين بثقافتهم الدينية المستندة إلى روح التسامح والاعتدال والوسطية ونبذ التعصب والغلو والعنف¡ هم أكثر قدرة على احتواء نزعات التشدد والتطرف¡ ناهيك عن أن ما يتمتع به اليمن من مناخ سياسي ديمقراطي وتعددي لا يضيق بحرية التعبير والرأي والرأي الآخر¡ ي◌ْس◌ِهل◌ْ عليه التعامل مع أي أفكار مهما كان نوعها وتقويمها وتصحيحها بالفكر والحوار.
وبالتالي فإن من الخطأ الظن بأن اليمن قد يشكل بيئة خصبة للإرهاب من أي نوع كان¡ بل أنه وعلى العكس من ذلك¡ فإن البيئة اليمنية بيئة طاردة لأية أفكار تتصادم مع منظومة القيم السائدة في المجتمع اليمني الذي يرفض العنف بكل أشكاله ويعتبر الإرهاب سلوكا◌ٍ شاذا◌ٍ وجبانا◌ٍ ومسلكا◌ٍ عبثيا◌ٍ وعدميا◌ٍ وخطيئة كبرى لا تغتفر.

قد يعجبك ايضا