ندلف غداٍ أبواب شهر مايو الذي يحمل في ثناياه عيد أعياد اليمنيين الذين صنعوا في هذا الشهر أهم إنجازاتهم الكبرى وأعظم مكسب من مكاسبهم الحضارية وأنصع إشراقة في سفر أمتهم وتاريخها المعاصر.
إنه الإنجاز الوحدوي العظيم الذي لا يضاهيه أي إنجاز آخر على الإطلاق سوى انتصار الثورة اليمنية (26 سبتمبر/14اكتوبر) التي شكلت نقطة الارتكاز ليوم الـ22 من مايو الأغر الذي سنحتفي هذا العام بعيده العشريني وقيام الجمهورية اليمنية بصورة متميزة تليق بالعطاء الوفير الذي تحقق لهذا الوطن خلال عقدين من الزمن من الإنجازات التنموية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنهضوية والتحديثية التي غيرت وجه الحياة على نحو لم يكن يتوقعه أحد.
وفي محطة هامة كهذه ما أحوجنا جميعاٍ أن نعيد قراءة التاريخ وأن نستحضر الملاحم الوطنية التي سطرها آباؤنا في مسيرة نضالهم وكفاحهم وهم يرسمون الطريق لنا من أجل أن ننعم بحياة حرة ومستقرة حياة تحترم فيها آدميتنا وكرامتنا وخياراتنا وحقوقنا الإنسانية إذ ليس من الإنصاف أن ننسى كل تلك التضحيات السخية التي بذلها آباؤنا الذين قدموا حياتهم ودماءهم قرباناٍ لتغيير ذلك الواقع المظلم والمزري والمتخلف الذي كانت تعيشه اليمن وأن نغفل أو نتغافل عن كل ذلك الجود من الإيثار وإنكار الذات والذي لولاه لظلت رؤوسنا مطأطأة بين الأمم ولما تأتى لنا أن نخرج إلى الحياة وأن نصبح رقماٍ في الخارطة الدولية.
وتغدو مثل هذه الوقفة أكثر من ضرورية ليعلم أولئك الذين يجحدون بهذا الوطن ويمارسون بحقه أبشع أنواع العقوق والتنكر والعصيان أن ما ينعمون به اليوم من حرية ومنعة وعزة وعيش كريم كان بالنسبة لآبائهم حْلماٍ إن لم يكن المستحيل بعينه والمطلوب من هؤلاء تحديداٍ الذين لم يذوقوا مرارة الماضي البائس ويصطلوا بمعاناته وكبته وحرمانه واستبداده وظلمه وبشاعاته وقهره وفظاعاته أن يسألوا من هم أكبر منهم ومن عاشوا ويلات ذلك الماضي الغابر وسيعلمون علم اليقين أنهم بعقوقهم لوطنهم وإساءاتهم له وسيرهم في الطريق المعاكس إنما يخونون أنفسهم وذلك الجيل من الآباء الصادقين والأوفياء الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم وجعلوا الوطن في حدقات عيونهم ومن عنوان “اليمن أولاٍ” مرشداٍ لهم في نضالهم وكفاحهم لا يبحثون في ذلك عن مغانم ومجد زائف ولا عن بطولة مفتعلة ولا يلهثون وراء مصلحة ذاتية أو شخصية زائلة وإنما كانت غايتهم هي الانعتاق باليمن وإخراجها من أزمنة القرون الوسطى إلى الزمن المعاصر وإنقاذ هذا الشعب من الموت قهراٍ ومرضاٍ والانقراض جوعاٍ وكمداٍ.
ومن المؤسف والمحزن أيضاٍ أن تصل الأنانية ببعضنا إلى درجة التنكر ليمنيته وهويته الوطنية دون إدراك أن كرامة الإنسان لا تستقيم إلا بكرامة وطنه.
وما يتوجب أن نذكر به مثل هؤلاء أننا حينما ندعو الجميع إلى جعل اليمن أولاٍ فإننا لا نبتدع شعاراٍ تلقفناه من الهامش بل أن ذلك ظل عنواناٍ لآبائنا وأجدادنا من قبل وإننا برفع هذا الشعار إنما نؤكد على اعتزازنا بتاريخنا وإرثنا الحضاري الزاخر بالأمجاد والقيم النبيلة.
وبإخلاص من سبقونا لهذا الوطن العظيم صنعوا المعجزات وتجاوزوا التحديات والمعوقات وارتقوا به إلى السماء.
وإذا ما أراد جيل الثورة والوحدة والديمقراطية دوام عزته ومنعته ودوام تقدمه ودوام رقيه ودوام حضور وطنه البارز والمشرف بين الشعوب والأمم فلابد وأن يجعل من شعار “اليمن أولاٍ” نبضه المتجدد والبوصلة التي يهتدي بها في حياته ويحسن بها استشراف المستقبل.
فالحقيقة أن ما نجده من انحرافات تقع فيها بعض القوى السياسية والحزبية لم يكن إلا بسبب تجاهلها لمعنى “اليمن أولاٍ” وانجرارها وراء مصالحها الذاتية وتغليبها الحزب على الوطن.
كما أن من ينساقون وراء أهوائهم ونزواتهم وأفكارهم الضالة والمضلة ويحلمون بإعادة عقارب الزمن إلى الوراء ما كان لتلك العقد أن تظل تتحكم فيهم وتسيطر على عقولهم وتجعلهم أسرى لغياهب الماضي لو أنهم جعلوا من “اليمن أولاٍ” الرؤية والمنهج والرافعة التي تقودهم إلى جادة الحق والصواب.
أما أولئك الذين يريدون أن نهدم بيوتنا بأيدينا ونخرب حاضرنا بمعاولنا ونسد آفاق مستقبلنا بشعاراتهم الساذجة ونرجسيتهم المفرطة وابتزازهم المكشوف فنقول لهم أن الوطن لا يبنى بالشعارات الجوفاء ونهضة الشعب لا تتحقق بالتماهي مع المشاريع الصغيرة والإفراط في الكيد السياسي والتحالف مع دعاة الانفصال وشراذم الفتن والتخريب والدفاع عن القتلة واللصوص وإنما بالجهد والعمل وجعل مصلحة اليمن أولاٍ فوق كل المصالح الحزبية والذاتية. وإذا ما أراد هؤلاء أن يلتحقوا بالمسار الوطني الذي يؤمن بـ(اليمن أولاٍ) فعليهم أن يتوقفوا عن العبث الذي يمارسونه ضد أبناء وطنهم وأن يؤكدوا بأعمالهم وممارساتهم أنهم مع اليمن أولاٍ وثانياٍ ودائما وليسوا عبيد مصلحة أو نزوة عابرة مدركين أن الحق أحق أن يتبع وأن مادون الحق هو الباطل والضلال.
Prev Post
Next Post