ليس هناك أسوأ من أن ينزع السياسي والحزبي عن نفسه رداء المصداقية والموضوعية والحكمة ويتخلى عن رشده واتزانه ويستبدل ذلك الرداء برداء الزيف والتضليل والخداع والمغالطات الفجة والاستهتار بالناس واستغفالهم ومحاولة إلغاء عقولهم وذاكرتهم. ولا شيء أخطر على الديمقراطية والتعددية السياسية وقيم الحوار وحرية الرأي والتعبير وأخلاقيات الاختلاف والتباين في وجهات النظر من أن يتحول بعض السياسيين إلى خصوم لأوطانهم ومجتمعاتهم تحركهم الرغبة في الانتقام من كل إنجاز وطني أو مكسب حضاري أو تطور إيجابي يحققه وطنهم سواء على الصعيد الديمقراطي أو التنموي أو الاقتصادي أو على نطاق البناء العام والأشمل. نقول ذلك من وحي ما نسمعه ونقرأه في تصريحات وطروح بعض قيادات أحزاب اللقاء المشترك الذين وصل بهم الحال والشطط السياسي إلى الانغماس في خطاب الزيف والتضليل إلى درجة أنهم بهذا الخطاب صاروا يستفزون كل أبناء هذا الوطن الذين يشعرون بأن مثل تلك القيادات الحزبية لم تعد تحترم كل ذي عقل قادر على التمييز بين الحقيقة وبين الإفك والبهتان. وفي هذا الصدد فإن الأمانة تقتضي أن نضع النقاط على الحروف إزاء ما يطرح حول من هو المتسبب في عرقلة وإعاقة التئام الحوار بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك والجلوس على طاولة النقاش لتحديد الآلية التنفيذية لاتفاق 23 فبراير 2009م. وسنعتمد في ذلك على عدد من الوقائع الثابتة والمرصودة والتي يعلمها الجميع. وإذا ما عدنا قليلاٍ إلى الخلف سنجد أن المشكلة لم تعد محصورة في مسألة تنفيذ اتفاق فبراير والعودة إلى طاولة الحوار ولكن الأنكى من ذلك أن هذه الحالة من الاعتراك السياسي صارت بين إرادتين: الأولى تستند إلى ثوابت وطنية ترى فيها خطوطاٍ حمراء لا يجوز المساس بها أو القفز عليها لكونها تمثل المحددات الراسخة التي نص عليها الدستور وأجمع عليها الشعب اليمني بعد أن كانت ملهمته في مسيرته النضالية من أجل التحرر والانعتاق والاستقلال والوحدة. وفي المقابل فإن الإرادة الثانية والتي تتحرك برأسين مختلفين سياسياٍ وأيديولوجيا هي من تبني مشروعها على أدوات المواجهة والتعطيل بعد أن جعلت رهانها الأول هو الوصول إلى السلطة بصرف النظر عن الوسائل التي تستخدمها لبلوغ تلك الغاية متخذة من مقولة “الغاية تبرر الوسيلة” البوصلة التي تسترشد بها وقد اتضحت معالم هذه النزعة التدميرية من خلال الأساليب والوسائل التي استخدمتها أحزاب اللقاء المشترك حينما نكثت الأيمان المغلظة لرئيس كتلتها البرلمانية الذي تعهد أمام مجلس النواب على أن توقع أحزاب المشترك على ما تم التوصل إليه داخل البرلمان من الآليات لإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها لتؤكد بذلك التهرب أن الهدف هو تعطيل الانتخابات وإدخال البلاد في نفق الفراغ الدستوري بدليل أنها وبمجرد أن وافق المؤتمر على مقترحها بتأجيل الانتخابات لعامين هبت ودون تردد للتوقيع على اتفاق 23 فبراير 2009م. وعلى نفس المنوال وبدلاٍ من أن تلتزم باتفاق فبراير اتجهت أحزاب المشترك إلى تبني ما أسمته بـ”وثيقة الإنقاذ” في إطار هلامي وغير قانوني وإمعاناٍ في هذا المسلك الخاطئ عمدت أحزاب المشترك إلى التحالف مع العناصر التخريبية التي أشعلت الفتنة في محافظة صعدة وحرف سفيان التي حاولت أن تجعل من نفسها دولة داخل الدولة وقامت بقتل النفس البريئة وتشريد المواطنين الآمنين من منازلهم وقراهم ومناطقهم وألحقت الضرر البالغ بالوطن وأبنائه في نفس الوقت فقد تماهت أحزاب المشترك مع العناصر الانفصالية التي تسعى إلى إعادة تجزئة الوطن وتمزيقه من خلال استئجارها لبعض الغوغائيين للتقطع في الطرقات وإحراق المصالح العامة والخاصة والاعتداء على المواطنين وإزهاق أرواح العديد منهم على أساس جهوي ومناطقي. وإذا كانت هذه الأحزاب قد وصلت بها الجرأة إلى التحالف مع عناصر إجرامية احترفت اللصوصية والتخريب وأعمال القتل والنهب فلماذا افتقدت الشجاعة حينما دعيت إلى طاولة الحوار والجلوس مع الحزب الحاكم رغم كل المحاولات والجهود التي بذلت لإقناعها بذلك..¿. وبناءٍ على ما سبق فإن أي متابع يجزم بأن أحزاب المشترك تعمل بإرادة خارج الإجماع الوطني. فهي مع الأسف الشديد لا تضع اعتباراٍ للدستور أو ثابت وطني إن لم تكن تستند في بعض نواياها لنفس الأسس التي تؤمن بها عناصر التخريب والانفصال ويتضح ذلك من خلال عدم إدانتها لتلك العناصر والخارجين على الدستور والنظام والقانون بل أن هذه الأحزاب لن تتردد دون خجل في المطالبة بالإفراج عمن تم ضبطهم متورطين بجرائم جنائية. وفي إطار جديد هؤلاء لا ندري ماذا يريد ذلك القيادي البارز في حديثه عما يزعمه بفشل الوحدة هل إعادة الوطن إلى عهود التشرذم والتشظي ودورات العنف والحروب¿ أم إلى حقبة العهد الشمولي التي نصب فيها ورفاقه المشانق لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وأبادوا فيها الآلاف في مجازر جماعية يندى لها كل ضمير إنساني..¿ وماذا يريد أيضاٍ هذا القيادي حينما رفض الرد مرتين متتاليتين على سؤالين صحفيين بشأن موقفه ممن يتآمرون على الوحدة في الخارج ويدعون إلى ما يسمى فك الارتباط..¿.. وأي رسالة يريد توصيلها بقوله بأنه ليس معنياٍ بالرد على مثل هذه الأسئلة..¿ وعليه فإذا كانت الوحدة اليمنية لا تعني هذا القيادي وأمثاله الذين يزايدون علينا صباح مساء بشعاراتهم فما الذي يعنيهم من أمر هذا الوطن..¿. هل ما يعنيهم فقط هو إشعال الحرائق وإثارة الأزمات والإضرار بهذا الوطن..¿ أم يعنيهم التكسب والتمصلح من المتاجرة السياسية وتعطيل مسيرة التنمية.. وإلحاق الأذى بالشعب اليمني..¿. وهل لهؤلاء بعد هذا النموذج الصارخ من الاهتراء أن يزايدوا على أحد بعد أن استباحوا كل شيء وأفسدوا كل شيء وشوهوا أبسط معاني العمل السياسي والحزبي¿. وبعد كل ذلك أما آن لهذه الضمائر الميتة أن تستيقظ¿!