أكد انه بجمعة رجب طوى اليمنيون حقبة من الشتات والاقتتال.. مفتي الجامع الكبير بصنعاء لـ “الثورة”: تاريخ اليمنيين مخيف لأعداء الأمــــــــــة ولذلك حاولوا صرفهم عنه
حينما عصفت النوائب بالأمم بقي الشعب اليمني الوحيد على قيمه وتماسكه
الجامع الكبير تعبير عن روح الله وتأصيل الهوية الإيمانية مسؤولية الجميع
من حق اليمنيين أن يرفعوا رؤوسهم، ففيهم لا تزال تعيش القيم والأصالة، وفيهم لا تزال للثوابت حرمة وقدسية.. فروا إلى الله من وعثاء الاقتتال وأمراض العلاقات الإنسانية فجعلوا منارة الاهتداء.
في جولة حول القيم والثوابت التي ما حاد عنها اليمنيون فواجهوا عواصف الأزمان بقوة وثبات، انطلاقا من اليوم المشهود يوم (جمعة رجب) كنا بمعية مفتي الجامع الكبير بصنعاء العلامة عبدالله حسن الراعي، وفي تجاذب الحديث كانت كلماته القوية مستفزة للخنوع والتقاعس، فمظاهر تحرك أعداء الأمة يحاصر المكان، وبإمكانه أن ينهار مع كل لفتة أصيلة إلى إحياء قيم المحبة والتآخي وتأصيل الهوية الايمانية ويمنيتها.
المفتي الذي لقيته في الجانب الأيمن من الجامع الكبير وقد أحاط به نفر قليل يسألونه الحلول في بعض مسائل الدنيا.. استأذنته لهذا الحوار..:
نبدأ من (جمعة رجب): ما الذي تمثله هذه المناسبة العظيمة على قلوب اليمنيين؟
– الحمد لله القائل في محكم التنزيل (وذكرهم بأيام الله)، فأي مناسبة تكون ذات مردود على المجتمع ككل فهي بلا شك من أيام الله بل من أعظم المناسبات.. يتوارثها الأجيال ويحيون أيامها، ولذا حينما هاجر الحبيب المصطفى إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون فسألهم “لما” فقالوا: ذاك يوم نجا الله فيه موسى واغرق فرعون.. هنا حدث وقضية بالنسبة لهم لأنه حررهم من العبودية وكما اخبر القران كان يستحيي نساءهم ويقتل أبناءهم إلى آخره فتلك نعمة عظيمة بلا شك وان كانت من نعم الدنيا ففيها الاستقرار الذاتي والحفاظ على الأعراض والأنفس، أما جمعة رجب أيها اليمنيون فهي شرفكم وهي نعمة الله عليكم، وكل نعمة تتضاءل أمام نعمة الإسلام الذي يحمل تعاليم الله وقيم الله، وإذا لم يكن النعيم الدنيوي متصلاً بالنعيم الآخروي فلا يسمى نعيما لأن له انقضاء وله انتهاء ولم يجد مردودا له في العاقبة، أما جمعة رجب فهي عز اليمنيين، هي شرف اليمنيين، هي النواة التي عليها تأسس مجدهم وان كانت لهم حضارة ممتدة عبر آلاف اليمنيين قبل حضارة اليونان أو الفراعنة أو البابليين، وهذا تاريخ يحكي وليس مجازفة، اليمنيون ذكرهم الله في عهد سليمان وذكرهم في عهد نوح، وسلوا من أسس صنعاء.
وكيف كان دخول اليمنيين الإسلام؟
– عندما أرسل الرسول المصطفى رسوله الشخصي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام استقبله مشائخ واعيان همدان وطبعا حين نقول همدان فهي المقصود بالقبائل اليمنية وبطون القبائل اليمنية إذ أنهم يتفرعون من الجد الأول همدان بن زيد فرحبوا واسلموا واظهر الله هذا الشرف ووصل البشير إلى النبي وهو يخطب في الناس يوم الجمعة فقال له “اسلم أهل اليمن” فترك الحبيب المصطفى الخطبة ونزل ساجدا ثم قال للصحابة من المنبر (الله اكبر جاءكم أهل اليمن هم ارق قلوبا والين أفئدة الإيمان يمان والفقه يمان الحكمة يمانية)، هذه الجمعة هي عيد الأعياد، الإسلام وحّد اليمنيين ومن يقرأ في تلكم الحقبة سيجد الشتات كان على أشده بين اليمنيين وكان الاقتتال بينهم بالغا، وأياد خبيثة كانت تغذي هذه الصراعات حرصا منها على مصالحها الشخصية فأنقذ الله أهل اليمن في جمعة رجب بأن أعلنوا إسلامهم وحمدوا الله وتعانقوا وتركوا أعمال الجاهلية من ثأرات ومن عصبية إلى آخره، وكانوا مضرب المثل لمجتمع متفاعل ككل.
يخبرنا التاريخ بأن اليمنيين لم يكونوا كغيرهم في الجهاد….
– نعم هذه حقيقة أكيدة، هل تعلمون انه في عهد أبي بكر في يوم واحد وصل إلى المدينة المنورة عشرون ألف مقاتل يمني؟ وما فتح البصرة وما فتح الكوفة ومصر وخراسان إلا الجيش اليمني بل اغلب الجيش قيادة وجندا هم من اليمنيين وهذا تاريخ وإنما غُيِّب هذا التاريخ وأهل اليمن لطيبة قلوبهم ورقتها يقبلون بتاريخ الفّوه لهم، ويغمطون أنفسهم وشرفهم ومجدهم الباذخ على كل الأمم العربية والإسلامية فهم منبع الحضارة، منبع الإسلام، جدن الإسلام، مدد الرحمن كما في بعض الأحاديث، هؤلاء هم أهل اليمن، لذا علينا في هذا اليوم يوم (جمعة رجب) أن نُظهر نعمة الله علينا وان نجعل من هذه المناسبة عيدا، والعيد معناه من عود المسرة، واجب نذكر نعمة الله ( وذكرهم بأيام الله)، (وأما بنعمة ربك فحدث)، وكثير من الآيات تخبرنا ذلك، وكما جاء في الحديث “إن الله يحب أن يرى اثر نعمته على عبده) فهذه النعمة لها أثرها على اليمنيين وهم يتذكرون ماضيهم وعسى أن يرجعوا إليه لأنهم ارق الناس قلوبا تؤثر فيهم الموعظة والكلمة الطيبة ولذا نرى في زماننا حينما عصفت النوائب بالأمم بقي الشعب اليمني الأوحد محافظا على قيمه وعلى أخلاقه وتماسكه.
أشرت إلى أن تاريخ اليمنيين غُيّب عنهم، كيف ولماذا؟
– بلا شك بسبب الحسد وهذا بطبيعة الإنسان، إذا لم يكن حاملا القيم الإسلامية وروح الإسلام فإن الحسد يعصف به حتى يغمط النعمة، وأهل اليمن مغمورون عبر الزمن، حسدهم الآخرون لما لهم من تاريخ ناصع ورجال عباقرة هذه حقيقة، انظروا إلى أئمة المذاهب انظروا إلى رجال الفكر في كل الأقطار كثير منهم مرجعهم وأصولهم إلى اليمن، فلما رأوا هذه المزية وأنهم لا يرضون بظلم ويثأرون مع أئمة الحق أو مع دعاة الفكر أو ضد الظلم، اليمنيون يتفاعلون فغمطهم من حسدهم وأما السياسة الخبيثة فعندما يتولى من لا خير فيه ويرى أن هذا التاريخ إذا ظهر سيغير المجرى فيستبدل بتاريخ آخر وبرجال آخرين لأمر ما فإنه يعمل على صرف الناس عن مناسباتهم وتاريخهم العظيم.
وأي خوف من هذا التاريخ؟
– لأنهم يعلمون انه من لا ماض له ولا حاضر ولا مستقبل له، الماضي حينما يكون قائما على القيم وقائما على المثل والأخلاق، وقائما على معرفة الله وتعاليمه، وكذا قائما على النبوغ في العلم، وحينما يكون ثريا بالانتاج الإنساني، فإنه بلا شك يكون محفزا على التمسك به ودافعا للحفاظ عليه ومواصلة مسيرته، ولذلك هم لا يريدون هذا لنا، لا يريدون اليمنيين أن يتقدموا لا يريدون لهم معرفة تاريخهم العريق حتى لا يستلهمون منه المآثر ويستعيدون مجدهم وقوتهم ويتصدرون الصفوف في الدفاع عن الحق والانتصار للمظلومين.. أعداء الدين، أعداء الأمة، موجودون وسيظلون يتآمرون ولن يفلحوا إذا تماسك مجتمعنا وتمسك بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها.
في هذا السياق تأتي دعوة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي باعتبار هذا التاريخ هو أساس الهوية الإيمانية، كيف تنظر إلى ذلك؟
– لو نظرنا إلى الهوية الإيمانية اليمانية سنجدها الوحيدة التي يمكن أن نردها إلى أصلها وإلى معينها وان نصبغ المجتمع لأنها صبغة الله، صبغة الإيمان (الإيمان يمان) مبتدأ وخبر، جملة اسمية تفيد الدوام والثبوت كما هو معلوم في علم البيان، علم البلاغة والأصول هذا معروف لمن قرأ في هذا وطالما اخبر النبي بهذه الصبغة فإن هذه الصفة ستتوارث وهي كالذهب فإذا وقع عليه غبار فإنه سيُجلى هذا الغبار ويعود الذهب ذهبا لا يتغير أو يصدأ كالحديد، هؤلاء هم أهل اليمن وعندما نذكرهم بهذا ونلمح لهم بإشارات إلى الأخطاء التي يمكن أن تكون قد اخترقت مجتمعنا وقيمنا فكل واحد سيبادر إلى الإصلاح وإلى إزالة ما وجد من خلل أو خدش في الحياء ويعود إلى قيمه الأصيلة كما قال الإمام علي “علموا أولادكم فإنهم خلقوا لزمن غير زمانكم” ينبغي أن يظل اليمنيون متمسكين بتاريخهم الناصع، و في مجتمعاتنا الحضرية والقبلية هناك توارث لقيم منذ الأزل وجاء الإسلام وأكدها واثبت أواصرها وهم يتوارثونها إلى يومنا هذا إلى ما شاء الله، فالأمر أيسر مما يتصوره الإنسان، عندما يصدق الإعلامي عندما يصدق التربوي والخطيب ويكون هو نفسه متفاعلاً متمسكاً متصفاً سيكون مؤثرا على من حوله إن شاء الله.
لا يزال الجامع الكبير بمناخه الروحاني الأكثر ملاءمة ليكون منطلقا لتأصيل الهوية الإيمانية كما لفت إلى ذلك السيد عبدالملك.. ما رأيك؟
– نعم لأن الجامع الكبير ظل ولا يزال تعبيراً عن روح رسول الله وهو ثالث المساجد في الإسلام، فبعد مسجد قباء ومسجد الحرم، مسجد صنعاء ثم مسجد الجند، هذه رموز لتأسيس الحق من عهد الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله وهو ارتباطنا بذلكم التاريخ والتاريخ يفعل فعلا، ولذلك قال الله تعالى” الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا” هذا في حق أهل الكهف، لأنه تاريخ وقع فيه أمر عظيم يشد الأذهان ويشد الكملاء إلى الارتباط به فجعل الله له معلما وتاريخا ولما كان الجامع الكبير والجند وغيرهما تعني منطلق العز لليمنيين ومنطلق إظهار هذه الدعوة المباركة بأمر رسول الله جعل الانطلاق منها كما بدأ يُختم ويكون البركة بركة نبوية وبركة إيمانية، وله في قلوب اليمنيين جميعا بجميع توجهاتهم ومناطقهم الاحترام الكامل والتقدير لقيمته والاعتزاز بمكانته.
يزخر الجامع الكبير بالمظاهر الدينية التي يمكن أن تسهم في تأصيل مظاهر الهوية الإيمانية ومنها هذه الحلقات المتنوعة.. برأيك كيف يمكن أن تعزز هذه المظاهر من التمسك بالقيم الإيمانية؟
– في هذه الحلقات هناك علم يُدرّس وهناك فقه يُعلّم ولا شك إذا لم تكن كذلك سيكون العلم الذي يحمله العالِم حجة عليه وأهل العلم ملزمون على المنفعة بعلمهم، المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الشخصية لا يمكن أن نلوم الناس إلا إذا ألزمناهم الحجة وبيّن العالِم علمه، ولذا جاء في حديث “إذا ظهر البدع ولم يظهر العالِم علمه فعليه لعنة الله” فهذه مسؤولية، كما إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، في البيت، في الشارع، في المدرسة، في العمل، في أي مكان، الجميع معني بالقيام بهذه الرسالة الجامع الكبير بما هو عليه من مكانة وقيمة معني بهذا الدور من خلال إشاعة القيم أثناء الحلقات أو أثناء اللقاء بالناس خارج الجامع أو من على منابر المساجد.
على ذكر المنابر ، معلوم إن علاقة اليمنيين بالمساجد قوية ما يعطي فرصة للخطباء لتحفيز هذه الروح في اتجاه التمسك بقيم الهوية.. ماذا تقول لهؤلاء الخطباء؟
– الخطباء والإعلاميون والتربويون والمفكرون وكل من له يد في علم الصحافة أو الإعلام أو التأليف أو الخطابة عليهم جميعا أن يربطوا المجتمع بتاريخه، وأن يحيوا فيه هذا التراث العظيم وأن يربطوا المجتمع بكل مساحته الجغرافية الشمالية والجنوبية الشرقية والغربية لا فرق بين أي يمني، وأن يدفعوا نحو تماسكه وثباته حتى لا يكونوا أداة سهلة التطويع لأغراض أعداء الأمة، وإنما هذا الذي نرى اليوم من تغرير على كثير ممن غرر بهم هو لأنهم حملوا ثقافة مغلوطة، ثقافة التكفير ثقافة التنكر للأصل للوطن وللقيم، على رجالات العلم والفكر أن يحيوا في المجتمع ثقافة الأخوة، الترابط، التلاحم، والتفاني من اجل الدين، من اجل الوطن والعرض ، وأن يكونوا يدا واحدة، وان يحيوا فيهم الصدق والإخلاص هذه مسؤولية الجميع ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
لماذا كانت لليمنيين هذه المكانة في الإسلام؟
– الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس قال جبريل للحبيب المصطفى: “أتدري لما رفع الله قدرك قال لا فقال: اطلع الله على قلوب الخلق فلم يجد قلبا مثل قلب محمد، قلوب اليمنيين تحمل الطابع الذي يقبل الخير ويتأثر به ويشع منه خيرا لغيره” وطبع اليمنيين طبع إيماني مؤثر لنفسه ومؤثر لغيره، تراهم يسارعون للخير وان كانوا في أحلك الظروف، فإذا وقعت دولة عربية أو إسلامية أو غيرها في نكبة تراهم يتفانون الصغار والكبار، الذكر والأنثى بهذه الفطرة المتوارثة، هم هكذا في كل المحالك، وترانا في هذه الظروف التي نعيشها ننادي القدس أي شعب هذا احتار في توصيفه عدوه قبل حبيبه، يقاسم غيره لقمة العيش وهو في هذا المحك العظيم والمحنة العظيمة، لذلك استحق اليمنيون هذه المكانة العظيمة عند الله ورسوله.
وكيف عبَّر الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام عن هذه المكانة؟
– ذكر النبي صلى الله عليه واله وسلم أربعين حديثاً من الأحاديث الصحيحة بشأن اليمنيين، وعمل لها العلماء الشروح النفيسة العظيمة وذكروا لهم في كل زمن القادة العظام للفتوحات الإسلامية المآثر الخالدة لليمنيين، اذكر لكم انه حينما أمر الله جبريل أن يخبر الحبيب بأن قريش ستغزو في غزوة الأحزاب الخندق وأشار عليه سلمان الفارسي رحمه الله بان يحفر الخندق كان عمار بن ياسر الرجل المذحجي من اليمن في الصدارة قال النبي: “والله لقد ملئ عمار من قرنه إلى أخمص قدمه إيمانا وعلما، فكان يحمل لبنتين (من التبن) فيما الآخرين يحملون لبنة واحدة”.. وتأمل في تبشير الرسول لعمار ووالده ووالدته بالجنة “ابشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة”، أول أسرة شهيدة في الإسلام هي أسرة يمنية من قبل جرهم، أخوال إسماعيل يمنيون، من هم أخوال النبي؟ إنهم بنوا النجار، سكان المدينة ومن اعز سكانها هم يمنيون بالاتفاق، الحاذق تكفيه الاشارة، يكفي أهل اليمن أن نزل فيهم قول الله “إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) “وآية أخرى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) صدق الله العظيم، وذكر أن النبي ضرب على كتف أبي موسى الأشعري وقال ” إنهم قومك” وصدق فلم يلب ولم يتماسك في هذا الزمان الحالك الزمن المادي الذي عُبد فيه الدرهم والدينار وأهملت الأخلاق والدين إلا اليمنيون حينما رأوا نداء الله لبَّوه وبذلوا الغالي والنفيس سيما الشباب وهذه مزية.