52 عاما◌ٍ على ميلادها.. كلية بلقيس أضخم خزان استراتيجي لليمن .. يروي تجربتها العريقة الأستاذ فضل ردمان (1-2)
أسسها الرعيل العملاق من رجال اليمن .. وأساتذتها نخبة
من أشهر الأدباء ورواد التعليم
,هذه أسماء المساهمين والمتبرعين المجهولين للشعب اليمني منذ نصف قرن
, الأئمة والمستعمرون جعلوا التعليم أداة فرز اجتماعي .. و”بلقيس” فتحت أبوابها الذهبية لأطفال اليمن
, 4 مراحل تعليمية .. و3 فصول في السنة .. و14ساعة دراسية في اليوم بمناهج متقدمة
استقلال الهيئة التعليمية وإشراك المدرسين والطلبة في إدارة الكلية سر النجاح والتفوق
, أول دفعة من “بلقيس ” إلى جامعة القاهرة عام 66وعشرة الآف طالب تردد على الكلية حتى سنة 68
, أولوية قصوى لرياض الأطفال .. والفتيات في طليعة الأنشطة التربوية والثقافية والرياضية
الأستاذ النعمان:كلية بلقيس منارة تقدمية للعلم من أجل اليمن .. وليست مصنعا للقنابل والمتفجرات
حوار أجراه:عبدالحليم سيف
فلنبدأ بالمشهد الأول .. .
كان ذلك التاريخ الاثنين 6 جماد ألأولى سنة 1381ه الموافق 16 أكتوبر 1961م º صباح يومئذ استيقظ سكان الشيخ عثمان في عدنº على وقع حركة نشطة لبراعم وأطفال وفتيان وفتيات في عمر الزهورº انتشروا في شوارع المدينة كل شيء فيهم مبهر .. زيهم الموحد .. أناقة مظهرهم .. خطواتهم الثابتة .. أجسامهم ونظراتهم المزهوة .. هاماتهم المرفوعة .. وابتسامتهم المبتهجة .. كلما اقتربت الدار الكبيرة الواقعة جنوب غرب المدينة º أسرعوا في مشيهم حتى إذا وصلوا بابها ازداد عددهم بالمئات ºقبل أن يصبحوا آلافاٍº في مشهد غلب عليه “اللون الأخضر” .. وهو بالطبع لا يخلوا من مغزى !!
من هؤلاء .. . !¿
أنهم أبناء وبنات كلية بلقيس الذين خرجوا من” سراديب الجهل والأزقة”º إلى رحاب عالمهم الجديدºفي مفتتح أول يوم دراسي .. ليصبح ذاك المكان- الذي كان مجهولا حتئذ- غارقا في موج بشري يتوافد إليه صباح ومساء كل يوم ºوملأ صورة ساحتها حتى حوافها البعيدة º حيث بدأت تتكون قلعة وتكبر كمنارة شاهقة تضيء اليمن كلها بالوعي المتوهج.
لقد نبهتني هذه الصورة الحقيقية إلى النشيد الذي كان يردده الصغار والكبار في كل مناسبة .. وهو يجسد روح الأسرة الواحدة. في مطلعه :
” كلية بلقيس بيتنا الثاني واليمن أولú بيت يا أخواني “
انه أبلغ تعبير عن عمق العلاقة المتشابكة بين الإنسان والمكان .. التاريخ والزمان .. فالتلاميذ والتلميذات من أبناء اليمن شماله والجنوب .. وأساتذتها وعمادتها ومؤسسيها هم نخبة الرعيل الأول للحركة الوطنية الذين قدموا بسخاء مما يملكون لشيدوا أعظم صرح علمي وتربوي لصناعة عقول أجيال من الشباب المزود بسلاح العلم لينخرط أبناؤه بعد حين في معمعة الثورة ºثم المشاركة في معركة بناء مجتمع عصري متطور.
وفي لحظة تولدت عندي فكرة تناول هذا الموضوع وجدت نفسي بدون معلومات كافية بيد أن زميلين من أبناء “بلقيس” .. هما الباحث المؤرخ عبدالعزيز سلطان المنصوب والشاعر والكاتب عبدالكريم الرازحي اللذان أشارا إلى أن أفضل من يتحدث عن تجربة “بلقيس “ هو الأستاذ فضل ردمان محمد مستشار أمين العاصمة الحالي لكونه أطوال من عاصر مسيرة الكلية منذ التحاقه بها طالباٍ في الثاني إعدادي عام 1961م وعمل مدرسا وأميناٍ لصندوق الكلية عام 1966م وعضواٍ في مجلسها الإداري ثم شغل موقع المدير المالي الإداري حتى تركها نهاية 1974م كما كان الرجل شاهد عيان لكل ما جرى من تحولات ومشكلات استجدت بعد 1967م. وكان قريباٍ جداٍ من أعضاء مجلس الكلية وهيئة تدريسها .. مكنه ذلك من رصد وقائع لا يعرفها كثيرون وحتى طلاب الكلية.
ومن هنا كان حرصي على اللقاء بالأستاذ فضل ردمان فذهبت إليه وأمام عيني أكثر من علامة استفهام خاصة حول البدايات والنهايات التقيت به نحو خمس مرات كنت أسأله .. فيجيب بلا تردد .. عاد أكثر من مرة ليؤكد لي المعلومات الشفهية بمستندات ووثائق وبعض الصور الفوتوغرافية المتوفرة لديه .. لم يتضايق من كثرة أسئلتي º لأنه كان يتحدث عن أهم تجربة رائدة في تاريخ التعليم في اليمن .. يتداخل فيها التعليمي والتربوي بالسياسي والإنساني .. وكانت المحصلة حديث طويل وشامل هو الأول من نوعه في مضمونه وشخصيته .. والآن إلى تفاصيل الجزء الأول من الحوار .
تحية وفاء
●أستاذ فضل ردمان .. فلنبدأ من حيث اللحظة الراهنة ماذا تعني لك الذكرى الـ52 لميلاد كلية بلقيس¿وكيف وجدتها في آخر زيارة لها¿
-بداية اسمح لي أن اعبر عن بالغ سعادتي لمنحي هذه الفرصة للحديث عبر صحيفة (الثورة) الغراء ولأول مرة عن مكانة وتجربة كلية بلقيس كصرح تعليمي وتربوي شامخ وعريق في ذكرى ميلادها الــ 52 .. وفي هذا المقام لابد من توجيه تحية إجلال ووفاء وعرفان لآبائنا وأساتذتنا الأفاضل الذين رحلوا عنا بعد أن تركوا لنا سيرهم العطرة وكانوا القدوة والمثل في العمل وإشاعة روح الأمل .. والذين لولا جهودهم الذاتية لما ولدت كلية بلقيس .. ولما خرج الآلاف من أطفال وشباب اليمن من الانغلاق إلى الانطلاق .. ولهذا فذكرى “بلقيس” تعني لي ولأبنائها بداية لفجر يتجدد لبناء اليمن الجديد بالعلم والعمل .. أما كيف حال “بلقيس” في ذكرى ميلادها .. فأنا أتابع ما يحدث لها من تطورات منذ أن تركتها في منتصف السبعينيات وحتى اليوم .. وفي كل مرة أكون في عدن أحرص على زيارتها مع الصديق الدكتور علوي عبدالله طاهر .. وأثناء تواجدي في مدينة الشيخ عثمان أيام إجازة عيد الأضحى المبارك .. وتحديداٍ يوم الأربعاء السادس عشر من أكتوبر الماضي زرت “بلقيس ولم تعد كما تعرفها أنت وغيرك من أبنائها الذين درسوا فيها في ستينيات القرن العشرين .. فقد تغيرت أشياء كثيرة سوف أحدثك عنها لاحقا.
قبل “بلقيس”
● لك ما تريد .. لنخرج مؤقتا من الواقع الحالي وقبل أن نستعرض الخطوات الأولى لتأسيس الكلية وما تلاها من تطورات .. حدثنا عن ملامح التعليم في اليمن قبيل مولد” بلقيس” ¿
- المعروف أن التعليم قبل ميلاد “بلقيس” كان محدودا ومحتكرا .. لا وجود للمدارس العصرية في اليمن .. باستثناء عدن المستعمرة في تلك الأيام وجدت المدارس الأهلية مثل :”بازرعة” و”المعهد العلمي الإسلامي” و”المدراسي” في كريتر و”الأهلية” في التواهي و”النهضة “في الشيخ عثمان وكان يدرس فيها أبناء القادرين.وعندما ظهرت المدارس الحكومية الابتدائية والمتوسطة بما في ذلك كلية عدن إبان الاحتلال البريطاني كانت هي الأخرى مفتوحة للطلبة الحاملين شهادة ميلاد في عدن .. أما الذين لا يحملونها من أبناء الريف في جنوب وشمال الوطن اليمني فلم يكن بمقدورهم الانخراط في تلك المدارس .. وبسبب السياسة الإمامية الاستعمارية التي اتخذت من التعليم أداة للتفرقة بين أبناء وطن واحد كان من الطبيعي أن تجد الآلاف من الصغار والشباب يقعون فريسة للجهل والضِياع والتشرد .. حتى جاء افتتاح كلية بلقيس في مدينة الشيخ عثمان يوم 16 أكتوبر 1961م لتحتضن أبناء اليمن المحرومين من التعليم ولتفتح أمامهم أبواب الأمل ولتعمل على إيقاظ الوعي الوطني .. وتساهم في دعم الثورة اليمنية حيث مثلت”بلقيس”روح الجماهير اليمنية التواقة للحرية والوحدة.
مشروع ” النعمان”
●كيف ولدت بلقيس الكلية¿ ومن صاحب الفكرة ¿
- كثيرون من الأحياء ومعظمهم من الأجيال الحديثة ليس لديهم معرفة بتاريخ كلية بلقيس .. ومن هو صاحب الفكرة .. أو من كان له الفضل الأول في تأسيسها .. المهم أن “بلقيس” كمشروع لم يولد بسهولة كما قد يتصور البعض .. المهمة كانت شاقة .. وقد روى لي الأستاذ المرموق المرحوم حسين علي الحبيشي عميد كلية بلقيس الذي تشرفت بالعمل تحت إدارته في عدن .. ثم لازمته في صنعاء ومعه الأستاذ القدير والتربوي الكبير المرحوم سعيد قائد أحمد .. أن فكرة المشروع تعود إلى الأعوام الأخيرة من الخمسينيات .. فبعد حركة 48 الدستورية وإعدام قادتها من الأحرار ونجاة البعض الآخر منهم بهروبهم إلى القاهرة وعدن .. حدث تواصل بين من كتب لهم الحياة .. ودار نقاش حول سبل تغيير الأوضاع في البلد .. وفي نهاية المطاف وقفوا أمام اتجاهين .. الأول تبناه بعض مشايخ القبائل من الأحرار وخلاصته أن يتم جمع التبرعات من التجار وإرسالها إلى القبائل في الداخل (الشمال) للقيام بالانقلاب على الإمام أحمد .. في حين رأى الفريق الأخر أن الطريق الأفضل لليمنيين يكمْن في التعليم .. فهو أقوى سلاح للإطاحة بالجهل والظلم والعبودية والتخلف .. لذلك مال معظم الأحرار إلى هذا الرأي وقد تبناه الأستاذ الكبير أحمد محمد نعمان وهو صاحب الفكرة والأب الروحي لبلقيس .. حيث قام بعد عودته إلى عدن من القاهرة عام 1960م بحملة مكثفة في أوساط التجار اليمنيين المتواجدين في عدن حينذاك وأقنعهم بالمساهمة والتبرع لإنشاء كلية بلقيس وهو ما تحقق بالفعل .. والأستاذ النعمان هو أيضا من أقنع الأستاذ الحبيشي بتحمل إدارة كلية بلقيس عندما التقاه في لندن.
●لماذا” كلية” وليست “مدرسة”¿
- الآباء المؤسسون لــ”بلقيس” فكروا بالمستقبل وخططوا لقيام مشروع تعليمي طموح جداٍ تكون مخرجاته لخدمة اليمن ولذلك أسسوا كلية تمهيداٍ لجعلها جامعة شاملة لجميع العلوم والمعارف والمعاهد العلمية .. وقد حدد الأستاذان الجليلان النعمان والحبيشي ذلك التوجه في حفل افتتاح الكلية.
لحظة الميلاد
●يخطر في هذا أن أسألك عما بقي في الذاكرة من صور حفل افتتاح الكلية .. وكيف كانت مشاعر اليمنيين ¿
- الحقيقة أن الفرحة سبقت افتتاح “بلقيس”بأشهر .. وذلك عندما تسابق الآباء لتسجيل أولادهم للدراسة في الكلية .. في تلك الأيام كانت المسألة حلماٍ .. ثم توجت الفرحة الكبرى في الليلة التي شهدت فيها وقائع الافتتاح في مهرجان خطابي وفني جرى في ساحة الكلية وأمام مسرحها وبحضور حشد كبير جداٍ من الآباء المؤسسين والشخصيات الوطنية والمثقفين والفنانين والمواطنين والطلبة والطالبات .. مازلت حتى اللحظة أتذكر كيف سالت دموع الفرح من عيون الحضور .. خاصة عندما كانوا يسمعون كلمات الأستاذ المرموق والمربي الكبير الأستاذ حسين علي الحبيشي وهو يدعو أبناء اليمن في كل مكان إلى تعليم أبنائهم والإسراع في إلحاقهم بالكلية أو هو يعبر عن مشاعر الاعتزاز بالروح اليمنية الحية والثقة بالأمل والتفاؤل بمستقبل جديد لليمن .. وقد تحول افتتاح الكلية إلى حدث ضخم في أوساط اليمنيين أذهل الجميع بالإدارة الحكيمة والمسئولة والترابط الأسري بين أبناء بلقيس من العميد حتى الغفير .. عند هذه النقطة توقف الأستاذ فضل عن الحديث .. وذهب يفرد بين يديه ملفه الخاص ب”بلقيس “ويلتقط من جوف الملف مجموعة من الأوراق المطبوعة بالكمبيوتر.ثم بادرني بقوله: اقرأ ما قيل في حفل الافتتاح .. انظر بأي لغة كان عمالقة ذاك الزمن يفكرون في بعث البلد .. وما هي تصورتهم لخلق جيل جديد يخدم اليمن ويبني مستقبلها وتوحيدها .. فهذه كلمة الأستاذ الكبير أحمد محمد نعمان التي أرسلها للأستاذ الحبيشي من القاهرة وهذه كلمة العميد وتلك قصيدة الأستاذ أحمد حسين المروني .. وجميعها لم يسبق نشرها.
قلعة تقدمية
●أخذت أقرأ بتركيز وبصوت مرتفع أحيانا محتويات الكلمات لأعرف ماذا قال كل واحد منهم .. ثم عدت أتمعن بكلمة الأستاذ النعمان .. حتى خيل لي أنني أسمع صوته ولغته الفخمة .. قال في بعض سطورها :
” .. هكذا قلنا منذ عامين .. والكلية في ضمير الغيب .. واليوم وقد برزت إلى الوجود واستطاع المخلصون والصادقون أن يشيدوها وأن يفتحوا أبوابها ويعلنوا يوم ميلادها .. وتسابْق الشباب المدرك الواعي من فتيات وفتيان لأداء رسالة العلم فيها” .. و ” أ ن مأساتنا الحقيقية هي الجهل ورثناها عن أبائنا فأضاعتنا ومزقتنا وأخرجتنا من ديارنا وأنه لحرام على كل يمني أن يظل هذا الميراث اللعين يلاحق أبناءنا وأحفادنا بعد اليوم”.
وبعد أن يصف الأستاذ النعمان “بلقيس” بالقلعة التقدمية .. نجده يوجه حديثه لأبناء الوطن دون استثناء مخاطبا الجميع قائلاٍ :
” يا أبناء اليمن في كل مكان .. أن كلية بلقيس ليست جمعية سرية للمؤامرات .. . ولا مصنع للقنابل والمتفجرات فاقتربوا منها مطمئنين وادخلوها بسلام أمنين .. أن كلية بلقيس دار للعلم والمعرفة تجذب إليها أبناءنا وبناتنا لتحررهم من الجهل وتنقذهم من الضياع وتحول دون تشردهم في الشوارع والأزقة لتوسع مداركهم وتنمي مواهبهم وتهذب نفوسهم وتصقل عقولهم وتربي أخلاقهم .. .”أن فيها اليوم نحو آلف وثلاثمائة طفل ذكوراٍ وإناثاٍ وهي لم تبن إلا جناحاٍ واحداٍ من ستة أجنحة .. ويقدر العدد الذي تستوعبه الكلية بخمسة آلاف طالب وطالبة”.
●ثم يعود الأستاذ النعمان ليدعوا التجار والعمال اليمنيين في عدن والمهاجرين في دول الاغتراب إلى سرعة المبادرة والإسهام الفاعل من أجل استكمال صرح “بلقيس ” فيقول:
- يا أبناء اليمن .. أن في هذا المشروع اليوم أكبر امتحان لوجودكم وإيمانكم وعزمكم وإرادتكم” .. ” وأن كلية بلقيس ليست سوى النواة الروحية والبذرة الأولى لبناء الوطن كله بناء سليماٍ .. وليست مجرد بنيان يقام من الحجر والأسمنت والحديد ليقي من يدخله وهج الشمس ولفح الرياح ولذلك فلابد من أن تعد مجموعة من الشباب نفسها من أجل تحمل مهمات التعليم بعقلية متفتحة تعي جيداٍ أحوال شعبها وتدرك المهالك التي طوح فيها بالمواطنين ودفنوا فيها تاريخ أمجادهم منذ تنكبوا عن الأخذ بأسباب العلوم .. علوم بناء الحياة”.
●ويمضي النعمان:
– يا أبناء اليمن .. أن ذوي المال منكم مطالبون بأن ينفقوا مما رزقهم الله سراٍ وعلانية .. وإن خدمة الأوطان اليوم لم تعد كلاماٍ ولا ثرثرة ولا تشنجاٍ ولا ضجيجاٍ ولا أحلاماٍ ولا أماني. وإنما تخدم الأوطان بالعلم والعمل والخبرة والفهم والتضحية والبذل والجد والتعب.أبنوا المدارس يا أبناء اليمن والمعاهد الفنية .. واخرجوا رجالاٍ متعلمين لبناء الوطن .
●وختم الأستاذ النعمان كلمته البليغة بقوله :
- إن كلية بلقيس يوم تنشر أسماء الذين ساهموا وتبرعوا سيعرف الوطن كله من هم أبناؤه الحقيقيون ومن هم الغيورون على مصلحة هذا الوطن . سيعرف الذين تقاعسوا وتهاونوا بهذا الواجب أن الحساب عسير”.
أجيال المستقبل
رفعت عيني من كلمة الأستاذ النعمان مؤقتاٍ .. وتحولت إلى كلمة الأستاذ حسين الحبيشي .. وكانت الأطول وفيها استعراض كامل لأهمية المشروع ورسالته وكيفية تحقيقه .. ومما قاله:
” سيداتي سادتي. سنكون منطقيين منصفين لو توقفنا لنستعرض الكلية في حاضرها وماضيها ومستقبلها كما نريده لها ولهذا نجتمع.
أما ماضيها فشأنه شأن أية فكرة تحمل في طياتها رسالة ليست عفوية ولا هي من بنات أفكار حالم عبقري وإنما أملتها ظروف مجتمع معين نهشه الجهل وتركه فريسة تتخبط في ظلماته الحالكة.وحسبكم أن تعلموا أنه برغم من استيعاب كليتنا لمئات الطلبة إلا أننا لا نكاد نعلن عن حاجتنا لعشرة طلاب مثلاٍ إلا وعشرات الآباء يتواردون بأبنائهم وبناتهم لملئ الأماكن القليلة الشاغرة مما اضطرنا لاستيعاب عدد أكبر مما كنا نقدر على استيعابه .. فأين كان هؤلاء الطلاب والطالبات ¿ .. كانوا في سراديب الجهل والأزقة والشوارع تائهين ضائعين”.
و”استجابة لهذه الحاجة الملحة والضرورة القومية العاجلة هب نفر من إخوانكم من ذوي الخير الذين قد تعرفونهم وقد لا تعرفونهم لأنهم يودون أن يظلوا جنوداٍ مجهولين يبذلون المال والجهد ولا يزالون يبذلونهما لمواجهة التحدي واحتضان هذه الطفولة الضائعة المحتاجة للعلم وهكذا كان ميلاد بلقيس .. كلية بلقيس”.
●ثم يقول:
” إن أي مؤسسة علمية تنشد نشر العلم في اعتقادنا إن هذا لا يكفي فكل مدرسة صغيرة أو جامعة يجب أن تحمل رسالة ورسالة بلقيس هي تثقيف أبناءها وبناتها بصفة عامة وتربيتهم بصفة خاصة .. تثقيفهم علمياٍ وإفهامهم دائماٍ أن العلم ليس الوسيلة لوظيفة فحسب وإنما هو في الدرجة الأولى ضروري كالطعام والهواء ضروري لآدميتهم ووطنهم والعالم أجمع وقبل ذلك نهتم بتربية أبناءنا وبناتنا تربية صحيحة لنخلق منهم مواطنين صالحين ونعني بذلك رجالاٍ يمارسون الرجولة ليس كلقب وصفة ولكن كمسئولية.ونعني بذلك أيضاٍ أمهات هن حفيدات بلقيس .. ورمز الضياء وهن إنسانات وكل إنسان له رسالة في هذه الحياة فوق اعتبارات الجنس ووضعها الاجتماعي الراهن.وبناتنا كطفلات وفتيات اليوم وأمهات غداٍ نحاول أن نشعرهن بضخامة المسئولية الملقاة على عاتقهن ليس تجاه أنفسهن فقط وإنما تجاه النصف الآخر من المجتمع حين يقمن بدورهن كأمهات.
●وفي مقطع آخر يبسط الأستاذ الحبيشي رؤيته للمستقبل فيقول:
” لا نريد للكلية في يوم من الأيام أن تصبح قلعة نائية أو ديراٍ في الصحراء تعيش بمنأى عن المجتمع الذي وجدت فيه فالكلية وجدت لخدمة هذا المجتمع ورفع شأنه لذلك سنبذل الجهد لتوطيد علاقتنا بأولياء أمور الطلبة يوما فيوم حتى تكون هذه العلاقة صلة دائمة وثيقة متينة في المستقبل عندما تفرغ الكلية من إرساء دعائمها التربوية والعلمية ووسيلتنا لذلك الاجتماعات في المستقبل والحفلات والمعارض وغيرها من الوسائل المنظمة على أن بفهم أولياء الأمور أن كلية بلقيس لا تمثل جماعة وإنما تمثل رسالة ولا تمثل شخصيات وإنما تمثل الجميع وهي نقطة الالتقاء في سبيل العلم .. وفي سبيل المجتمع وفي سبيل الأجيال القادمة”.
وختم الأستاذ الحبيشي مخاطبا الجميع .. هكذا :
” سيداتي سادتي .. كل من يشق طريقاٍ جديداٍ تعترضه العقبات ومن ينشد الكمال يصارع مخلفات الأجيال ونحن بشر نؤمن بالتجربة ونؤمن بالصواب ولو أخطأ المرء في البداية ولسنا معصومين عن الخطأ وإن حاولنا تجنبه وهنا يأتي دوركم دور مصحح الأخطاء لا مخترعها دور المخلص الحريص على نجاح هذه التجربة العلمية الوطنية دور الذين يرتفعون عن المصالح الشخصية إلى مستوى المصلحة الكبرى لبلادهم وحاجاتها العلمية وهذه الكلية ملك للشعب بأجمعه من أراد بها شراٍ أراد ذلك لنفسه .. وشعبنا جميعاٍ ولسنا مكتفين بهذا المطلب السلبي منكم وإنما نريد التأييد والتشجيع والمساهمة بأنواعها المختلفة من أجل العلم من أجل كلية بلقيس من أجل كليتكم”.
مجد “بلقيس”
أما الأستاذ احمد المروني فقد حيا افتتاح كلية بلقيس بقصيدة عمودية جاءت تحت عنوان “تحية العلúم” قال في مطلعها:
” شيدوا العلم وارفعوا أعلامه إنما العلم قوة وزعامة
شيدوها مدارساٍ تزهق الجهل وتمحو ضلاله وظلامه “
ويمضي المروني :
” إن بلقيس قلعة من عقول تهزم الجهل ثم تمحو ظلامه
اسمها يبعث العزائم في شعــــ ــب يعاف الفنا ويبغى اقتحامه “
إلى أن يقول:
” قصر “غمدان” لم يزل ألسن الدهر تحيي نقوشه ورخامه
مجد بلقيس لم يشيده جهل أو ظلال أو سخرة أو غرامه “
وختم الأستاذ المروني :
”أنتم نسل من بنوا أخلد الآثار واستنبتوا الصفا ورغامه
في دمانا سر الحضارة يجري لو سمعنا في يقظة إلهامه
فلنسر للعلاء صفاٍ قوياٍ لا نبالي من الخصوم ملامة
مبدأ الحق لا يخاف انتقاداٍ كل نقد للحق يرفع هامه
سدد الله بالنجاح خطانا ثم زدنا هداية واستقامة “
عقول .. ولكن!
●رفعت عيني من الورق والتفت إلى الأستاذ فضل .. فقال لي:” شفت كيف كانوا يفكرون” .. قلت له :أن ما جاء في كل سطر من سطور هذه الكلمات لم تكن المسألة باعتقادي مجرد شعور أبوي عاطفي من قبل النعمان والحبيشي والمروني بل كانت كلماتهم نثراٍ وشعراٍ أعمق تعبيراٍ عن اهتمامهم ببناء الإنسان المتعلم وتربيته على الخلق والإبداع والمعرفة لكي يكون قادرا على المشاركة في تحقيق معجزة الانبعاث وإخراج اليمن من دهاليز الظلمات إلى نور الحياة والعبور على “جسر بلقيس” نحو فضاء جديد .. ثم قلت له : ألا ترى يا أستاذ أن تلك الكلمات التي قيلت منذ 52 عاما ما تزال حروفها تنبض بالحرارة وكأنها تنطق بواقع الحال ولو أن الأنظمة المتوالية على الحكم والقائمين على التربية والتعليم في اليمن أستو عبوا تلك الدعوات والأماني الذهبية لما أمسينا أو أصبحنا في واقع سيئ .. ترى أين نحن اليوم من فرسان أصالة الزمن الجميل ¿
- يجيب الأستاذ فضل : كان لدى الرواد مشروعا عظيما للتنوير يضئ اليمن كلها .. وكانت خطواتهم تسير بشكل حثيث نحو تحقيقه .. أقول أن أساتذتنا الأفاضل مثل النعمان والحبيشي والمروني وغيرهم من المؤسسين لبلقيس أدركوا مبكرا خطورة الجهل وكوارثه .. ونظروا إلى أن التخلف هو المشكلة وان التعليم هو الحل .. وكما قلت لو أن الحكومات والقائمين على التعليم والتربية نفذوا ما نسبته خمسين في المائة من التصورات الواردة في كلمات أساتذتنا .. أو أنهم تركوا لكلية بلقيس تمضي في مشروعها الكبير لما وصلنا إلى واقع بائس في كل شي ونحن لا نريده أن يكون كذلك .. وحتى لا يحدث الأسوأ في حياتنا وفي مستقبل أولادنا وأجيالنا فعلينا أن نعيد قراءة وفهم دروس التجارب الناجحة ففيها الكثير من الحلول لمختلف قضايانا.
المساهمون والأنصار
●الأستاذ النعمان في كلمته قال ما نصه:” يوم تنشر أسماء الذين ساهموا وتبرعوا لتأسيس كلية بلقيس سيعرف الوطن كله من هم أبناؤه الحقيقيون ومن هم الغيورون على مصلحته .. .”فمن هم أولئك الآباء المجهولين ¿
- سؤالك مهم جدا .. وبالمناسبة كثيرا مثل ما قلته .. وللأمانة والتاريخ ونحن نحاول توثيق الحقائق لتجربة وطنية هامة .. وبحسب معرفتي استطيع القول أن الذي كان له الفضل في مساهمته من رأس ماله في البداية .. شخصيتان من أشهر المقاولين اليمنيين .. الأول هو الحاج شمسان عون ألأديمي أما الرجل الثاني فهو الحاج سلام علي ثابت ألأديمي .. بعدهما توالت تبرعات أهل اليمن كافة شمالاٍ وجنوباٍ دون تردد وبينهم عدد كبير من أنصار بلقيس ولك أن تتخيل حتى العمال من أبناء الشمال في عدن ساهموا بدورهم في بناء الكلية كانوا في أوقات فراغهم يتطوعون بالعمل في بناء الكلية مجاناٍ.
● وحين سألته عن “أنصار بلقيس” الذين أشار لهم .. وما الذي قدموه للكلية¿
- أجاب بقوله : من ملامح تجربة “بلقيس” العريقة أنها تفردت دون غيرها من مدارس تلك المرحلة بوجود أنصار كثر لبلقيس قدموا لها إسهامات معنوية ومادية وبدون منú أو ادعاء .. منهم من تبنى رعاية عدد من طلبة الأسر الفقيرة ورعايتهم .. وآخرون قدموا أموالاٍ لاستكمال البنية الأساسية للكلية .. كما أن أولئك الأنصار لعبوا دوراٍ مؤثراٍ في المجتمع عبر تواصلهم مع أولياء الأمور وتشجيعهم على الدفع بأبنائهم وبناتهم للالتحاق للدراسة في بلقيس .. وصلة الأنصار لم تنقطع خلال العقد الأول من عمر “بلقيس” .. حتى عندما تغيرت الأحوال بعد الثورة والاستقلال وانتقالهم من عدن إلى صنعاء والعكس بسبب الصراعات السياسية حينذاك بقوا على علاقة قوية مع الكلية وكانوا من خيرات سفراء بلقيس .
أما أسماء “أنصار بلقيس” الذين مثلوا نخبة من رجالات اليمن .. من الأحرار ورجال الأعمال والمثقفين والسياسيين وشيوخ العلماء الذين تواجدوا في عدن وقتذاك .. أذكر منهم (بدون ترتيب ومع حفظ الألقاب) :أحمد محمد نعمان عبدالقادر أحمد علوان عبدالله فاضل فارع علي محمد باحميش أحمد عبده ناشر محمد بن سالم البيحاني عبدالغني مطهر عبده العريقي عبده حسن الأدهل عبدالله عبدالإله الأغبري محسن أحمد العيني عبدالمجيد السلفي محمد أحمد نعمان قائد محمد ثابت هائل سعيد أنعم عبدالرحمن عبدالرب اللواء محمد قائد سيف محمد عبدالواسع حميد عبدالقوي مكاوي علي أحمد الأحمدي حمزة محمد ناصر سلطان عبده ناجي قاسم غالب أحمد محمد عوض باوزير د.محمد سعيد العطار محمد علي المقطري محمد سعد القباطي علي محمد سعيد أنعم محمد علي عبده عبدالمجيد الاصنج طاهر أنعم غالب ياسين محمود الدبعي علي محمد عبده عبدالملك أسعد شاهر سيف أحمد الاصنج محمد علي لقمان ومجاهد عبدالله مقطري علي سعيد الحكيمي
محمد عبدالحليم الأغبري ناشر عبدالرحمن العريقي محمد سالم باسندوة محمد أحمد شعلان محمد علي الأسودي د.محمد عبده غانم هائل عبدالولي العريقي عبدالله عبدالمجيد الأصنج أحمد عبده حمزة عبدالقوي إبراهيم حاميم عبدالرحمن محمد عمر العبسي علي حسين غالب الوجيه محمد محسن النينو محمد عبده أنعم محمد مهيوب ثابت أحمد ناجي العديني محمد علي باشراحيل محمد حسين الوتاري محمد غالب الدميني محمد الحاج المحلوي محمد سالم باشنفر عبدالله محمد حاتم علي عبدالعزيز نصر عبدالله علي السنيدار عبدالصمد مطهر سعيد عبدالوهاب ثابت وأحمد يحيى الكحلاني.
●إذن دعني أسألك عن المالك الحقيقي لكلية بلقيس ¿
- المالك الحقيقي للكلية هو الشعب اليمني .
●هل يعني ذلك أن الكلية كانت بعيدة عن هيمنة سياسة بريطانيا¿
- بكل تأكيد كانت الكلية بعيدة عن هيمنة الحكومة البريطانية .. فقد اشتهرت بلقيس بان لها الحرية فيما تريده وكان أن استقلت بمواردها المالية وتصريف أمورها وشؤونها الإدارية والتنظيمية ولها سياستها التعليمية والتربوية المرتكزة على الوطنية اليمنية والقومية العربية والإسلامية والإنسانية.
هيئة مستقلة
●في الشهادات الممنوحة للطلبة يبرز اسم:”هيئة التربية والتعليم اليمنية”وتحتها ” كلية بلقيس -عدن” من المقصود بتلك الهيئة ¿
- المقصود بهيئة التربية والتعليم هي الهيئة التأسيسية للكلية .. وكانت تضم في بداية نشأتها ثمانية أعضاء من الآباء الأفاضل .. هم :الحاج شمسان عون الحاج سلام علي ثابت احمد حيدر ثابت صلاح اسعد عبيد عبدالواحد محمد احمد نعمان عبدالقادر سعيد عبدالله محمد عبدالرحمن القرشي والحاج هائل سعيد انعم وبعد انضمام مدرسة “النهضة “إلى الكلية في العام 1963م أضيف إليهم الأساتذة : إدريس أحمد حنبلة وسعيد أحمد الجناحي وعلي عبدالعزيز نصر .. وفي عام 1969م انضم إليهم نصر محمد احمد والذي أصبح أميناٍ عاماٍ لهيئة التربية والتعليم اليمنية لكلية بلقيس.
حنكة الإدارة
●وماذا عن الهيكل الإداري للكلية¿ سألته:
- الهيكل الإداري لكلية بلقيس ليس معقداٍ ولا ضخماٍ فكان عبارة عن فريق منسجم ومتناغم يتكون من العميد الأستاذ حسين علي الحبيشي ونائب العميد الأستاذ الأديب محمد انعم غالب الأمين العام للكلية الأستاذ سعيد قائد أحمد ومدير المرحلة الأستاذ محمد سعيد الشطفة ومدير المرحلة الأستاذ علي محمد حيدر وسكرتير المجلس حسن صالح شهاب والمسئول المالي والإداري فضل ردمان محمد إلى جانب عمله مدرساٍ في الفترة المسائية ومحمد سالم شهاب وعوض فضل شيبان في الحسابات ولعل من أهم عوامل وأسباب نجاح إدارة الكلية يعود بالدرجة الأولى لحنكة ودهاء وهيبة العميد الحبيشي الذي كان يتمتع بشخصية قوية وجادة وصارمة وخبرة تربوية وإدارية عالية اكتسبها من دراسته في المملكة المتحدة.
نخبة الأساتذة
●قلت:والهيئة التعليمية ¿
- من مفاخر كلية بلقيس أنها جمعت نخبة مرموقة من أكفاء الأساتذة من الرعيل الأول للرواد الحقيقيين للتعليم الذين حملوا مشاعل المعرفة لينيروا الطريق للأجيال المحرومة من العلم والمعرفة وقد تطورت هيئة التدريس بشكل كمي ونوعي خلال السنوات الثماني الأولى من عمرها .. فضمت أكثر من (70) معلما ومعلمة من خريجي أشهر الجامعات العربية والأجنبية كالقاهرة وبغداد وبيروت ولندن وأمريكا واندنوسيا وفرنسا وهم: محمد أنعم غالب محمد عبدالعزيز سلام أحمد حسين المروني عبدالله عبدالرزاق باذيب محمد عمر صبري محمد سعيد شطفة صالح نصيب سلطان أحمد عمر علي عوض بامطرف عبدالرحيم محمد الأهدل عبدالفتاح إسماعيل أبوبكر عبدالرزاق باذيب قاسم غالب أحمد محمد عبده علي عبدالجبار نعمان علي عبدالجبار عمر عبده الدهبلى سعيد أحمد سيف عبدالودود سيف العريقي محمد أحمد حيدرة محمد سعيد مسواط عبود أبوبكر باعشر علي محمد حيدر الاصبحي علي احمد حيدر المقطري أحمد عبدالله حيدرة (الباشا) عبدالجبار هائل عبدالولي عبدالله عيدروس عبدالله حسن العالم عبدالوهاب القنوع أحمد عمر بن سلمان عبدالعزيز عبدالغني صالح القرشي عبدالرحيم سلام عثمان محمود عسيري صالح باعيسى فارع عبده فارع عزعزي محمد ثابت فارع محمد احمد شهاب علي عبدالجليل سلام مارش وعوض سالم عوض “عوضين” .. وبعد ارتفاع عدد الطلبة والتوسع في المراحل الدراسية استعانت عمادة الكلية ومجلسها بمجموعة من الطلاب الكبار المتفوقين في الثانوية العامة للتدريس في المرحلة الابتدائية من هؤلاء : عبدالجبار طاهر سعيد علي إسماعيل سيف علوي عبدالله طاهر ياسين عبدالقادر قاسم سيف سلام علي أحمد الدعيس صالح احمد صالح أحمد علي مقبل محمد عبدالقادر هاشم الشعبي فضل ردمان محمد ونجيب احمد الباشا .. وللمرأة اليمنية مكانة في عضوية هيئة التدريس في كلية بلقيس أبرزهن :
زهرة حبيشي جوهرة أحمد حيدر رفيقة أحمد شرف زينب عبدالرحمن عبدالرب خولة معتوق أم السعد محمد غريب نجاة سالم منصور اعتدال عرفات جليلة سعيد مقبل أم الخير حسن علي أنيسة حسن علي فريال حسن عفاف عبدالله العصيمي.
●ولكن الكلية استعانت بالمدرسين العراقيين .. لماذا ¿
- صحيح .. كان ذلك في العام 65 عندما تم اعتماد المناهج الدراسية العراقية حيث دعمت دولة العراق الكلية بعدد من المدرسين وأذكر منهم :هاني عز الدين ومحمد يونس العبيدي وطالب حسن العمبكي وعلي جواد الحبيب ومحمد علي إبراهيم (البرين).
أربع مراحل
●وماذا عن المراحل التعليمية وتاريخ بدايتها وتطورها¿
- دشنت كلية بلقيس مسيرتها بثلاث مراحل تعليمية هي:رياض الأطفال الابتدائية والإعدادية وضمت في صفوفها نحو(1300) تلميذا وتلميذة .. وكان لكل مرحلة سنواتها وخصوصيتها ومستواها وأعمار تلاميذها إلى منهجها وأساتذتها وحتى شكل زيها الموحد.وهذا النظام التعليمي لم يأت بشكل عشوائي وإنما جاء وفقاٍ للخطة المرسومة من قبل عمادة الكلية ومجلس إدارتها.فالمرحلة الأولى وأعني بها الروضة بدأت بـــــ” 140” من البراعم ممن تراوحت أعمارهم بين الرابعة والخامسة .. أما المرحلة الابتدائية فشكلت العمود الفقري أو الجسم الأكبر في عام التأسيس وذلك لكثرة تلاميذها .. ووفقاٍ للأرقام الموثقة نجد أن هذه المرحلة في العام الدراسي (61-1962)م بدأت بــــ( 900) تلميذ من الجنسين موزعين على (25) فصلاٍ دراسياٍ من الأول وحتى السادس الابتدائي .. ومع العام الدراسي (63- 1964)م تشهد الكلية تطوراٍ كمياٍ في أعداد الطلبة إذ بلغ الرقم نحو(1677) تلميذاٍ وتلميذة .. وارتفع عددهم إلى (2300) .. ولمواجهة تلك التطورات أقرت عمادة الكلية الدراسة على فترتين صباحية وظهرية .. وتم الأخذ بنظام “الشْعِبú” على نطاق كل فصل .. فسادس شعبتان .. وخامس ثلاث شعب .. ورابع خمس شعب وهكذا.
●ما تفسيرك لكثرة طلبة المرحلة الابتدائية¿
- هناك أسباب عديدة للكثرة العددية لتلاميذ المرحلة الابتدائية حينئذ منها أن معظم التلاميذ لم يسبق لهم أن تلقوا تعليماٍ حديثاٍ وإنما حصلوا على التعليم التقليدي في المعلامة والكتاتيب .. ولهذا فقد تم تحديد منتسبي كل فصل من خلال العمر وتحديد المستوى .. وكان متوسط النسب العمرية من السابعة وحتى الثانية عشرة.
●وماذا عن المرحلة الإعدادية ¿
- طلاب المرحلة الإعدادية والمتوسطة كانوا أقل عدداٍ في العام الأول من عمر الكلية .. وهذه المرحلة بـدأت بـ(400) طالب وطالبة. ثم ارتفع الرقم إلى نحو ( 1400) عام1967م وقفز العدد عام 1970م إلى (2300) طالب وطالبة ومع حلول عام 1975ثم بدأ عدد الطلبة يقل بسبب انتقال العديد منهم إلى شمال الوطن أو إلى مدارس أخرى في عدن.
● والمرحلة الثانوية ¿
- بدأت بلقيس المرحلة الثانوية في العام الدراسي (1964-1965) بصفين يضمان (85) طالباٍ وزاد عدد الشعب الثانوية مع انتقال الطلبة من المرحلة الإعدادية وبعد فترة تم استكمال القسم التجاري مساءٍ حيث كانت الدراسة تستمر على ثلاث فترات من الثامنة صباحا وحتى التاسعة ليلاٍ من كل يوم .. وفي عام 1966م أرسلت “بلقيس” أول دفعة من طلاب الثانوية إلى القاهرة للدراسة الجامعية.
ثلاثة فصول
●وماذا عن التقويم المدرسي ¿
- أجاب: بالنسبة لتقويم المدرسي في بلقيس كان يمتد بين 240 و 260 يوم دراسي على مدار السنة تتوزع على ثلاث فصول .. الفصل الأول يبدأ يوم الاثنين من الأسبوع الثاني من يناير وينتهي في الأسبوع الأول من ابريل بأداء الطلبة لامتحانات الفصل يعقبها إجازة قصيرة مدتها 10 أيام .. لتستأنف الدراسة في الفصل الثاني من منتصف أبريل وحتى نهاية يونيو .. وأما الفصل الثالث (صيفي) فمدته شهران حيث ينتهي مطلع سبتمبر بالاختبارات النهائية التي تحدد انتقال الطالب الناجح إلى الفصل التالي أو المرحلة التالية .. ثم يذهب الطلبة لقضاء الإجازة الصيفية وتستمر شهران ونصف ثم يبدأ عام دراسي جديد .. وهذا التقليد درجت عليه بلقيس منذ ميلادها.
مناهج متقدمة
●ما هي المقررات والمناهج الدراسية في الكلية ¿
- ما يتعلق بالمناهج والمقررات .. اختارت عمادة الكلية مجموعة من خيرة الأساتذة اليمنيين ممن لهم باع طويل في مجال التعليم لوضع منهج دراسي متقدم هدفه خلق جيل متعلم يعرف كيف يفكر .. وماذا يريد أن يكون في المستقبل .. ولهذا تم اختيار بعض المواد العلمية من المنهج المصري .. وبالنسبة لمنهج التاريخ والتربية كان يمنياٍ .. وفي المرحلة الأخيرة تم التحول إلى المنهج العراقي مع التوسع بالمواد المتعلقة بالتربية الوطنية والتاريخ .. ولا أبالغ في القول أن طلبة بلقيس تلقوا تعليماٍ متقدماٍ وقوياٍ .. وقد علمت في ما بعد بان العديد من المدارس في شمال الوطن فيذلك الحين اعتمدت مناهج كلية بلقيس منها مدرسة الحرية في الأعبوس بتعز وغيرها .. وكما قلت أن لكل مرحلة منهجها الدراسي فيدرس تلاميذ الابتدائية من الجنسين من الأول وحتى سادس مواد رئيسية من اللغتين العربية والانجليزية والتربية الدينية والحساب والتربية الوطنية والتاريخ والجغرافية والعلوم العامة ومواد تتصل بالتربية الفنية والأعمال اليدوية والموسيقى والتربية البدنية.أما بالنسبة للمرحلتين الإعدادية والثانوية فإضافة إلى المواد السابقة مع تغير محتوى كل مادة يدرس الطلاب مواد علمية جديدة مثل: الجبر الهندسة المستوية الهندسة التحليلية المثلثات علم الاجتماع الاقتصاد العلوم العامة الميكانيكا الفيزياء الكيمياء وعلم الأحياء وكان أسلوب التعليم في بلقيس لا يتركز على شرح الأستاذ ونصف فهم للكتب المدرسية .. وإنما على التطبيق العلمي في مختبرات الكلية وإجراء التجارب العلمية كواجبات منزلية.
مظلة لليمنيين
●في كتابه (محطات حياتي)أوضح الأستاذ حسين على الحبيشي عميد بلقيس أن:”الغرض الأساسي من إنشاء الكلية كان لأبناء الشماليين المحرومين من دخول المدارس الحكومية ثم اكتشفنا أن معظم أبناء المحميات والسلطنات هم أيضاٍ من المحرومين من التعليم في المدارس الحكومية فتم قبولهم .. .وانه تردد على الكلية عشرة ألاف طالب وطالبة خلال السبع السنوات الأولى من عمر بلقيس الكلية”ماذا تعرف من تفاصيل هذا القرار¿وكيف عملت عمادة الكلية على استيعاب العدد المتزايد ¿
- الهدف الأول لإنشاء كلية بلقيس هو إيواء أبناء اليمن من شمال الوطن وبعض محميات عدن الذين ترفض تعليمهم المدارس الحكومية بحجة أنهم لم يولدوا في عدن ولا يحملون شهادة ميلاد .. وفي الواقع فتحت الكلية أبوابها للجميع دون استثناء وفي العام الأول من افتتاح الكلية كان عدد الطلاب والطالبات 1300 كما أشرت سابقا ثم وصل العدد إلى نحو 3700 طالب وطالبة انتظموا في كافة المراحل الدراسية حتى العام الدراسي (1974-1975)م وبالفعل كما قال الأستاذ الحبيشي تردد على الكلية عشرة آلاف طالب وطالبة خلال السنوات الثماني الأولى من عمرها فقد كان كثيرون يبدءون تعليمهم في بلقيس ثم يغادرونها بعد أعوام إلى شمال الوطن بسبب ظروف آبائهم .. وكان طلاب “بلقيس” من مختلف الأعمار بنين وبنات الذين قْدر لهم أن يلتقوا تحت مظلة “بلقيس” من أنحاء اليمن .. لا شي يشغل فكرهم عدا التحصيل العلمي والتفوق والنجاح .. حولوا صفوف الكلية وساحتها ومدرجاتها إلى خلية نحل وحركة لا تنقطع ليل نهار .. وتميزت روح طلبة وطالبات بلقيس بالنقاء والمحبة والتنافس الشريف على احتلال المراكز المتقدمة بجدارة وتفوق .. لا مجال للغش.أو الاعتماد على الغير كما يحدث هذه الأيام في مدارسنا للأسف.