القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر يستأنفان الضربات الموجعة للعدو تنفيذاً لتحذيرات السيد القائد
«توازن الردع 3» تضرب عمق مملكة العدوان في ينبع
العملية رد طبيعي ومشروع على استمرار العدوان والحصار وجرائمه بحق المدنيين
دول العدوان تثبت أنها غير قادرة على التعافي من تقديراتها الخاطئة لمبادراتنا
الثورة / إبراهيم يحيى
لم تكد السعودية تستوعب الآثار الاقتصادية والسياسية العميقة لعمليتي «توازن الردع» الأولى والثانية، حتى كانت فجر الجمعة على موعد مع نسخة ثالثة مزيدة ومسددة، نفذتها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسَّير، على منشآت شركة أرمكو النفطية وأهداف حساسة أخرى في مدينة «ينبع» الصناعية الساحلية، لتعيش الأخيرة ليلة صاخبة بدوي الانفجارات، ومشتعلة بنيران الحرائق وأعمدة الدخان، واستدعت تهديد سلطات الأمن بالسجن والغرامة لمن يصور أو ينشر صورا.
وأعلنت القوات المسلحة – في بيان بثته مساء أمس الجمعة – تنفيذ العملية، مؤكدة أنها «أصابت أهدافها بدقة عالية»، وأنها تأتي في إطار «حق الرد الطبيعي والمشروع على جرائم العدوان والتي كان آخرها جريمة قتل وجرح 58 مدنيا في مديرية المصلوب بمحافظة الجوف»، متوعدة النظام السعودي بالمزيد من «الضربات الموجعة والمؤلمة إذا استمر في عدوانه وحصاره».
متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع أعلن لدى إلقائه البيان أن «عملية توازن الردع الثالثة نفذت بـ 12 طائرة مسيَّرة من نوع ‹صماد3› وصاروخين من نوع ‹قدس» المجنح، وصاروخ «ذوالفقار» الباليستي بعيد المدى». موضحا أن العملية «استهدفت شركة أرامكو وأهدافا حساسة أخرى في ينبع» لم يكشف عنها، لكنه أكد أنها «أصابت أهدافها بدقة عالية بفضل الله».
ليلة نارية
وضجت مدينة ينبع الصناعية على ساحل البحر الأحمر (1500 كم من صنعاء) بعد منتصف ليل الجمعة بدوي الانفجارات المتوالية في منشآت شركة أرامكو النفطية واشتعال الحرائق وتصاعد أعمدة الدخان، حسبما ظل مواطنون سعوديون يتبادلونه بينهم بفزع على مواقع التواصل الاجتماعي وبصورة أكبر موقع التدوين الدولي «تويتر»، في ظل حظر السلطات السعودية التصوير والنشر.
وجددت سلطات الأمن السعودية تحذيرها المواطنين والمقيمين في المملكة من التقاط أي صور أو مقاطع فيديو لأي حادث أو انفجارات أو حرائق ما لم تعلن عنها وزارة الداخلية، مهددة بعقوبات أصدرت بها قانونا يُجِّرم تداول مثل هذه الصور في تطبيقات الاتصال ووسائط التواصل الاجتماعي، ويعاقب المخالفين بالسجن ما بين 5 إلى 10 سنوات وغرامات مالية كبيرة.
تحفظ سعودي
النظام السعودي جنح هذه المرة إلى التكتم على الهجوم تلافيا لتداعيات إعلانه على الاقتصاد السعودي المتعثر منذ عملية «توازن الردع 2»، وعمد عبر ناطق تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي العقيد تركي المالكي إلى زعم «اعتراض الدفاعات الجوية السعودية صواريخ باليستية في سماء مدينة ينبع». لكنه في الوقت نفسه أقر بإصابة الصواريخ أهدافها حين تابع «نحمِّل الحوثيين المسؤولية».
ونقلت وكالة الأنباء السعودية «واس»، عن المالكي قوله: “عند الساعة (12:30) من يوم الجمعة، اعترضت قوّات الدفاع الجوي السعودي صواريخ باليستية أطلقها الحوثيون”، مُردفا بنبرة تعكس العجز عن التصدي للصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية: «قيادة التحالف مارست أقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع انتهاكات الحوثيين باستخدامها الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار والقوارب المفخخة والمُسيّرة».
إصابات محققة
لكن حالة الفزع التي عمت حسابات وصفحات ومدونات الناشطين في السعودية وما بدأ يتسرب فيها من صور ومقاطع فيديو تدحض مزاعم ناطق تحالف العدوان، وتؤكد فشل منظومات الدفاع الجوي «باتريوت» المطورة (باك 3) وتلك الإضافية التي زودت بها واشنطن السعودية والكيان الإسرائيلي خلف واجهة اليونان، في التصدي للصواريخ المصنعة يمنيا والطائرات المسيَّرة لسلاح الجو اليمني، وتفوق تقنياتها.
كذلك تحفظت شركة أرامكو النفطية عن التعليق وتأكيد وكالة الأنباء البريطانية «رويترز» أنها طلبت تعليقا من الشركة لكنها «امتنعت عن التعقيب». فلم تؤكد تعرضها للهجوم كما فعلت عقب عملية «توازن الردع 2»، ما يؤكد أن عملية «توازن الردع 3» قد أصابت أهدافها بدقة، وإلا لكانت الشركة جارت نفي ناطق التحالف ونفت بدورها تعرض منشآتها في مدينة ينبع لأي هجوم أو أضرار من أي نوع.
دلالة التوقيت
لعملية «توازن الردع 3» أهمية بالغة بنظر مراقبين سياسيين وعسكريين، فعلى الصعيد العسكري تأتي بعد العملية العسكرية الكبرى لقوات الجيش واللجان الشعبية «البنيان المرصوص»، وتكبيد تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي خسائر وهزائم كبرى، بدحر قواته ومرتزقته من مديرية نهم بالكامل وتحرير2500 كم مربع من محافظتي مارب والجوف، وإسقاط 22 لواء عسكريا بكامل عتاده.
كذلك على الصعيد السياسي، تزامنت العملية مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للسعودية وتفقده قاعدة الأمير سلطان الجوية ومنظومة «باتريوت» الأمريكية المنشورة هناك، وإعلانه أن نشرها وتعزيزها مؤخرا ببطاريات ورادارات إضافية “يبرز العلاقة الأمنية الأميركية السعودية الطويلة الأمد.
كما يستبق توقيت العملية، استضافة السعودية قمة للدول الصناعية العشرين، في محاولة لتجاوز الآثار الاقتصادية لقيادتها العدوان على اليمن، وما تكبدته من خسائر جراء عمليتي «توازن الردع» الأولى التي استهدفت حقول الشيبة النفطية على الحدود السعودية الإماراتية في 17 أغسطس 2017م، والثانية التي استهدفت منشآت أرامكو في «بقيق» و«خريص» في الرابع عشر من سبتمبر 2019م، وأوقفت نصف إنتاج السعودية النفطي.
ترجمة للتحذيرات
تترجم عملية « توازن الردع3» تحذيرات متوالية أطلقها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي لدول تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي، أكد فيها أنه «لن نسمح بأن يموت الشعب اليمني جوعاً». معلنا في كلمة ألقاها في 14 سبتمبر 2017م بعد أول استهداف نفذته القوة الصاروخية على مصافي مدينة ينبع السعودية (17 أغسطس2017م) أن «المنشآت النفطية السعودية من اليوم باتت في مرمى صواريخنا».
وقال: إن «الصاروخ الذي وصل ينبع في السعودية لم تعترضه صواريخ الباتريوت، وهناك تفوق على ما مع العدو من إمكانات». مضيفا: «القوة الصاروخية تمكنت من إنجاز مرحلة ما بعد الرياض، ولا زالت المسارات وخطوط الإنتاج تتنامى»، ولفت إلى تطوير سلاح الجو المسيّر، قائلا: «لدينا طائرات بدون طيار حلَّقت مئات الكيلومترات داخل المملكة، وقريبا إن شاء الله تبدأ عملها في القصف».
كما أطلق السيد يومها تحذيرا صريحا للإمارات، وقال: إن «الإمارات باتت في مرمى صواريخنا، وعلى كل الشركات في الإمارات ألا تنظر للإمارات كبلد آمن بعد اليوم». كاشفا عن أن «القوة الصاروخية قامت بتجربة صاروخية ناجحة إلى أبوظبي» في إشارة إلى استهداف مفاعل بركة، ومحذرا: «نعمل على تطوير قدراتنا الصاروخية للوصول إلى أي هدف في السعودية والإمارات».
وقد جدد السيد القائد تحذيراته عبر بيان أصدره في 22 سبتمبر 2019م، قال فيه: « نوجِّه النصح لتحالف العدوان بالتوقف عن عدوانهم والاعتبار بما قد وصلوا إليه من الفشل الذريع ولدرجةٍ بات من الواضحِ معها لكل العالم استحالةُ تحقيق الأهداف العدوانية وغير المشروعة بكسر إرادة شعبنا والسيطرةِ عليه من جديد». مضيفا: «من مصلحة تحالف العدوان الاستفادة من المبادرة التي قدَّمها رئيس المجلس السياسي الأعلى».
موضحا هذه المصلحة بقوله: «بوقف عدوانهم وقصفهم وحصارهم سيوقف الجيشُ واللجانُ الشعبية الضرباتِ التي يوجهونها إلى العمق بالطائرات المسيَّرة والصاروخية، أما مع استمرار القصف والحصار والعدوان فإن الضربات الأكثرَ إيلامًا والأشدَّ فتكًا والأكبر تأثيراً ستصلُ إلى عمق مناطقهم وإلى أهم منشآتهم الاقتصادية والنفطية والحيوية، ولا خطوط حمراء في هذا السياق، مع تأكيدنا على المواطنين في تلك المناطق بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن تلك المنشآت».
سحب المبادرة
وتأتي العملية العسكرية النوعية «توازن الردع 3» بعد مضي نحو خمسة أشهر على نسختها الثانية وعلى طرح المجلس السياسي الأعلى وإعلان رئيسه المشير الركن مهدي المشاط مبادرة للسلام تقضي بوقف متبادل للهجمات والدخول في مفاوضات سياسية، لكن الرياض قابلت المبادرة بمناورات سياسية وتصعيد عسكري في مختلف الجبهات في الداخل وعلى الحدود، وتكثيف غارات طيران تحالف العدوان.
ويأتي تنفيذ عملية «توازن الردع 3» استجابة لمطالبات مختلف الفعاليات السياسية والشعبية والمدنية للقيادة السياسية بسحب مبادرة السلام واستئناف عمليات الردع الموجع لدول تحالف العدوان، في أعقاب تصعيدها باستهداف المدنيين الأبرياء وارتكاب المجازر بحقهم، وتضييق الخناق على اليمنيين باستمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي، وتشديد الحصار المفروض على ميناء الحديدة واحتجاز سفن الغذاء والدواء والوقود.
ترحيب واسع
لاقت العملية ، ترحيبا واسعا بين أوساط اليمنيين من الجوف وحتى المهرة، بوصفها تكسر غطرسة النظام السعودي وتحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن وعجرفته في ممارسة الغزو واحتلال الأراضي اليمنية ووصف مقاوميه بأنهم «متمردون يجب سحقهم» في صفاقة تجارية جرَّأت أنظمة دول العدوان على التطبيع مع العدو الإسرائيلي وتمرير ما سمي «صفقة القرن».
وأكد رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام – في أول تعليق له- أن عملية استهداف عمق مملكة العدوان بقصف شركة أرامكو في ينبع تأتي في إطار الرد الطبيعي والمشروع على استمرار العدوان والحصار، واستمرار ارتكاب الجرائم وآخرها جريمة المصلوب في محافظة الجوف»، مشددا على أن «شعبنا اليمني لن يتخلى عن حق الرد ولن يسمح للعدو بأن يستبيح الدم دون تدفيعه الثمن».
كذلك أكد عضو الوفد الوطني المفاوض عبد الملك العجري في تغريدات له على «تويتر» مساء الجمعة، أن «دول العدوان كما أخطأت في قراءتها نتائج عدوانها تخطئ مرة أخرى في النظر لمبادراتنا الإيجابية وتعتبرها مجرد فرصة للدخول في تلهية تكتيكية للاستمرار في العدوان»، مضيفا: «دول العدوان تثبت يوما بعد آخر أنها غير قادرة على التعافي من تقديراتها الخاطئة».
تقديرات خاطئة
وفي حين اعتبر العجري أن «دول العدوان تخطئ في إفراغ مبادرتنا من مضمونها لتخدير المجتمع الدولي وترتيب أوضاعها الداخلية واستكمال الحصار»؛ بارك ناطق حكومة الإنقاذ الوطني وزير الإعلام ضيف الله الشامي للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي ورئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط تنفيذ القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر عملية توازن الردع الثالثة.
الشامي وصف العملية بأنها «عملية نوعية جاءت نتيجة استمرار العدوان في استهداف الأطفال والنساء والمواطنين في مختلف المحافظات»، وأضاف في تصريح له مساء الجمعة قائلا إن «الشعب اليمني لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يرتكبه تحالف العدوان من جرائم»، مؤكدا أن «المواقع الاستراتيجية والحيوية في المملكة لن تكون بمنأى عن الاستهداف إذا لم يجنح النظام السعودي للسلام والتوقف عن عدوانه وحصاره».
ومن الأحزاب اليمنية المناهضة للعدوان أعلن حزب الحق مباركته للشعب وللقيادة عملية توازن الردع الثالثة ودعوته إلى رفد الجبهات، وقال في بيان مساء الجمعة: «نشد على أيدي قواتنا المسلحة وقوتنا الصاروخية والجوية الاستمرار في هذه الخطوات الضرورية لردع قوى الاستكبار العالمي وأدواته العميلة»، مشيرا إلى أن “هذا يأتي في إطار الرد ال طبيعي والمشروع على جرائم العدوان».
نوايا انتقامية
حزب الحق لفت إلى ما اعتبره تصريحا بنوايا انتقامية من تحالف العدوان بحق المدنيين اليمنيين، حين قال: إن «ما صرح به المدعو المالكي هو تهديد أجوف يراد منه تبرير الجرائم التي سبقت والتي ستتلو، وهو بذلك قد كشف أن قيادة تحالف العدوان قد قررت استهداف المناطق السكنية في العاصمة صنعاء وغيرها»، محملا «تحالف العدوان والمجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة ومبعوثها مسؤولية الجرائم التي قد يرتكبها تحالفهم».
وشرع تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي في تنفيذ نواياه، عبر تكثيف غارات طيرانه على الأحياء السكنية والمرافق المدنية، وشن يوم الجمعة 22 غارة، استهدفت 7 غارات منها مديريتي حرض وحيران في محافظة حجة، و9 غارات على مديرية الغيل، و5 غارات على مديرية نهم، وغارتان على مفرق الجوف في مديرية مجزر، في محاولة لإنقاذ قواته ومرتزقته في المواجهات الدائرة مع قوات الجيش واللجان الشعبية.