استلهام دروس الهجرة النبوية المخرج الوحيد للوطن والأمة من الواقع المتأزم


استطلاع / أسماء حيدر البزاز –
بناء المجتمع المنآخي العادل وإرساء مبدأ التعايش مع الآخر .. أهداف جسدتها الهجرة النبوية
يحتفل العالم الإسلامي بيوم ذكرى الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم , في ظل واقع ومرير تعيش فيه بلادنا والأمة العربية والإسلامية ظروفا زمنية مؤلمة وأحداثا دموية مزلزلة وصراعات حزبية سياسية طائفية تربعت على المشهد العام ولم يكن لليمن منفذ منها إلا بسفينة الحوار علماء ودعاة يطرحون دروس وعبر الهجرة النبوية كمخرج لواقع الأمة ..

بادئ ذي بدء يحدثنا الشيخ مروان السالمي مقتطفات من الهجرة النبوية قائلا: بعد أن اشتد أذى المشركين برسول الله صلوات الله عليه وآله قرر الهجرة واجتمعت رؤوس الشرك محاولة قتله هاجر إلى المدينة نصرة لدين الحق تاركا عليا كرم الله وجهه لينام بدلا منه في فراشه لتمويه قريش الذين أغشيت أبصارهم من رؤية خروج رسول الله من منزله, بعد أن مضى الرسول الكريم في هجرته وأبو بكر معه للنصرة والثبات فذهبا لغار في جبل ثور لمدة 3 ليال وسمع المسلمون بالمدينة المنورة بخروج الرسول من مكة فكانوا ينتظرونه مهللين ومكبرين فما إن وصل صلوات الله عليه وسلامه كان أول عمل قام به بعد بناء مسجد قباء والمسجد النبوي أعظم عمل وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار الذين ضربوا أروع أمثلة الإيثار والعطاء فقدم المهاجرون المدينة وكان الأنصار أهل الأرض فقاسمهم الأنصار على أن يعطونهم ثمار أموالهم كل عام ويكفونهم العمل والمؤنة.
الاعتصام بحبل الله
ومضى يقول: لتذكرنا الهجرة بواقعنا المؤلم اليوم الذي ابتعدنا فيه عن قيم المؤاخاة العظيمة التي أرساها ووصى بها سيد الخلق حتى صرنا كل طائفة تتربص بأختها من أجل مصالح لا صلة بالدين ولا بالشرع ولا العرف بها وتساءل السالمي بقوله: أين نحن من قوله تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم” وقوله: “إن أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”, وأضاف: فما يحدث اليوم إنما هو ضياع لتلك المكاسب الإسلامية التي خلفها لنا التاريخ وخطتها تلك التضحيات العظيمة التي أفنى رسولنا الكريم حياته لإنجازها فالهجرة النبوية لم تكن بالأمر السهل بل عرض نبينا الأكرم حياته للموت مرارا من أجل الحفاظ على هذا الكيان الإسلامي الذي ما رعينا حقه “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين”.
وأضاف السالمي: لتأتي بعد مؤاخاة المهاجرين والأنصار الأحاديث النبوية الشريفة المؤزرة لروابط الأخوة والوحدة الإسلامية التي يحاول أعداء اليوم طمسها وإثارة الفتن والقلاقل وسبل الصراع والنزاع باسم الحزبيات والمناطقية والطائفية والمذهبية بقوله صلوات الله عليه وآله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
ما ظنكم باليمن
من جهته يقول العلامة إبراهيم العلفي: إن للهجرة النبوية دروساٍ وعبراٍ حملت أزكى القيم الإسلامية الدالة على التوكل والصبر والإخاء والعزة والنصر وتحمل الشدائد من أجل رفع راية الحق ومن أجل تأسيس دولة المجتمع الإسلامي وأروع أمثلة الفداء ونصرة المسلمين لنبينا الأكرم المعزز نصره من عند الله: “إلا تِنúصْرْوهْ فِقِدú نِصِرِهْ اللِهْ إذú أِخúرِجِهْ الِذينِ كِفِرْوا ثِانيِ اثúنِيúن إذú هْمِا في الúغِار إذú يِقْولْ لصِاحبه لا تِحúزِنú إنِ اللِهِ مِعِنِا فِأِنúزِلِ اللِهْ سِكينِتِهْ عِلِيúه وِأِيِدِهْ بجْنْودُ لِمú تِرِوúهِا وِجِعِلِ كِلمِةِ الِذينِ كِفِرْوا السْفúلِى وِكِلمِةْ اللِه هيِ الúعْلúيِا وِاللِهْ عِزيزَ حِكيمَ”.
مبينا: إن الهجرة حققت أروع قيم الثقة بالله رغم المعطيات الدنيوية الملموسة المهلكة فمن معجزاته -صلى الله عليه وسلم- عصمتْه من أعدائه وهم الجمْ الغفير والعددْ الكثير وهم على أتم حِنِقُ عليه وأشدْ طلبُ لنفيه وهو بينهم مسترسل قاهر ولهم مخالطَ ومكاثر ترمْقْه أبصارْهم شزراٍ وترتد عنه أيديهم ذعراٍ وقد هاجر عنه أصحابه حذراٍ حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة ثم خرج عنهم سليماٍ لم يكúلِم في نفسُ ولا جسد وما كان ذاك إلا بعصمةُ إلهيةُ وعدِه الله تعالى بها فحققها حيث يقول: “وِاللِهْ يِعúصمْكِ منِ النِاس ” فعِصِمِه منهم.
واستطرد حديثه قائلا: إلا أن الثقة الربانية كانت هي الأقوى وصمام أمان للخروج من المحن الحالكة, وتجلت هذه الصورة في حديث أبي بكر -رضي الله عنه- حين قال: “نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه¿ فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما” وهي بالمقابل رسالة للمتحاورين اليوم للأحزاب والتنظيمات السياسية للتكتلات والطوائف والمذاهب للشخصيات والحكومات ما ظنكم باليمن والله وليها, يا من تتراهنون على تشطير اليمن وانفصالها وانهيار بنيتها التحتية باسم مصطلحات مصلحية وتوجهات تعصبية لو علمتم التضحية والمخاطرة والدروس والعبر التي تخطاها نبينا الأكرم في هجرته من أجل تشييد دولة الإسلام والحفاظ على كيانها المجتمعي ووحدتها الإسلامية لما تنازعتم بينكم وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله, قال الله تعالى: ” لِقِدú كِانِ لِكْمú في رِسْول اللِه أْسúوِةَ حِسِنِةَ لمِنú كِانِ يِرúجْو اللِهِ وِالúيِوúمِ الúآخرِ وِذِكِرِ اللِهِ كِثيراٍ”.
متجددة الأزمان
ويرى الشيخ محمد عقلان أن للهجرة آثارا جليلة ليس فقط في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن آثارها متجددة وممتدة لكل زمان ومكان في الدعوة إلى سبيل الله ورفع راية الحق وتنظيم بنيان المجتمع المسلم على أسس إيمانية واحدة, فالهجرة لم تكن هجرة جافة من مكان إلى آخر أو من بلدة إلى أخرى بل إنها حركة التغيير المنشود نحو الأفضل نقل المجتمع من التفرق والشتات إلى لم الشمل والتوحد من العشوائية إلى التنظيم إلى مرحلة الدولة الإسلامية, لا كما يحدث الآن من محاولة ابتزاز التغيير ليغدو إلى براثن التدهور والتصدع والتمزق المجتمعي كما تسعى إليه بعض القوى اليوم.
مضيفا: وفي أولئك الذين يهاجرون انتصارا لدينهم وإعلاء لإسلامهم يقول صلى الله عليه وسلم: “من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراٍ منها وجبت له الجنة وكان رفيقاٍ لأبيه إبراهيم”.
الحوار العادل
من جهته يرى العلامة مصطفى الريمي إن للهجرة النبوية دروس عظيمة في التسامح المجتمعي والسلم مع الآخرين حتى إن لم يكونوا معتنقي الاسلام لقوله تعالى: “لا يِنúهِاكْمú اللِهْ عِنú الِذينِ لِمú يْقِاتلْوكْمú في الدين وِلِمú يْخúرجْوكْمú منú ديِاركْمú أِنú تِبِرْوهْمú وِتْقúسطْوا إلِيúهمú إنِ اللِهِ يْحبْ الúمْقúسطينِ إنِمِا يِنúهِاكْمú اللِهْ عِنú الِذينِ قِاتِلْوكْمú في الدين وِأِخúرِجْوكْمú منú ديِاركْمú وِظِاهِرْوا عِلِى إخúرِاجكْمú أِنú تِوِلِوúهْمú وِمِنú يِتِوِلِهْمú فِأْوúلِئكِ هْمú الظِالمْونِ” لا كما يحدث الآن من اختطافات للأجانب تحت محاربتهم باسم الدين بالرغم من سلمهم أمر يتنافى مع الدعوة الهجرية الوسطية المعتدلة التي كانت عنوان هجرة نبينا الأكرم.
وأضاف: وفيما أنتجته الهجرة النبوية في سبيل الله من الدعوة الحسنة بالكلمة الطيبة وتفهم الآخر والانطلاق بالحوار العادل مع مختلف الأديان بدون إهانة ولا إساءة ولا تجريح كما هو حادث الآن وللأسف كل حزب وطائفة وجماعة تدعي أنها الحق وما دونها الباطل حتى نصبت نفسها المفتي لتمحيص إيمان الناس وتكفيرهم وإقرار جزائهم جنة أو نار أو الدعوة لإقصاء ما دونها وما يخالفها من التوجه والمذهب وغيره من اعتبارات وحسابات ما أنزل الله بها من سلطان مع أن النبي صلوات ربي وسلامه عليه وآله بعد أن هاجر هجرته إلى مكة ودعا الناس إلى الإيمان بالله بدعوته الحسنة وقوله اللين وتفهمه للأرضيات الدينية المختلفة تمكن من بناء مجتمع يكفل فيه المواطن والفرد حقوقه وشعائره الدينية وتحقق مبدأ التعايش والقبول بالآخر مهما كانت انتماءاته المختلفة من يهود ونصارى ومسيح بوحدة إنسانية مجتمعية إسلامية وبذلك يقول سبحانه وتعالى: “ادúعْ إلِى سِبيل رِبكِ بالúحكúمِة وِالúمِوúعظِة الúحِسِنِة وِجِادلúهْمú بالِتي هيِ أِحúسِنْ” قال تعالى: “وِاذúكْرْوا نعúمِةِ اللِه عِلِيúكْمú إذú كْنúتْمú أِعúدِاءٍ فِأِلِفِ بِيúنِ قْلْوبكْمú فِأِصúبِحúتْمú بنعúمِته إخúوِانٍا”.
ليختم الريمي حديثه قائلا: لقد كانت الهجرة الدرس القديم الجديد لأبناء الإسلام اليوم بأن يسعوا إلى لم الشمل ووحدة الصف وإعلاء أنفسهم عن ترهات الأمور وسبل التنازع وفك الارتباط الوحدوي وليقدموا مصلحة الدين والوطن فوق كل مصلحة وتوجه وانتماء وأي دعوة تنافي ذلك فهي دمار وشر مستطير مهما لمعت أسماؤها وتعددت مسمياتها فالحق بين والباطل بين, وما أحوجنا اليوم إلى قوله تعالى: “خْذ الúعِفúوِ وِأúمْرú بالúعْرúف وِأِعúرضú عِن الúجِاهلينِ”
ليست مناسبة تاريخية !!
بينما ذهبت إيمان النجدي -جامعة القرآن الكريم وعلومه- إلى منهل التسامح الذي ضخته الهجرة النبوية عبر تعامل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع أعدائه الذين خططوا لقتله وآذوه في نفسه وآله وأصحابه وحاصروه وعذبوه, فما كان منه إلا إن قال حين أظهره الله عليهم: ما تظنون أني فاعل بكم¿ قالوا خيراٍ أخ كريم وابن أخ كريم, فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء, فاسترد أهل مكة أنفاسهم وبدأت البيوت تفتح على مصاريعها لتبايع رسول الله عليه وسلم بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه.
موضحة: إن لذلك قيمة إيمانية وأخلاقية وحضارية كبيرة أن يكون العفو عند المقدرة, فلا داعي لتنبش جراحات الماضي ودوافع الانتقام والتصفيات التعصبية الممقوتة بل يجب تقديم المصلحة العليا بتقديم الدين ومصلحة المسلمين كما بلورت الهجرة النبوية تلك المفاهيم والتي لا بد من إحيائها في يومنا هذا خاصة وأن اليمن تمر بأحلك الظروف وأصعبها وأهمها في تحديد المصير المرتقب من المخرجات الحوارية.
وتابعت القول: وفي هذه المناسبة العظيمة من الأحرى والأوجب أن نحيي يوم الهجرة النبوية المباركة بهجر مسالك الاقتتال والصراعات والنزاعات المسلحة بهجر الدعوات الطائفية المنتنة بهجر الخلافات وطي صفحات الماضي بهجر دعوات الانفصال والتمزق والشتات بهجر التلفيقات الإعلامية الظلامية والضلالية بهجر الكتابات المؤججة لتعطيل مجرى الحوار الوطني بهجر المناطقية والتعصبية بأنواعها بهجر الذنوب والمعاصي إلى التوبة الصادقة والدعوات الصادقة لبناء اليمن والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره, ولنتذكر قوله تعالى : “قْلú إنú كِانِ آبِاؤْكْمú وِأِبúنِاؤْكْمú وِإخúوِانْكْمú وِأِزúوِاجْكْمú وِعِشيرِتْكْمú وِأِمúوِالَ اقúتِرِفúتْمْوهِا وِتجِارِةَ تِخúشِوúنِ كِسِادِهِا وِمِسِاكنْ تِرúضِوúنِهِا أِحِبِ إلِيúكْمú منِ اللِه وِرِسْوله وِجهِادُ في سِبيله فِتِرِبِصْوا حِتِى يِأúتيِ اللِهْ بأِمúره وِاللِهْ لِا يِهúدي الúقِوúمِ الúفِاسقينِ “.
وختمت الحديث معنا بالنصح قائلة: فلنشمر سواعد الهجرة بالدعوة إلى إحياء سنن رسول الله والهدي بهداه فمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا”, فالهجرة ليست مناسبة تاريخية نحتفل بذكراها حسب بل هي مبدأ ونظام حياة وتربية إيمانية وطنية أخلاقية.

قد يعجبك ايضا