مملكة سلمان.. بيئة حاضنة للصفقة المشؤومة
لطيفة الحسيني
قد يكون كلامُ الكاتب في صحيفة “الجزيرة” عبد الله الطاير أصدق تعبيراً عن مدى التأييد السعودي لصفقة القرن المشؤومة. يقول الطاير في تغريدة له إن “صفقة القرن تكشف تراجع شعبية القضية الفلسطينية في الشارع السعودي”.
الموقفُ هذا ليس يتيمًا في المملكة. على الرغم من أن السعودية حرصت على عدم حضور المؤتمر الصحافي المشترك للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الثلاثاء الماضي (28/1/2020) خوفًا على ما بقي من مكانتها الاسلامية بما أنها بلاد الحرمين الشريفين، إلّا أن الإدارة الأمريكية نسّقت معها تفاصيل الخطة منذ بدأت التحضير لها.
الشراكة السعودية مع الأمريكيين ومشروع “السلام”
الوثيقة السرية التي سُرّبت عام 2017م لمداولة وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير ووليّ عهد المملكة محمد بن سلمان تتضمّن بعض تفاصيل مشروع إقامة علاقات بين السعودية و”إسرائيل”، استنادًا إلى ما أسماه اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وكلّ ذلك لا ينفصل عن خطّة تصفية القضية الفلسطينية.
يقول الجبير في تلك الوثيقة لابن سلمان “لا يمكن لأيّ حلّ للقضية الفلسطينية أن يكتسب الشرعية ما لم تدعمه المملكة العربية السعودية”، ويتحدّث عن نقاط من شأنها تكريس مشروع السلام مع الصهاينة من منظور الرياض كإخضاع مدينة القدس للسيادة الدولية، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين حيثُ هم، وإلغاء توصية جامعة الدول العربية الداعية الى عدم تجنيس الفلسطينيين بجنسية أيّ بلد عربي.
ترامب يستهزئ بموقف الملك السعودي من صفقة القرن
في إحدى إطلالته الجماهيرية مؤخرًا، يقول الرئيس الأمريكي إنه تعمّد عدم الردّ على المكالمات قبل إعلان الصفقة، وبعد الكشف عنها علم أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تواصل معه، فهاتفه ليسأله ماذا كان يريد؟ والأخير أجاب “كنتُ أريد أن أخبركَ بأننا نعترض بشدّة”. ترامب يظهر أمام الآلاف ممّن كانوا يستمعون الى كلمته كساخر ومستهزئ بالملك، ثمّ قال “ليتني اتصلتُ بك في وقت مبكر.. أنا آسف فات الأوان”.
كوشنير: السعودية ستوافق على أغلب بنود الخطة
هو استخفافٌ بالموقف السعودي، لكنّه في الوقت نفسه مسرحية أمريكية موجّهة للرأي العام في مُحاولة لنزع دور عن المملكة في الصفقة المُعلنة. كيف ستستطيع واشنطن والرياض ذلك ومئاتُ التسريبات تؤكد العكس تمامًا. المعلومات لا تقول سوى أن المملكة ضالعةٌ حتى النخاع في خطة ترامب، والإعلام الاسرائيلي يشهد على هذا.
وفيما أكد مستشار الرئيس الأمريكي جيراد كوشنير لوكالة “بلومبرغ” أن السعودية ستُوافق على أغلب بنود الخطة، مشدّدًا على أن السعوديين ليس لديهم أيّة مشكلة مع الإسرائيليين، تحدّث المعلّق الصهيوني في صحيفة “اسرائيل هيوم” عوديد غرانوت عن أن ولي العهد السعودي حاول إقناع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالموافقة على صفقة القرن، إذ قال “لن تحدث كارثة في حال تمّ تدشين عاصمة الدولة الفلسطينية في بلدة أبوديس، المحيطة بالقدس”.
وبحسب المعلّق، “تدلّ محاولات ابن سلمان لإقناع عباس على أنه كان على علم مسبق بما تتضمنه الخطة”.
أبواقُ تأييد الصفقة المشؤومة
أبواقُ المملكة الإعلامية انسجمت مع السياسة المؤيّدة للصفقة. أبرز الكتاب السعوديين عبد الرحمن الراشد رأى أن “الفلسطينيين سيخسرون برفض عرض ترامب”، وأشار الى أن “الفلسطينيين هم دائمًا الخاسر الوحيد من تخريب مشاريع السلام”.
بدوره، لا ينفكّ تركي الحمد، الكاتب السعودي الشهير، عن الترويج لإيجابيات الصفقة. يقول في إحدى تغريداته بُعيد إعلان الخطة “المظاهرات ورفع الشعارات لن يضرّ ذبابة.. “إسرائيل” حاليا تملك كل أوراق اللعبة.. لكل مرحلة تكتيكاتها، والمرحلة الحالية تستوجب تكتيكا مختلفا عن شعارات الماضي العنترية، التي أضاعت القضية وهي ترفع شعاراتها وتظن انها تدافع عنها، وتابع “يُخطئ الفلسطينيون كثيرا بعدم قبول الخطة الأميركية للسلام، بمعنى ما البديل؟ فرصٌ كثيرة ضاعت على الفلسطينيين باغواء الشعارات، واستراتيجية كل شيء أو لا شيء، وكانت النتيجة في النهاية لا شيء: احتلال مستمر، وضياع للقدس، وقضم أجزاء واسعة من الضفة، وصراع فلسطيني داخلي أشد من الصراع مع إسرائيل”.
الحمد ادّعى في سلسلة تغريداته أن “النسيان يطوي قضية فلسطين إلى حد كبير، ولم يعد أمام الفلسطينيين خيارات اخرى، إلا إن كانت جعجعة “حماس” و”الجهاد” خيارا، أو عجز منظمة التحرير خيارا”.
الكاتب في صحيفة “الجزيرة” محمد آل الشيخ يُهرول هو الآخر للانبطاح أمام الأمريكيين، يقول “الفلسطينيون ومن يناصرونهم من العرب عليهم أن يعلموا أن جميع اوراق الصراع العربي الإسرائيلي بيد أمريكا وما تفرضه عليهم هو الممكن وليس هناك ممكنًا غيره وعويلهم وصراخهم ورفضهم لا قيمة له حتى لو وقف معهم العالم أجمع”.
ويتأسّف آل الشيخ على أيّام الرئيس المصري الراحل أنور السادات، مغرّدًا “رحم الله الرئيس السادات عرض على الفلسطينيين عرضا كان بإمكانهم ان يقبلوه ويساعدوا في حل قضيتهم لكنهم رفضوا وتدهورت القضية اكثر والعرض الامريكي اليوم سيعض الفلسطينيون اصابع الندم اذا رفضوه لان اوراق القضية ليست في ايديهم”.
وضمن الأجواء نفسها، تأتي تغريدة الكاتب السعودي سلمان الشريدة الذي يرى أن “كامب ديفيد كانت فرصة للفلسطينيين والعرب وأضاعوها، وقد قيل من يرفض العشر يقبل عقبها سبع.. صفقة القرن ومبادرة السلام اليوم تحتاج إلى دراسة وتعقّل، حتى لا نضطر مستقبلاً للقبول بحلول قد نقول حينها مرغماً أخاك لا بطل، فلا حلّ اليوم إلّا بالسلام”.
الناشط السعودي الشهير علي المالكي يُدلي بدلوه أيضًا فيزعم أن “الفلسطينيين لم يحرّروا شبرًا واحدًا من أرضهم بل يتآمرون ويتباكون على احتلالها الجبناء والتاريخ شاهد”.
المصدر.. العهد