بين رايتين
عبدالفتاح علي البنوس
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) يثني الله جل في علاه خلال الآية الكريمة على المجاهدين الذين يقاتلون في سبيل إعلاء رايته ونصرة دينه ، وهم على قلب رجل واحد ، في صف وخندق واحد ، كتلة واحدة ، ومسار واحد ، في منتهى التنظيم والتكتيك والترتيب ، الكفيل بإرباك الأعداء ، والنيل منهم ، وتفكيك أوصالهم ، ودك أوكارهم وتحصيناتهم ، وإلحاق الهزيمة بهم ، وهو ما جسده أبطال الجيش واللجان الشعبية ورجال القبائل الشرفاء في عملية البنيان المرصوص النوعية ، والتي تحكي عن تكتيكات عسكرية فريدة من نوعها ، وعمليات هجومية خارقة للعادة ، شكلت ملاحم بطولية تشرئب لها الأعناق ، وتسبح الله وتحمده وتثني عليه ، على هذا التأييد والإسناد والانتصار الكبير.
المشاهد التي تعرضها قناة المسيرة يوميا والتي تعرض فيها تفاصيل عملية البنيان المرصوص ، تحكي عن فتية آمنوا بربهم ، وعونه وتأييده ، وضربوا أروع الأمثلة في الإعداد والتنظيم والتخطيط الذي أرعب الأعداء ، وشل حركتهم ،وشتت جموعهم ، وأبطل فاعلية مدرعاتهم وآلياتهم العسكرية الحديثة والمتطورة التي تركوها خلفهم ولاذوا بالفرار ، على وقع ضربات الأبطال التي نالت منهم فسقطوا قتلى وجرحى وأسرى ، ولولا التوجيهات الحكيمة للقيادة الثورية والسياسية بالسماح لمن توقف عن القتال والمواجهة بالهروب دون إطلاق النار عليهم من باب الحرص على الدماء اليمنية المغرر بها ، لتترك لهم الفرصة لمراجعة أنفسهم والعودة إلى جادة الحق والصواب ، والإقلاع عن العمالة والارتزاق حفاظا على أرواحهم ، ما لم فإن الأبطال لهم بالمرصاد وسينالهم من البأس اليمني ما نال من كان قبلهم من المرتزقة ، الذين رفضوا الانصياع لصوت العقل ، ودعوات ترك السلاح والتخلي عن القتال في صف قوى الغزو والارتزاق.
هذا البنيان المرصوص الذي عكسته المشاهد التي وثقتها عدسات كاميرات أبطال الإعلام الحربي ، يقابلها في الطرف الآخر نموذج مغاير تماما يتجسد في مضمون الآية الكريمة ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ، بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) ، فعلى الرغم من التحصينات الكبيرة التي كان يتخندق فيها ويحتمي بها المرتزقة في نهم والجوف ومارب إلا أنها تهاوت أمام بأس الله الذي زرعه في قلوب وسواعد الأبطال المغاوير من جيشنا ولجاننا ، ورغم الكم الهائل من المرتزقة والآليات والمعدات والمدرعات والذخائر الذكية وتحت الغطاء الجوي الواسع الحربي والاستطلاعي إلا أن مشيئة الله وإرادته شاءت لهذه الجموع الهزيمة والانكسار والذل والصغار ، فجروا أذيال الخيبة والخسران بعد أن واجهوا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، رجال كانوا لهم بالمرصاد ، فأحاط الله بهم ، وأحبط أعمالهم.
وأمام هذه الهزيمة النكراء ، وهذا الانتصار الكبير ، ذهب المرتزقة لتبادل الاتهامات وعبارات التخوين ، والتراشقات الإعلامية التي تؤكد بأنهم مجرد لفيف من المرتزقة ( تحسبهم جميعا ) وكل طرف منهم في واد ، هذا يتبع السعودية ، وذاك يتبع الإمارات ، هذا لديه أجندة ، وذاك لديه أجندة أخرى ، ( وقلوبهم شتى ) يشرقون ويغربون في المواقف والتوجهات بما يتناسب مع مصالحهم الخاصة ، ومن كان هذا ديدنهم ، فأنى لهم أن يتصدوا لثلة من المجاهدين المؤمنين ، جادوا بأرواحهم الطاهرة في سبيل الله ، دفاعا عن الأرض والعرض والسيادة ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
بالمختصر المفيد، شتان بين من يقاتلون في سبيل الله (صفا كأنهم بنيان مرصوص ) ، وبين من يقاتلون في سبيل الطاغوت والريال السعودي والدرهم الإماراتي (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) و شتان بين من يقاتل دفاعا عن أرضه وعرضه ، وبين من يقاتل لتمكين الأعداء من احتلال أرضه وانتهاك عرضه ، وشتان بين من يحمل راية الحق ويقاتل تحتها ، وبين من يحمل راية الباطل ويقاتل تحتها.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.