من البديهي والمتعارف عليه في البلدان الديمقراطية أن حرية الرأي والتعبير تشكل مرتكزا◌ٍ من مرتكزات النهج الديمقراطي¡ باعتبار أن الإعلام الحر هو القادر على استيعاب كل الرؤى والأفكار ووجهات النظر التي قد يتفق معها البعض ويختلف معها البعض الآخر¡ ومع ذلك يبقى من المسلم به أن حرية الرأي والتعبير ليست بابا◌ٍ مخلوعا◌ٍ لاتحكمه ضوابط أو معايير أو آداب أو أخلاقيات أو تقاليد أو قيم¡ بل أن هذه الحرية تكتسب قداستها من المعاني والغايات النبيلة التي تؤطرها¡ كما هو شأن الإعلام الحر الذي يستمد مكانته وأهميته وقوة تأثيره من التزامه بالمسؤولية الاجتماعية واحترامه الثوابت العامة التي تشكل بالنسبة للغالبية العظمى في أي مجتمع خطوطا◌ٍ حمراء لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يترك الحبل على الغارب أمام مريض نفسي أو مهووس أو مختل عقليا◌ٍ أو موتور أو انتهازي أو منحرف ذهنيا◌ٍ¡ لكي ينال من تلك الثوابت أو يتعرض لها بالتطاول عبر ما تفرزه نفسه العليلة من طروح سقيمة وإسقاطات نتنة الهدف من ورائها استفزاز أبناء المجتمع والظهور على قاعدة “خالف ت◌ْعرف” واستغلال فضاءات حرية الرأي والتعبير لترويج احتقاناته وأمراضه وبث احقاده وأسقامه الخبيثة بين الناس¡ وخاصة أولئك البسطاء من محدودي الوعي أو الشباب الذين لم يبلغوا درجة الرشد أو غيرهم ممن يجهلون دوافعه ونواياه السيئة وأهدافه الدنيئة وحقيقة ما يرمي إليه من وراء ذلك الطرح المشبع بعبارات الزيف والتضليل والكذب الرخيص¡ وما يطرحه مثل هؤلاء المعتوهين لايمكن بأي حال من الأحوال أن يكون رأيا◌ٍ أو فكرا◌ٍ أو حتى وجهة نظر أو يندرج ضمن حرية الرأي والتعبير¡ لكونه يتصادم كليا◌ٍ مع الحقائق الراسخة والثابتة التي لامجال للتشكيك فيها وليست محل جدل أو خلاف.
ولا نعتقد أن أية صحيفة تحترم نفسها أو منبر من منابر الإعلام يتمتع بقدر من الموضوعية يمكن أن يقبل تحت بند حرية الرأي والرأي الآخر التعاطي مع أية تناولة لأي إنسان غير سوي يحاول من خلالها إقناع الناس بأن الشمس تشرق صباح كل يوم من المغرب وليس من المشرق¡ وأن الناس مخطئون في تسليمهم بتلك البديهية حول الجهة التي تشرق منها الشمس¡ وأنه وحده من يملك الحقيقة!.
ومما لا شك فيه أن ما ينطبق على ذلك الإنسان المهووس والمريض نفسيا◌ٍ وعقليا◌ٍ الذي يسعى إلى تضليل وعي الناس وتشكيكهم بشأن حقيقة مستقرة منذ الأزل¡ ينطبق أيضا◌ٍ وبنفس المستوى من التوصيف والتصنيف على أولئك المعتوهين الذين يخرجون علينا بخربشاتهم السخيفة التي يحاولون من خلالها التطاول على الوحدة والمساس بقدسيتها¡ مستخدمين في ذلك بعض المصطلحات المضللة التي تنفث سموم المناطقية والنعرات الجهوية والعنصرية والعصبيات الشطرية المقيتة والنزعات الانفصالية الذميمة والشيطانية.
والمثير حقا◌ٍ ليس ما يتقيأه أولئك المرضى نفسيا◌ٍ والمختلون عقليا◌ٍ من هلوسات وإسقاطات وتخاريف¡ بل أن تجد مثل هذه الهلوسات طريقها إلى النشر في بعض الصحف والمواقع الالكترونية¡ إما بدافع الإثارة أو التسويق أو لمجرد جذب الانظار¡ وفي هذه الحالة يصبح لافرق بين من قادته أمراضه وأحقاده إلى تسطير مثل تلك الهلوسات وبين الأوعية الإعلامية التي قامت بنشرها نفاقا◌ٍ أو رياء◌ٍ أو رغبة في استغفال الناس!.
وإذا كان هناك من يتعين توجيه اللوم إليه¡ فليس أولئك المرضى الذين قال فيهم المولى سبحانه وتعالى “في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا”¡ بل اصحاب تلك الأوعية الإعلامية والقائمون عليها الذين لم يدركوا أن أهمية الإعلام لا تكمن في ما ينشره وإنما في نوعية ما يقدمه بطريقة هادفة ومجسدة للموضوعية والمصداقية والطرح المتزن والملتزم بالمسؤولية الاجتماعية.
والمؤسف أن تظل مثل هذه الأسس والقواعد غائبة أو مغيبة لدى العديد من منابرنا الإعلامية التي رهنت سياساتها إما لرؤى حزبية ضيقة وإما لمتطلبات الإثارة باعتبار أنها صارت من متطلبات سوق الصحافة الصفراء¡ وهو ما أفسح المجال لممارسات خاطئة أفرزت حالة من انعدام الثقة بالعديد من المنابر الإعلامية التي أصبحت تعتمد في الترويج لنفسها على ما تنشره من تناولات مفخخة ومقدار ما تثيره من بلبلة!.
وفي كل حال¡ فإن انحدار بعض المنابر الإعلامية إلى ذلك المنزلق¡ يسيء لها أكثر مما ينفعها¡ ويجعلها بعيدة عن ثقة القارئ الذي قد تخدعه بعناوينها المثيرة مرة لكنها لن تستطيع أن تخدعه كل مرة¡ وخير لها أن تكون مع الوطن لا ضده¡ ومن يعتز بمواطنته وانتمائه إلى اليمن¡ فلابد أن يتوطن الوطن في قلبه ووجدانه وأحاسيسه ومشاعره¡ ولا يقايض الوطن بهلوسات بعض المرضى والمعتوهين¡ الذين أعمى الله أبصارهم وبصائرهم فصاروا أبعد عن العقل وأبعد عن الصواب بل وأبعد عن الواقع وجادة الحق والصلاح وسيظلون في غيهم يعمهون.
Prev Post
Next Post