ماذا سمع “غريفيث” قبل أن يغادر؟!
عبدالملك سام
ما إن تشتد الأوضاع ويشعر آل سعود بحرارة المعارك حتى يرسلوا لنا بغريفيث ليذكرنا بأنه مازال على قيد الحياة، حتى اننا بتنا نبتهج لمجيء هذا العجوز البريطاني، فقدومه يؤكد لنا أن المعارك في صالحنا، وهو لا يخجل البتة من قدومه صفر اليدين لأنه يعرف أن من يحكم صنعاء هم قوم شرفاء لا يسيؤون للضيف مهما كان القادم إلينا لا فائدة منه..
يقول المثل إن “الجواب باين من عنوانه”، وقدوم غريفيث بهذه السرعة بعد أن تسربت بعض الاخبار عن فشل الهجوم الذي شنه مرتزقة العدوان على مواقع الجيش واللجان الشعبية في نهم لا يحتاج لذكاء شديد لتعرف سبب قدومه، الرجل أخذ على عاتقه أن يلعب دور البهلوان الذي يهدئ الجمهور ما بين الفقرات، وهو يعرف أن شعره الأبيض وعمره الكبير سيشفعان له عند هؤلاء القوم الكرماء فلا يتركونه يقف طويلا عند الباب أو يقومون بطرده!
ليس هناك ما يقال، هذا باختصار تلخيص الزيارة، فهذا المخادع البريطاني يعرف أن قيادة الثورة وحكومة صنعاء قد قالوا كل ما في جعبتهم، هناك اتفاق وهناك بنود وعلى الجميع الالتزام بها فقط! هو يعرف أن صنعاء نفذت كل ما التزمت به، بينما الرياض ومرتزقتها لم يلتزموا بشيء مما وعدوا به كعادتهم التي يحسدهم عليها اليهود أنفسهم، كما أنه يعرف أنه لا يلتزم الحقيقة في كل إحاطاته لمجلس الأمن الدولي، وأن موظفيه ليسوا أفضل حالا منه فيما يخص تقاريرهم، لذلك فقدومه يعتبر رسالة وقحة تتعدى كل الحدود، ولكنه بريطاني كما نعرف، وهؤلاء القوم هم ملوك الوقاحة بلا منازع.
صنعاء خالفت كل التوقعات، وكعادتها تبتسم لكل من يأتي بثقة أهلها بربهم وعدالة قضيتهم ونقاء سريرتهم.. سيد الثورة يستقبل غريفيث ليكرر على مسمعه التزام القيادة بالعهود ونكث طرف العدوان ومرتزقته بها للمرة الألف.. هو يعرف ذلك ولكنه يتظاهر للمرة الألف بأن ما يسمعه خبر صادم! ويؤكد أنه سيبذل جهده على أن نساعده (نحن) بتهدئة الأمور حتى يستطيع أن يفعل شيئا! ألم أقلكم أنهم ملوك الوقاحة دون منازع؟!
أما لقاؤه مع الرئيس المشاط فهو ما كان مختلفا هذه المرة كونه صاحب مبادرة سلام.. لقد ركز الرئيس المشاط على الجانب الإنساني باعتبار هذا الدور هو المفترض على الأمم المتحدة أن تقوم به فعلا، وهذا الأمر يشير إلى أن دور المبعوث الأممي كوسيط قد انتهى لأنه أثبت أنه وسيط غير نزيه.. الرسالة واضحة كما أعتقد، فما دمتم فاشلين كوسطاء فعلى الأقل حاولوا أن تقوموا بدوركم الأساسي! هذه المنظمات تتلكأ عن القيام بدورها، والعدوان يخالف كل المواثيق الدولية، فما هو دوركم بالضبط؟!
طبعا لم ينس الرئيس المشاط أن يلفت إلى أن مبادرته التي لم يفهم العدوان مغزاها والتي قد تنتهي طالما والطرف الآخر مصر على أن المبادرة أتت من ضعف، وهذا ما أكد عليه رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، وهذا أيضا ما كان يمكن أن يقوله أي فرد من أبناء الشعب اليمني.. لقد فعلنا ما بوسعنا لكي نرد النظام السعودي ومرتزقته عن غيهم، ولكن دون جدوى! وقد حاولنا وحاولنا أن نجعلهم يفهمون بأننا نمد أيدينا لهم بالسلام ليس من باب الضعف وإنما من باب الإنسانية، ونحن نتمتع بالشجاعة والشرف والأخلاق لنفعل هذا بكل ثقة، كما اننا أيضا قادرون بفضل الله على أن نرد من لم يفهم إلى جادة الصواب.
الرسالة الأخيرة تكفي لو كان هؤلاء مازال لديهم شيء من الحكمة والمنطق، فليلتزموا بما وقعوا عليه وتعهدوا بتنفيذه وإلا فقد أعذر من أنذر.. نحن قادرون – كما أثبتت السنوات الماضية – على الصمود والصبر في سبيل تحقيق استقلال غير منقوص لبلدنا، كما أن سيادة شعبنا على ثرواته وأرضه وقراراته ليست موضوعة للمساومة، نحن شعب حر وأبي وعزيز وكريم، ومهما طالت المدة لكي يقتنع النظام السعودي ومن ورائه بهذه الحقيقة فلابد أن نجعلهم يفهمون ذلك، والأفضل لهم أن يفهموا هذا بسرعة قبل أن تبدأ مرحلة “الوجع الكبير” والتي لا تعترف بحدود لتثبت ما نحن ومن نحن.. فهل وصلت الرسالة؟!