الثورة / متابعات
عبّر تقرير نشره “مركز بيغن السادات” الصهيوني للأبحاث والدراسات، عن قلقٍ إسرائيلي بالغ من تطور القدرات العسكرية اليمنية، وخاصة في المجالين الصاروخي والجوي، واضعا ذلك التطور في إطار “حلقة نارية” عبّر بها عن القدرات العسكرية المتصاعدة لقوى محور المقاومة في المنطقة، الأمر الذي يجعل التهديدَ الذي تواجهه “تل أبيب” مضاعفا ومتزايد الخطورة.
وقال المركزُ الإسرائيلي في تقرير نشره مؤخرا، وأعده “عوزي روبين” (مؤسس الوكالة الإسرائيلية لتطوير نظام الدفاع الصاروخي وأحد مؤسسي نظام هيتز المضاد للصواريخ): إنه “يجب على إسرائيل أن تبذلَ قصارى جهدها لمواجهة التهديد الاستراتيجي القادم من اليمن، من خلال إنشاء نظام إنذار وقدرات دفاعية ضد صواريخ كروز والصواريخ الباليستية اليمنية المنشأ، مهما كان الثمن”، مشيرا إلى أن هذا التهديد الصاروخي اليمني سيعملُ على “استكمال التطويق الصاروخي” لما أسماه “الدولة اليهودية”، كخطوة أولى نحو زوالها في نهاية المطاف.
وأوضح التقرير أن الضربة اليمنية التي استهدفت منشآت النفط السعودية في 14 سبتمبر الماضي، دفعت رئيسَ الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، إلى القول بأن “إيران قد نشرت في اليمن صواريخ دقيقة يمكن أن تصل إلى إسرائيل”، مشيرا إلى أن ذلك التصريح ينافي المنطق، حيث تساءل: “ما المنطق، في وجهة نظر إيران، من نشر صواريخ بعيدة إلى حد اليمن لاستخدامها ضد إسرائيل، عندما تكون قد نشرت أصلا على أراضيها صواريخ تخدم هذا الغرض بنصف المسافة؟ وإذا قاموا بالفعل بنشر صواريخ في اليمن قادرة على الوصول إلى الطرف الجنوبي لإسرائيل، فلماذا لم تظهر بعدُ؟”.
وبالرغم من محاولة كاتب التقرير إعادة تكريس المزاعم الباطلة حول “إيرانية” هجوم الرابع عشر من سبتمبر، إلّا أنه لم يجد مفرًّا من الحديث عن القدرات اليمنية المتطورة في مجال التصنيع العسكري، حيث أوضح أنه في يونيو الفائت “كشف الحوثيون عن نوع جديد من الطائرات المسيّرة اليمنية وسرعان ما استخدموه ضد المدن السعودية عبر الحدود، وبعد ذلك بشهرين، في الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، حيث ضُربت إحداها بنفس النوع من الطائرات المسيّرة النفاثة، تاركة مرة أخرى أثرًا واضحًا للحطام يربطها بالآلية اليمنية”.
التقرير ربط الهجمات اليمنية بهجمات صاروخية أخرى شنتها قوى محور المقاومة على إسرائيل أو على تنظيم داعش، مصورا ذلك على أنه مخطط إيراني لتدمير “إسرائيل” من أكثر من جبهة، معبرا عن قلق الإسرائيليين من هذا الأمر.
وحاول التقرير أن يهاجمَ إيران في أنها لا تنفذ ضربات مباشرة ومعلنة ضد الكيان الصهيوني، وإنما تقوم بدعم حركات المقاومة، الأمر الذي عبر عن قلق إسرائيلي واضح من اتساع معسكر محور المقاومة وتعدد الجبهات المعادية للكيان الصهيوني.
ووضع التقرير السعودية إلى جانب “إسرائيل” في طرف واحد، يجمعهما الخوفُ من التهديدات الإيرانية، وتعاظم القدرات العسكرية لقوى محور المقاومة، زاعماً أن “إيران” باتت تمتلك “القدرةَ على التأثير في السعودية من خلال التهديد غير المباشر في اليمن”، وهو ما يتسق مع الخطاب السعودي المتزايد الذي يحاول التبريرَ للاصطفاف مع إسرائيل، بحجة “الوقوف ضد الخطر الإيراني”، ويرفع شماعة التواجد الإيراني في اليمن لتبرير العدوان، الأمر الذي يؤكد أيضا اشتراك “تل أبيب” في العدوان على اليمن.
التقرير لم يغفل أيضاً التعبير عن قلق تل أبيب من الوصول إلى أي حلٍّ سياسي في اليمن، إذ أشار إلى أنه بعد هجمات الرابع عشر من سبتمبر بات هناك ضغط كبير على السعودية للجوء إلى مفاوضات، “محذرا” من أن تلك المفاوضات قد تضفي “شرعية” على حكومة صنعاء، وأن الأخيرةَ ستعمل للسيطرة على خطوط الشحن بين المحيط الهندي وقناة السويس، وهو ما يكشف بوضوح التوجه الإسرائيلي لدعم استمرار العدوان لضمان المطامع الصهيونية في المنطقة، وخصوصا في المجال البحري، وبالتالي فإن ما يحاول التقريرُ الإسرائيلي طرحَه في هذه النقطة؛ باعتباره “خطورة” يكشف في الحقيقة صوابية موقف صنعاء في هذه المعركة.
ويعود التقرير ليوضّح أن تطور القدرات العسكرية اليمنية يتداخل مع تصاعد قوة بقية مفاصل محور المقاومة في المنطقة، ليكون ما يسمى “حلقة نارية” ضد إسرائيل، لكنه يحاول أن يقزم هذا التهديد الكبير بمحاولة تحويله إلى استراتيجية إيرانية، الغرضُ منها إخفاء مسؤولية إيران عن أية هجمات تستهدف إسرائيل من قبل قوى محور المقاومة الأخرى.
وبخصوص اليمن بالذات، يؤكد التقرير أن الصواريخَ البالستية وصواريخ كروز اليمنية التي يصل مداها إلى إسرائيل، من شأنها أن “تجبر تل أبيب على تقليل دفاعاتها المقابلة للشمال والجنوب الغربي لصالح درع دفاعي مقابل الجنوب الشرقي، أو توظيف استثمارات كبيرة في أنظمة إضافية للإنذار المبكر والدفاع الفعال لسد الفجوة”، محذّرا من أن إسرائيل لن تستطيع وقتها اتهام إيران بخصوص أية هجمات يمنية على إسرائيل، الأمر الذي لن يتيح للأخيرة أن ترد بضرب حركات المقاومة في سوريا والعراق وغزة.
بعد ذلك كلِّه، وإذ يحاول التقرير بشكل مفضوح، أن يقلل من خطوة “التهديد القادم من اليمن” قائلاً بأنه حتى الآن لم تقم قوات صنعاء بتنفيذ أية عمليات على بعد أكثر من 1200 كيلو متر، يستدرك قائلاً: إنه “من الممكن، مع ذلك، أن يمتلك الحوثيون صواريخ غير معلن عنها ذات مديات أطول”، مشيرا إلى أنه “في ديسمبر 2017 أعلن الحوثيون أنهم هاجموا مفاعلًا نوويًا جديدًا يتم إنشاؤه في أبو ظبي، حيث تبلغ المسافةُ من صعدة إلى أبو ظبيي أكثر من 1400 كيلو متر”، زاعما إن أي صاروخ تمتلكه صنعاء بمثل هذا المدى هو صاروخ إيراني، بدون أي دليل.
وبشكل مفضوح ينساق التقرير مع مزاعمه التي لم يقدم عليها أيُّ دليل قائلاً: “إن وجود مخزون من صواريخ كروز من طراز سومر في اليمن التي يمكن أن تصل إلى منطقة العاصمة تل أبيب أمر غير مستبعد”، وهي محاولة بائسة لتغطية القلق من تعاظم القدرات العسكرية اليمنية عن طريق رفع شماعة إيران، ثم يناقض نفسه بنفسه قائلا: إنه حتى الآن لم يتم الإبلاغُ عن نقل صواريخ إيرانية بعيدة المدى إلى اليمن.
وحاول التقرير بشكل مفضوح، استباقَ أي إعلان يمني عن صواريخ يصل مداها إلى إسرائيل، بالقول إن تلك الصواريخ “تعرّضت لإعادة طلاء”، متماهياً بذلك مع الدعايات الإعلامية الرخيصة والسطحية والمكررة البعيدة كل البعد عن أية موضوعية.
يختتم التقرير بالقول: إنه يجب على “إسرائيل” الاستعدادُ “عن طريق توسيع نطاق إنذارها المبكر، ودرع الدفاع الفعال الخاص بها ضد الصواريخ الباليستية القادمة من اليمن”، مشيرا إلى أن هذا التهديد يأتي ضمن “الحلقة النارية” التي تشكلها قوى محور المقاومة اليوم، مؤكدا الحقيقةَ الثابتة التي حاول التغطية عليها بالدعايات والمزاعم وحرف مسار المعلومات الثابتة، وهي حقيقة الذعر الإسرائيلي من تعاظم القوة العسكرية اليمنية وانضمام هذه القوة إلى محور المقاومة.