تحقيق مصور
تمضي مشياً على الأقدام سالكة مسافة، هي المسافة الفاصلة بين منزلها وبين مقبرة خزيمة في شارع الزبيري.
يتكرر هذا المشهد كل يومي جمعة واثنين من كل أسبوع منذ خمسة أعوام ، حيث تذهب أم عبداللاه المرتضى لزيارة قبر ابنها الشهيد ” عبداللاه” حاملة له الشذاب والريحان التي زرعتها في سطح منزلها لهذا الغرض وحتى لا تضطر لزيارة قبر نجلها خاوية اليدين،
حين تصل أم الشهيد إلى القبر تقوم أولاً برش كمية من الماء تحضرها معها في إبريق صغير، على سطح القبر وحوله، ثم تضع الرياحين في جهة الرأس.
أي سر تحويه الرياحين وما الفائدة من رش الماء على القبر؟ فقالت : هذا من اجل عبداللاه.. كان شاباً طيباً وجميلاً، يحب الحياة الجميلة الهادئة ويعشق الرياحيين والماء، وحين جاء الغزاة لاحتلال وتدنيس تراب الوطن كان عبداللاه في الصفوف الأولى للدفاع عنه ونال الشهادة وارتوت تراب اليمن بدمه ودماء رفاقه الطيبين الطاهرين ولو كان لدي ولد آخر لأرسلته لأخذ مكان شقيقه الشهيد.
فالصمود الأسطوري للنساء والأسر اليمنية على مدى خمسة اعوام من الحرب والقصف والحصار الشامل، أظهر المعدن الأصلي لأمهات وأخوات وبنات المقاتل اليمني وشرفاء اليمن بشكل عام سواء المجاهدين في ميادين البطولة أو الثابتين في أعمالهم ووظائفهم والمؤسسات الخدمية وغيرها.
استخدم العدو ضد شعبنا اليمني الفقير، كل أنواع الارهاب والظلم والقتل والحصار الجائر والحرب على اليمن ظنا منه ان الشعب اليمني سيعلن الاستسلام والرضوخ لإرادة المملكة وحلفائها ، غير أن رهانهم خاب وكبرياءهم انكسر أمام صمود هذا الشعب العظيم وتماسكه الأسري وتكافله وإصراره على الانتصار من خلال الالتفاف نحو الجيش واللجان الشعبية والإجادة بالمال والنفس والولد دفاعاً عن الوطن وتحمل جميع المرارات والصبر على كل المآسي من أجل العيش بعزة وكرامة أحراراً طلقاء لا أتباعاً أذلاء.
حين تأكد للأعداء فشل مشروع القوة والغارات الجوية لإركاع اليمنيين لجأوا إلى تشديد الحصار الشامل ومنع دخول الاحتياجات الغذائية والطبية ومستلزمات المعيشة مثل البنزين والغاز المنزلي وغيرها، والغرض من ذلك تجويع الناس وتثويرهم ضد الجبهة المناهضة للعدوان، ولكن رهانهم خاب وفشل.. فشاهدنا الكثير من الأسر تخرج بأكملها لإحضار الماء والحطب إلى المنازل حملا فوق رؤوسهن .. ووجدنا الأسر الميسورة تقتسم الرغيف مع جيرانهم الفقراء.. ومن سلمت منازلهم من حقد طائرات آل سعود وجدناهم يتسابقون لاستقبال الناجين من استهداف الطيران لمنازلهم واقتسام الغرف بينهم البين.
هناك أيضا بطولة وتضحية وشموخ لا يوجد إلا لدى نساء اليمن فرغم المآسي التي خلفها العدوان والظروف المعيشية الصعبة بسبب الحصار وتشريد آلاف الأسر من منزالها ووظائفها ومتاجرها، رغم ذلك إلا أن قوافل الدعم للجيش واللجان الشعبية بالمواد الغذائية والأموال والمجوهرات لم تتوقف على مدار خمسة أعوام من العدوان.
الكل جاد بما يستطيع ولم يبخل، غير أن أروع القوافل هي تلك التي تنظمها النساء، حيث وهبت الكثير منهن جميع ما تملك من مجوهرات وما تدخره من أموال دعماً للجيش واللجان، بخلاف قوافل الغذاء وحتى الزبيب والمكسرات والكعك وغير ذلك من العطايا التي تؤكد بأن المرأة اليمنية مدرسة في الوطنية والصمود والتضحية، ولعل أسمى وأروع العطاء هو عطاء الأم التي تقدم ابنها الوحيد فداء للوطن، خصوصاً العاصمة صنعاء، التي تجد فيها أفضل صور الصمود الأسطوري للأسر اليمنية، فلو تعرضت أي من مدن دول العدوان لربع ما تعرضت له المدن والقرى اليمنية من القصف والغارات الجوية والتحليق المتواصل لطيران العدو، لنزحت جميع أسر تلك المدن من اول غارة ولتحولت شوارعها الى ميادين مفتوحة لسباق الأشباح.
هذا هو اليمن بلدة طيبة وأهلها صامدون شامخون، سلام عليهم في كل وقت وحين.
Prev Post
Next Post