الشُهداء صَفحاتٌ موثَّقة وتَاريخٌ مُتجدِّد
مطهر يحيى شرف الدين
تزامناً مع انتصارات الجيش واللجان الشعبية وثبات وصمود الشعب اليمني العظيم نعيشُ هذه الأيام الذكرى السنوية لأسبوع الشهيد ، ولكي نتذكر ونحيي أياماً مُسجلة أحداثها في ديوان التضحيات وارتبطت أوقاتها بوجوهٍ يستحيل أن تُمحى من ذاكرة التاريخ وتعلقت ظروفها بشخصياتٍ هي في الحقيقة مجلداتٍ تُقرأ دون ملل وصفحاتٍ متجددة تشاهد دون توقف وتفاؤل واشتياق يملأُ النفوس لرؤية المزيد وقراءة الأكثر والغوص في طبيعة التوجهات العظيمة التي اتخذها الشهداءُ طريقاً نحو الرفعة والسمو الذي يُضفي على صاحبه الشعور بالكبرياء والشموخ على الأعداء والإحساس بالعزة والكرامة والسيادة.
ولكي نستلهم جوهر المعادن ومعدن الحكمة وأسمى الفضائل وحكمة موروث البذل في سبيل الله الذي تبناهُ الشهداء العظماء من الأنبياء والأولياء والصدِّيقين الذين أبوا إلا أن يعيشوا من أجل إسعاد الأمم جهاداً وقتالاً ومقاومةً وصموداً ضد المستكبرين أعداء الحرية والاستقلال وأعداء السلام والانسانية وأعداء الشعوب الحرة التي تسعى نحو تقرير مصيرها وأهدافها التي تحقق السيادة والكرامة وتسعى لتمكين الشعوب الإسلامية والعربية من الأمن والاستقرار والاستقلال.
ولكي نسلك ذلك النهج ونتبع الطريق الصحيح ونتحلى بتلك المناقب والصفات والقيم ونحاول أن نرقى ولو إلى درجاتٍ محدودة مما اختاره الشهداء ارتقاءً وتوجُّها محموداً ؛ ينبغي علينا أن نقرأ سيرتهم قراءةً دقيقة تشمل تفاصيل عظمة حياتهم الجهادية التي فرضت وجودها وحضورها في المجتمع الإسلامي قوةً وبأساً وتحركاً وانطلاقاً وتطلعاً وسمواً لنيل رضا الله ورسوله وتحقيق حب الله لعباده أولاً قبل أن يحب العباد ربهم ، وذلك هو المبدأ الإيماني الحقيقي مصداقاً لقوله تعالى «فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه» وذلك فعلاً هو ما حققهُ الشهداء ورسخوه قاموساً يُرشد ويعلِّم ويوجه الأجيال بعدم الاستسلام للعدو وعدم السقوط والانحطاط وعدم التخاذل والضعف والهوان والانبطاح.
ولذلك لو شعرنا بعُمق معنى الشَّهادة ومنزلتها وفضلها لوهبنا أنفسنا وبعناها من الله ، لكننا حقيقةً شعرنا بسطحية ولم يكن الشعور إلا ظاهرياً أو عاطفياً بمعنى أصح ، ولو شعرنا فعلاً أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون لما ترددنا ساعةً واحدة في الانطلاق لمواجهة العدو ولما بقينا نندب حظنا في ساحةٍ مليئة بالشهوات الدنيوية والملذات المؤقتة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : «ولا تقولوا لمَن يقتلُ فِي سَبيلِ الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تَشعرون».
وحين نتدبر دلالات الآيات الكريمات ومعانيها وأبعادها الايجابية ندرك فعلاً معنى أن يحيا الشهداء حياةً حقيقية وندرك المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة التي يمنحها الله لهم ، ونعرف أيضاً معنى الرزق الحقيقي والفعلي الذي تحدث عنه الله سبحانه في عطائهِ للشهداء من وعدٍ إلٓهي وفوزٍ عظيم ونعيمٍ خالد وروضاتٍ دائمة وشفاعةٍ مقبولة وثوابٍ وأجرٍ غير منقطع وفي ذلك يؤكد الله سبحانه بقوله :»ولا تحسَبنَّ الذين قُتلوا فِي سبيلِ اللهِ أموَاتاً بَل أحيَاءٌ عند رَبهِم يُرزَقون».
وأخيراً وليس بأخير وفي الذكرى السنوية لأسبوع الشهيد أبعث رسالتي إلى كل أسرة شهيد أباً وأماً وأخاً وأختاً وإبناً وبنتاً أقول فيها : شهداؤكم هم شهداءُ الأمة الإسلامية وهم أملُها الوحيد في أن تصيرَ خير الأمم وذلك ما يُثبتُ قول الله تعالى «كُنتم خَيرَ أُمةٍ أُخرجَت للناس».
ولذلك فالشهداء هم بشاراتُ الحرية للعالم الإسلامي وهم البراكين التي انفجرت في وجه الطاغوت والطغيان والاستكبار لتمرغ أركانه في رمالِ بعران الخليج ، الشهداء هم فاتحة الانتصار الذي انتصر للحق البيِّن ورفع كلمة الله عاليةً لتسود كل العالم ، الشهداء هم الأعزاء على الكفار والأذلاء على المؤمنين ،الشهداء هم الهُوية الإيمانية اليمانية بكل ما تعنيه العبارة من معنى ، الشهداء هم التاريخ والعبرة والتضحية والفداء وهم الحمية والنزعة والمنعة والغيرة لله ولرسوله وللمؤمنين وللوطن وللأرض والعرض ..
«وَيأبى الله إّلّا أن يُتمَ نُوره وَلو كرهَ الكافِرون».