توزيع المياه العمومية.. سوء إدارة ومزاجية



, المهدي : نسبة تغطية المؤسسة العامة للمياه للمناطق السكنية بمشاريع المياه تتراوح بين50 – 55%
, مهيوب : 13 ألف بئر داخل حوض صنعاء غالبيتها تعمل بشكل عشوائي
تعاني كثير من مناطق أمانة العاصمة من شحة وصول المياه العمومية إليها إضافة إلى عدم ربط بعض المناطق بخدمة المشروع الرئيسي من المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي مما يسبب معاناة للسكان الذين يضطرون إلى البحث عن مصادر بديلة للمياه العمومية وتتفاقم المشكلة في بعض الأحياء بسبب ضيق الشوارع التي لا تستطيع وايتات المياه الدخول إليها.
شكاوى متعددة من المواطنين تؤكد ملاحظتهم للانقطاع المتكرر للكهرباء بالتزامن مع وقت توزيع المياه على الأحياء مما ينتج عنه سوء توزيع للمياه في بعض الأحياء.. القضية نستعرضها في التحقيق التالي.
صنعاء القديمة تحصد النصيب الأكبر من المعاناة حيث يؤكد أغلب المواطنين أن المياه تصل إليهم مرة في الأسبوع وأحياناٍ يستمر الانقطاع لأكثر من أسبوع ولكن ما إن يأتي الماء خلال هذه الفترة حتى تتزايد انقطاعات الكهرباء وكأنه أمر متعمد.
وبحسب وصف “أم محمد العزيري” فإنها تنتظر المشروع في الأسبوع مرة واحدة غير أن تدفق المياه ضعيف ويتزامن مع انقطاع الكهرباء ولا يعود التيار إلا قبل انقطاع الماء بقليل.
وتضيف أم محمد قائلة: “نحن متأكدون أن هناك علاقة بين منطقة الكهرباء التابعة للحي وبين بعض الأشخاص حتى يتم الاستحواذ على الماء بالمواطير الكهربائية وبمبات الشفط للمياه لكي يستكفون منه ويبقى الآخرون دون ماء ولفترات طويلة ”
ويشاركها الرأي علي حسان -من سكان صنعاء القديمة- قائلاٍ: نحن في المنطقة نعاني من ضيق شوارعها ولا نستطيع إحضار سيارة الوايت والدخول بها إلى المنازل لتعبئة الماء وما نقوم به هو تعبئة عبوات بلاستيكية بالماء إما من المساجد أو من مناطق أخرى حتى تغطي حاجاتنا من المياه ويناشد حسان الجهات المعنية النظر في هذا الموضوع ومحاسبة من لا ضمير لهم والمتلاعبين بالمياه في المنطقة.
طلب متزايد
أحد المواطنين في الأمانة منطقة الجرداء بأمانة العاصمة يقول: نعتمد في المياه على الوايتات التي ليس لنا أي مصدر غيرها وبدونها سنموت عطشاٍ ومنا من يعتمدون على المشروع الأهلي الذي هو أخف وطأة من المشروع الحكومي الذي لا نحصل إلى على فواتيره.. ورغم كل تلك المعاناة لم تقم المؤسسة المحلية للمياه بحفر بئر ارتوازية جديدة للمنطقة.
كما يقول المواطن ياسر الديلمي: “لدينا مشروع مياه فرعي ولكن نلاحظ عدم تدفق المياه بشكل مناسب حيث لا يأتي غير مرة في الأسبوع وبتدفق بطيء وساعات محدودة فقط بينما من هم على الخط الرئيسي يأتي لهم المشروع مرتين في الأسبوع وبتدفق كبير ولساعات طويلة ولكن هناك تساوياٍ بين فواتير المياه في جميع المناطق من يصله الماء ومن لا يصله مما يعني أن الناس في التسديد سواسية!!”.
فيما ينفى محمد الحياسي -موزع للمياه في إحدى المناطق بأمانة العاصمة- ما يتردد على لسان بعض المواطنين أن هناك اتفاقاٍ مابين منطقة الكهرباء أو مناطق توزيع المياه وقال إنه ليس من المعقول أن تتفق المنطقتان على تعطيل مصالح المواطنين أو الإضرار بهم. وأكد أن مضخات المياه تعمل على الكهرباء وإن انقطعت الكهرباء ينقطع وصول المياه إلى المناطق وقد جاءتنا شكاوى عدة من المواطنين بهذا الشأن لكن المضخات لا تعمل إلا على الكهرباء وهذه هي المشكلة ..
مضيفاٍ: “لدينا برنامج معتمد من المؤسسة العامة للمياه لتوزيع المياه على المناطق والحارات المختلفة يضمن الوصول إلى حالة من الاكتفاء كما أننا نزيد ساعات التوزيع إن كان عدد المشتركين يتجاوزون المائة في المنطقة.
وعن مشكلة شبكة المياه التي أصابها الصدأ بسبب قدمها واختلاط الصدأ بالمياه يقول الحياسي: بعض المناطق بما فيها منطقة بني الحارث الأكثر ضررا بسبب (الذحل) لأن الشبكات قديمة ولها أكثر من 25 سنة ولكنه سيتم تغيير هذه الشبكات في هذا العام تقريباٍ..
يوزع بالتساوي
من جهته يؤكد المهندس إبراهيم المهدي -مدير عام المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي- أنه لا يوجد أي ارتفاع في منسوب مياه حوض صنعاء لأنه دائماٍ في هبوط والسبب يعود للاستنزاف العشوائي وأن هناك أكثر من عشرة آلاف بئر في حوض صنعاء وأن كمية المياه التي تسحب من الحوض أكثر من المياه التي تعود إليه وهذا هو سبب هبوط منسوب المياه الجوفية في الحوض.
وأضاف أن نسبة تغطية المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي للمناطق السكنية بمشاريع المياه هي %55-50 فقط من المدينة ويتم توزيع الماء ضمن برنامج منتظم وأن الإنتاج يصل إلى حدود60 -70 ألف متر مكعب يوميا ويوزع بالتساوي بين المشتركين في المناطق التي تخدمها المؤسسة كما أن هناك مناطق كثيرة يخدمها القطاع الخاص بواسطة الوايتات..
وأرجع المهدي العجز الحاصل أحيانا من منطقة إلى أخرى إما لصيانة المضخات أو انقطاع الكهرباء وهذه هي الظروف الحاصلة لكننا في الفترة الأخيرة استطعنا خلق ثقة مع المشتركين وأن المياه تصل وفقا للبرنامج المعتمد من المؤسسة ومن الإشكالات التي تواجهنا انقطاع الكهرباء والاستهلاك الزائد للمياه خلال فترة الصيف من قبل المواطنين.
معاناة
وحول الكيفية التي تتعامل بها المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي مع مشكلة انقطاع الكهرباء وتغذية السكان بالمياه يقول المهدي: المشكلة هي أننا نعتمد اعتماداٍ كلياٍ على الكهرباء وخلال السنتين الماضيتين وأثناء المشاكل التي كانت قائمة في البلد جهزنا مولدات كهرباء ولدينا أكثر من 70 مولداٍِ كهربائياٍ موزعة على الآبار وهي تحتاج إلى ديزل وهناك معاناة في الحصول عليه والتشغيل به ولكن لدينا الآن بعض الحلول مع مؤسسة الكهرباء وهي فصل خلايا المؤسسة العامة للمياه عن بقية خلايا المشتركين حتى نضمن حلولاٍ في حال انقطاع الكهرباء.
نسبة المديونية ..
وفي السياق تحدث المهدي حول نسبة مديونية المؤسسة التي قال إنها تفوق 5 مليارات ريال وهناك صعوبة في الإيرادات في الفترة الأخيرة لأن الناس يتقاعسون عن دفع مستحقات المؤسسة وأكد قيام المؤسسة بعمل برنامج وحملات متواصلة من أجل هذا الموضوع..
مطالباٍ الإخوة المواطنين بسرعة سداد الفواتير لأن عدم التسديد يصعب من علمية حصولهم على المياه لأن هذه الإيرادات تستخدم في دفع فواتير الكهرباء وشراء مادة الديزل الذي يساعد على إنتاج المياه وتوزيعها إلى المنازل ..
لا يوجد تعاون
وحول ما إذا كان هناك علاقة تعاون بين المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي وبين مشروع المياه الأهلية وضح مدير عام المؤسسة المحلية للمياه أن هذا التعاون مطروح ضمن برنامج مستقبلي مؤكداٍ على ضرورة الرقابة على وايتات المياه من حيث نظافة خزاناتها والمياه التي تغذي الآبار وحصر الآبار العشوائية واختبار نوعية مياهها وبعد ذلك ستكون هناك خطوة لعملية التنسيق في هذا الجانب.
مصادر مائية وتمويل
وعن المناطق التي لم يتم توصل مشروع مياه رئيسية إليها يقول المهدي: إنها مسألة مصادر مائية وتمويل للمشاريع وهي لا تزال تحتاج إلى مبالغ كبيرة لتغطية بقية العاصمة من ناحية تمديد الشبكات وأكد أن الحصول على المصادر هو الأهم وقال: نحن لا ندخل مناطق إلا وقد حصلنا على مصادر للمياه فيها وهذا برنامج طويل مع المؤسسة لا نستطيع أن نغطي من خلاله بقية مناطق العاصمة في فترة بسيطة وكلما أتيح لنا مبالغ وتمويلات نقوم بعمل مشاريع من هذا النوع.
وأشار إلى أن من بين الخطط المستقبلية الآن مشروع كبير مع البنك الإسلامي لتغطية جزء في جنوب العاصمة وجزء في شمالها وهي توسعات في شبكات المياه وحفر آبار والتي ستنفذ خلال العامين القادمين إن شاء الله ..
أسباب انخفاض المياه
وحول تناقص منسوب المياه أرجع المهندس نبيل عبدالقادر مهيوب – مدير عام إدارة المعلومات والإحصاء في الهيئة العامة للموارد المائية- المشكلة إلى قلة منسوب المياه الجوفية في بعض المناطق وارتفاعها في مناطق أخرى كما حصل في حوض صنعاء المحصور بين مناطق جبلية حيث هناك طبقات حاملة للمياه في جهة الشمال وتقل في الجنوب فنلاحظ مناسيب المياه تنخفض ما بين الشمال والجنوب هذا أولاٍ وثانيا أنه يوجد أكثر من 13000 بئر داخل حوض صنعاء الذي تبلغ مساحته نحو 3200 كم مربع غالبيتها يستخدم فيها عملية سحب المياه دون تركيز مع استهلاك جائر للمياه من قبل المواطنين وثالثا قلة الأمطار والتي أصحبت معها مسألة تغذية الحوض قليلة كما أن منسوب المياه يقل سنويا وهناك هبوط بحدود 7 أمتار في السنة لمنسوب المياه وتختلف من منطقة إلى أخرى لتصل الآن في بعض المناطق الجنوبية تقريبا إلى أكثر من 220 متراٍ لكن في المناطق الجنوبية تكون أكثر وتتراوح بين300 و 400 متر.
ويضيف مهيوب: نحن في الهيئة العامة للموارد المائية نقوم بعملية تحديد مصادر المياه ودراسة التوازن المائي ما بين كمية تساقط الأمطار وتغذية المياه الجوفية وعملية سحب المياه الجوفية وحفر الآبار مع تحديد مناطق تواجد مصادر المياه. ونبه إلى خطورة غياب دراسات للمشاريع الحكومية وللتوسع العمراني داخل صنعاء حيث نلاحظ أن المناطق تتوسع بسرعة مما يجعل المواطن يضطر إلى أن يحفر بئراٍ لكي يبيع الماء ليصبح لديه دخل وعائد منها.
تراجع مخزون المياه
وكما جاء في تقرير مجلس النواب للعام 2013م حول الوضع المائي لحوض صنعاء فإن قضية المياه الجوفية قضية هامة في اليمن وهي قضية وطنية ذات أبعاد استراتيجية عدة ولا ينحصر موضوع المياه في علاقته بالتوسع الزراعي والأمن الغذائي بل في بعده الأساسي والمتعلق بمياه الشرب لمواجهة الزيادة المتاحة للطلب عليها بسبب الزيادة السكانية الكبيرة ونقص وتراجع مخزون المياه الجوفية وتدهور وتردي نوعيته وأنه تم تصنيف حوض صنعاء كأحد الأحواض المائية الأشد تراجعاٍ لمنسوب التغذية فيه على مستوى اليمن حيث إن معظم مساحته والتي تقدر بحوالي 3.240 كم مربع لا يزيد معدل الهبوط المطري فيها على 300 مليمتر في السنة وبذلك فإن معدل نصيب الفرد السنوي من المياه لا يتجاوز 150 مترا مكعبا أي أقل من دخل الفرد المائي العالمي بنسبة 15%.
وينوه التقرير بقلة الموارد المائية المتجددة حيث يقول: إن استخدام المياه لم تتم السيطرة عليه مما أدى إلى استنزاف كبير لمياه حوض صنعاء واختلال التوازن بين كميات المياه المتجددة (التغذية) والاستخدامات (السحب) ويتم تغطية الفارق من مخزون المياه الجوفية الذي تراكم عبر آلاف السنين متسببا في هبوط مستوى مناسيب المياه في الحوض بشكل ينذر بخطر كبير حيث وصل معدل الهبوط السنوي إلى ستة أمتار.
ستة من الآبار تجف سنويا
وأوضح التقرير أن مشكلة المياه زادت مع التوسع العمراني وطبيعة التوزيع السكاني ومعدل نمو السكان غير المتوازن خصوصا في العاصمة صنعاء وبما يفوق قدرة المؤسسة المحلية والصرف الصحي بأمانة العاصمة على تغطية احتياجات سكان العاصمة صنعاء.
وبين أن إمدادات آبار المياه الجوفية هي المصدر الرئيسي للمياه لسكان صنعاء حيث بلغ إجمالي كمية المياه المستخرجة 43.2 مليون متر مكعب سنويا أي ما نسبته 16% من إجمالي الاستهلاك يتم توزيعها إما عبر الشبكة العامة للمؤسسة المحلية للمياه والتي تغطي حوالي 45% من احتياجات السكان المنزلية أو عن طريق القطاع الخاص الذي يغطي النسبة المتبقية من الاحتياج وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدد الآبار التي تضخ المياه إلى شبكة المؤسسة هي 83 بئرا تقدر أعماقها بين 300-1000 متر تحت سطح الأرض وبمتوسط عمق 500 متر وحوالي 6 آبار من هذه الآبار تجف سنويا وتخرج عن الخدمة أما السكان غير المتصلين بشبكة إمداد المياه فيحصلون على احتياجاتهم من المياه من مصادر مياه خاصة مختلفة تتمثل في شبكات التزويد الخاصة وناقلات المياه بالإضافة إلى الآبار الخاصة.
القطاع الخاص
وبحسب التقرير فإن التزايد السكاني المتسارع في مدينة صنعاء يفوق خطط المؤسسة المحلية للمياه في مسألة توسيع الشبكات العامة للمياه لأن نسبة التغطية الحالية للمؤسسة لا تزيد عن %45 وبالتالي فإن تدخلات القطاع الخاص أصبحت ضرورية رغم أن شبكاتها محدودة وتقدم خدمة بسعر أعلى وبجودة أقل.. لكن نسعى لتأسيس نظام لمراقبة جودة المياه للقضاء على هذه المشكلة.

قد يعجبك ايضا