تسويق العبودية

عبدالملك سام
يقول جون ديوي، وهو أحد أعمدة الفكر الرأسمالي، بأن الهدف من الإنتاج هو إنتاج شعب حر، بمعنى أن يتحرر الشعب من التبعية لأي طرف خارجي يعمل على توفير حاجات الناس بشروط معينة أو يضعهم في وضع يجعلهم يوافقون على أشياء تتعارض مع مصالحهم، ومن هنا ندرك لماذا سعت أمريكا لاحتكار سلع معينة باستخدام طرق غير شرعية أدت في نتيجتها لوضع شعوب بأكملها تحت رحمة إرادتها، والغريب أنك خلال دراسة الفكر الرأسمالي تجد البعض وليس كل تلك النظريات التي قام عليها النظام الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة!
ولعل أهم الأساليب التي تستخدمها أمريكا ضد شعبها وشعوب العالم هو التسويق والترويج الذي أصبح يستخدم في كل شيء تقريبا حتى السياسة، وهو ما جعل البعض يعرف السياسة بأنها فن الكذب وخاصة في زمن الهيمنة الأمريكية، والتسويق هو فن الخداع الذي استطاع من خلاله النظام الأمريكي أن يقوم بتحويل الناس إلى (شيء) وليس ككائن بشري وبدل تركيز الناس على طبيعتهم الموجهة كأفراد تم حرفهم إلى الاهتمام بمضاعفة استهلاكهم للبضائع التي لا يحتاجونها.. وهو أمر خطير للغاية حيث يولد الإنسان حراً وينتهي به الأمر إلى الاستعباد، حيث تصبح كفرد إلى ما يشبه الآله التي تتجه نحو مضاعفة استهلاكها تحت ضغط عملية مركزة من توجيه العقل الباطن باستخدام أساليب نفسية متطورة، وهذا الهوس يدفعك لفعل أي شيء لإشباع رغبة الاستهلاك!
يكفي مثلا أن نعرف مثلا بأن الولايات المتحدة تنفق سنويا ما يقارب ترليون دولار على التسويق للمنتجات والخدمات التي تنتجها، وهذ الرقم مستمر في الصعود سنويا.. لقد وصل تأثير هذه الأداة الخطيرة لتجعل الشعوب خاضعة بشكل مخيف للسياسات الأمريكية الاستعمارية التي احتكرت توجيه الناس لما يجب أن يكونوا عليه، وأصبح الناس يتجهون زرافات كالمنوم مغناطيسيا نحو تقليد نمط الحياة الذي أراده النظام الأمريكي، واصبحت معظم المدن في العالم تتخذ من هذا النموذج أسلوب حياة، فتجد المطاعم والمحلات والأسواق التي تروج لهذا النمط الأمريكي موجودة في كل بلد حول العالم تقريبا..
خطورة الأمر هنا هو أن الناس تحولوا لاستهلاك أشياء كثيرة لا يحتاجونها فعلا ولا تمت بصلة لثقافتهم المحلية، والأخطر من ذلك هو أن هذا النمط أدى لاندثار الصناعات المحلية التي ما عادت تلبي ذوق الاستهلاك المكتسب، كما أدى لخضوع رؤوس الأموال في هذه الدول لجماعات خارجية وهذا شكل خطورة على استقلال هذه البلدان خاصة إذا ما فهمنا أن هذه الجماعات اكتسبت النفوذ اللازم لتجعل سياسات الحكومة الأمريكية تخضع بالكامل لتلبية مصالحها فقط، ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا أن الحروب التي اندلعت خلال القرنين الأخيرين كانت كلها حروب ونزاعات اقتصادية..
لقد تطور التسويق بشكل فضيع ليصل بغالبية الناس حتى أصبح هو السبب الرئيسي للمشاكل الاجتماعية والثقافية، مثلا نرى أن شراهة التسوق أدت للبعض إلى أن يحاول تلبية هذه الرغبات حتى لولم يكن يملك المال لذلك، وهنا قامت البنوك بتوفير القروض الربوية التي أدت لازدهار أعمالها فيما زادت مشكلة الفقر والمشاكل الأخرى التي صاحبتها، وكان دور التسويق في إبقائنا بعيدا عن السبب الرئيسي للمشاكل التي غزت كل المجتمعات على وجه الأرض هو الأخطر.. فكر مليا بأي مشكلة تخطر ببالك وابحث عن السبب الرئيسي فيها وستجد أن التضليل الذي نعيشه هو العائق الأول لفهم السبب الحقيقي، حتى لو كانت مشكلة من نوع المشاكل الأسرية أو البطالة أو الجرائم أو حتى المشاكل الصحية!
الحل أن نكفّ عن الاستهلاك لمجرد الاستهلاك، أن نتوقف عن شراء ما لا نحتاجه، أن نأكل ما يكفي من الشيء الحقيقي فقط وليس ما يتم ترويجه، بل ونفكر في شراء المنتج المحلي فقط وسبل توفيره، ولنسأل أنفسنا مثلا لماذا نفضل قطعة الشوكولاته على التفاحة مثلا؟! بل لماذا أصبحت التفاحة أرخص؟!! ولماذا يتوفر التفاح الخارجي بسعر أرخص من المحلي؟! وقس على ذلك بقية الأمور.. فكر معي عن عدد الأشياء التي اشتريتها في حين أنك لا تحتاجها فعلا خلال شهر فقط! فكر في النتائج الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تغيرت بسبب هذا السلوك الضار! الموضوع يحتاج طبعا لأكثر من مقال وقد حاولت أن اختصر قدر المستطاع لأني اعلم أننا في زمن الإعلانات السريعة لم نعد نحب القراءة أيضا.. أخيراً حرر عقلك وتوقف عن تقبل كلما تشاهده عبر وسائل الإعلام.. ودمتم بود.

قد يعجبك ايضا