العودة للجمال

عبدالملك سام

ما أجمل أن تصحو في بلدك، وأن تجلس مع أهلك وجيرانك، تشعر بالطيبة التي تكسو كل شيء، حتى الجماد من أحجار وطرق وجدران وأعمده تتكلم لغة تختلف في وقعها عن باقي بلدان العالم.. ما أجمل اليمن، وما أرق قلوب اليمنيين..
مشكلة الشعب اليمني ليست ذاتية؛ بل إن مشاكله كلها مستوردة من الخارج، ومعاناتنا تأتي من أننا نقضي وقتا طويلا في إصلاح أخطاء الآخرين في بلدنا.. مشكلتنا أننا بسطاء وطيبون ولدينا تقدير زائد لكل ما يأتينا من الخارج، حتى اليمني الذي يأتي من الخارج سواء كان يشتغل أو يدرس فنحن نحس بأنه أصبح مختلفاً نوعا ما فقط لأنه أتى من الخارج!
نحن – ولأسباب غير معقولة – نقلد الغربيين في الأشياء التي لا ينبغي تقليدها، بينما نترك الأشياء التي طالما نمدحهم عليها مثل النظام والنظافة ….إلخ.. ترى الشاب يرتدي ملابس (كاجول) ويلوك العلكة ويرتدي أساور من الجلد والمعادن، ولكنه يرفض تماما فكرة الوقوف في الطابور بشكل حاسم وكأنها إهانة في حقه! تراه في ساعات المقيل يتكلم عما شاهده من مناظر في أوروبا ونظافة الشوارع وفي اليوم التالي تجده يرمي كيس القمامة من بعد عشرين مترا من المكان التي توضع فيه ثم يشد الخطى ليوحي لك أنه كان مستعجلاً!!
التأثير الثقافي هو الأشنع في رأيي، بتنا نرى من يحرك لسانه بطريقة معوجة كي يقلد الأجانب، نقلدهم في أخلاقياتهم السيئة فقط لسبب غير منطقي، نخجل أن يرانا الناس ونحن نغض البصر عن الحرام ونفخر بأن يرونا ونحن نتحدث مع فتيات، يثور البعض لو قيل له سُبة ككلمة “تافه” بينما تجده مبتسماً وصديقه يقول له بلسان أعوج you son of……”!! “ومن منا لم يفعل شيئاً أخلاقياً ثم سمع بعض مدعيي الحضارة يقول له إنه شخص قديم؟! راقب فقط وستنذهل!
اليمني شهم بعاداته الجميلة التي اكتسبها من دينه وبيئته، لكننا نشاهد أن هناك أصراراً غريباً على العادات السيئة التي تخالف الدين والقانون والعُرف! ونجد الكثيرين يُصِّرون عليها رغم تأثيرها على حياتنا وعلاقتنا بعضنا ببعض.. اسألوا أولئك الذين اغتربوا في الخارج لسنوات عن علاقات الناس هناك، عندما تمرض أو تحتاج مساعدة فلن تجد أحداً على استعداد أن يقف بجانبك ألا في النادر، أما هنا فأنت تجد الألفة والمساعدة والرحمة دون مقابل.
كم هو جميل فعلا أن تكون يمنيا أصيلا خالياً من شوائب الحضارة المزيفة، كم هو جميل أن تتمسك بتعاليم دينك وأخلاق شعبك، وتأكد أن العادات السيئة التي تصادفها ما هي هي إلا نتاج العادات المستوردة علينا. شعبنا غني بموروث عظيم من الأخلاق والقيم وغني بالتنوع الذي لا يمكن أن تجده في أي بلد آخر.. يكفي أن أشير إلى تجارب دول أخرى استوردت ثقافات دول أخرى فضاعت واضمحلت ومازالت تعاني من تبعات تدمير ثقافتها، ومن المفيد أن تشاهد تجارب دول أخرى أخذت من الآخرين ما يفيدها فقط وحافظت على موروثوها الثقافي، فأصبحت في مصاف أكبر الأمم وأكثرها تطورا وحضارة..

قد يعجبك ايضا