إصـــلاح الأمــم المتحدة .. لــماذا

تتصف المرحلة الحالية في مسيرة الأمم المتحدة بعدم الاستقرار الذي يتجلى بوضوح في مسلسل الصراعات المحلية والإقليمية المنتشرة في مختلف قارات العالم وفي النزاعات العرقية والطائفية التي باتت تهدد بتقويض الدول وانفراط عقد التنظيم الدولي والعودة بالمجتمع الدولي إلى شريعة الغاب.

 عبدالملك السلال

والحق أنه منذ سنوات قلائل ساد على نطاق واسع انطباع بأن نهاية الحرب الباردة ستقود إلى ميلاد جديد للأمم المتحدة بعد أن تعثر دورها وخصوصاٍ فيما يتعلق باعمال نظام الأمن الجماعي إبان فترة اشتداد الصراع الأيديولوجي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وما صاحب ذلك من كثرة استخدام حق الفيتو. ومما شجع على هذا التفاؤل أن الأمم المتحدة توسطت فيما بين عامي 1987و1991م في إبرام مجموعة من الاتفاقيات ساعدت في إنهاء القتال بين إيران والعراق وفي انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان وقيام حكومة ائتلافية واسعة القاعدة في كمبوديا وإنهاء الحرب الأهلية المزمنة في السلفادور وها هي تحاول حلحلة قضية الصحراء المغربية وغيرها من القضايا التي لايتسع المجال لذكرها .
بيد أن هذا التفاؤل سرعان ما تبدد بفعل عجز الأمم المتحدة الواضح عن القيام بدورها في حفظ السلام والأمن في عدد من المناطق الملتهبة في العالم ومنها على سبيل الذكر فرملة غزو العراق وانقسامها الواضح تجاه النزاع السوري ثم الصومالعلى الاقل من الناحية الانسانية وكذا يوغوسلافيا السابقة ورواندا وكشمير
فالوضع الذي وجدت فيه الأمم المتحدة نفسها وهي تحاول اخراج الولايات المتحدة من مأزقها ليس وضعاٍ مريحاٍ ولا سهلاٍ على الإطلاق فهذه المنظمة الدوليةأجبرت على العمل بأدنى الصلاحيات والمسؤوليات وتحت وصاية الولايات المتحدة او بشكل أدق لدى سلطاتها الحاكمة في بؤر حرب أميركا على الارهاب.
.فالوضع الذي انتقلت إليه الأمم المتحدة بعد ان فقدت أصول اللعبة بل فقدت معنى وجودها خارج أطر شرعيتها الدولية يجعلْ الكثير ينظرون بإمعان إلى الدور الذي طلب من المنظمة الدولية ان تلعبه في ظل غياب المبررات الأخلاقية وسقوط الذرائع الأميركية سواء في غزو العراق ,أو التلويح بحرب مماثلة ضد سوريا خارج الشرعية الدولية على خلفية استخدام الكيماوي الذي لم يتضح بعد فاعله من الأصل وهو ما لقي معارضة دولية واسعة مستفيدة من درس غزو العراق ومآسيه واضحي التوتر ملازما للشرق الأوسط.
و بدا واضحاٍ أن هذه المنظمة العالمية تحولت إلى أداة بيد الدول الكبرى ولا سيما منها الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن فكان أن فقدت الأمم المتحدة استقلالها وحيادها وأصبح دورها محدوداٍ بالقدر الذي تسمح به تلك القوى وبما لا يتعارض مع مصالحها. ونتيجة لهذا الوضع تدهورت مكانة المنظمة الدولية
. ويعتبر فشل الأمم المتحدة في الصومال وسوريا مثالاٍ واضحاٍ على إخفاقاتها وتخبطها في مرحلة تفرد القطب الواحد وغياب العدالة الدولية تجاه قضايا ساخنة متعددة وفي الصدارة منها القضية الفلسطينية وما تتعرض له من مؤامرات لتصفيتها إذ تبقى قرارتها المتعلقة بقضية العرب المركزية ولا سيما ما يتصل بالتزامات إسرائيل منها على سبيل المثال إجبار الدولة العبرية على وجوب تجميد الاستيطان وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومقرارات واي ريفر واخواتها بإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية وإنشاء الدولة الموعودة وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل .
بيد أنه على الرغم من كل نقائص الأمم المتحدة وإخفاقاتها السالفة الإشارة إليها إلا أنها لا تزال إحدى الأدوات الرئيسية لحل المشكلات الدولية كما تعد رمزاٍ للتعاون والتنسيق البنِاء بين الدول وبدونها ينفرط عقد النظام في العالم وتسود شريعة الغاب.
ولهذا وذاك فإنه ليس من المنطقي والمعقول وخصوصاٍ في تلك المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي مسايرة ما يذهب إليه البعض من المطالبة باستبدال منظمة دولية جديدة بالأمم المتحدة القائمة وإنما المتعين إجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة في هذه المنظمة العالمية بقصد بث الفاعلية فيها وتعزيز قدرتها على تحقيق الأهداف المتوخاة من وراء إنشائها في حفظ السلام والأمن الدوليين وإنماء التعاون الدولي وضمان احترام حقوق الإنسان.
وليست الدعوة إلى إصلاح هيكلية الأمم المتحدة وليدة اليوم فقد طالبت بها منذ الستينات وحتى اليوم حركة عدم الإنحياز كما أدركت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية هذه المسألة حين أصدرت في عام 1974م قراراٍ يقضي بإعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة والبحث في السبل المؤدية إلى تعزيز دور المنظمة وجعلها أكثر فاعلية.
وأنشأت لهذا الغرض لجنة أسمتها “اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الأمم المتحدة وبتعزيز دور المنظمة. كما تكررت دعوات الإصلاح مراراٍ من قبل الأمناء العامين للمنظمة وتضمنتها تقاريرهم السنوية فاشتملت على التوجيه بضرورة إقامة نظام دولي جديد يستند أول ما يستند إلى إصلاح الأمم المتحدة بوصفها المنظمة التي يتشكل فيها النظام الدولي الجديد (2).
بل إن حركة المطالبة بإصلاح المنظمة العالمية لم تكن غائبة عن المفكرين والباحثين في الشؤون الدولية حيث قامت مجموعة تسمى “المحامون الدوليون للسلام والعدالة” بحملة نشطة من أجل إصلاح المنظمة العالمية وذلك لكي يحل العدل والمساواة بين الدول الأعضاء محل الظلم والتفرقة. وكانت الخطوة الأولى التي اتخذتها المجموعة من أجل هذا الهدف السامي هي القيام ببيان وإبراز مختلف العيوب التي تشوب الأساس القانوني لهذه المنظمة الدولية وذلك في شكل تقرير تم عرضه على الأمم المتحدة والأمل معقود على أن تعقب هذه المبادرة خطوات أخرى لإصلاح المنظمة العالمية.(3)
وتحرص دول العالم الثالث أكثر من غيرها على تفعيل المنظمة الدولية وذلك نظراٍ لتقلص هامش المناورة الذي كان متاحاٍ لهذه الدول في مرحلة الحرب الباردة وبعبارة أخرى فإن زوال الاتحاد السوفيتي من خارطة العالم وما ترتب على ذلك من انفراد الولايات المتحدة ومجموعة الدول الصناعية الرأسمالية بإدارة النظام الدولي قد أدى إلى تدني المكانة الدولية للعالم الثالث وبالتالي فإن بث الفعالية في الأمم المتحدة من شأنه أن يوفر بعض الأمان لهذه الدول وأن يتيح لها قناة لتمرير مطالبها تجاه الدول المتقدمة بشأن العمل عن تحسين أوضاع الجنوب وتنميته بحكم أن الأمم المتحدة ليست فقط أداة لحفظ السلم والأمن الدوليين وإنما هي فضلاٍ عن ذلك ومن خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن تضطلع بدور فعال في إدارة وتنظيم العلاقات الاقتصادية الدولية وإقامة نظام اقتصادي دولي يحقق العدل والإنصاف بين أعضاء المجتمع الدولي غنيهم وفقيرهم.

Ssalala99@gmail.com

قد يعجبك ايضا