تحركات رسمية تحاصر ظاهرة الثأر..

الصلح القبلي.. توحيد للصف في مواجهة العدوان

الثأر.. آفة التنمية والسلم الاجتماعي
إرث قاتم وصور موجعة
باحثون: غياب الإرادة السياسية تسبب في انتشار الظاهرة

لسنوات طويلة ظلت ظاهرة الثأر تنخر في جسد المجتمع.. شقت الصف، بثت الخوف، وأهلكت الحرث والنسل.. قانون غائب، دولة مشلولة، وحكم قضائي مؤجل، حتى كان تفعيل مبدأ المصالحة وبإشراف رسمي تشكل على إثره مجلس التلاحم القبلي، ومجلس العرف القبلي، ومجالس الحكماء مدعومة بمبادرات المصالحة الوطنية.. لتتجسد الثمار بلقاءات صلح وتسامح طوت قضايا قتل بداعي الثأر امتد عمر بعضها لعقود تجاوزت ما عرفه العرب عن حرب البسوس وداحس والغبراء..
إعد الملف/وديع العبسي


دهراً ظلت قضية الثأر شاهدا على واحدة من مظاهر العصبية، المتكئة على مفاهيم العُصبة ومنه إلى ممارسة هذا الفعل، ليقود ترسخ هذه الثقافة إلى انتشارها وتحولها إلى ظاهرة.
حكايات مؤلمة تلك التي أسفرت عنها حوادث الثأر، عاشتها عدد من المناطق لسنوات طويلة، متسببة في العديد من الكوارث ونشر الخوف بين الأهالي.. لم تستثن صغيرا أو كبيرا ،رجلا أو امرأة في ما اعتبره الكثير خروجا عن العرف القبلي الأصيل، بل وذهب إلى أبعد من ذلك فارتكبت جريمة الثأر غدرا وارتكبت في الأسواق والأماكن العامة، أما لماذا؟ فتتعدد خلفياتها على أنها تنشأ أحيانا بنزاعات حول قطع الأرضي أو القتل بالخطأ أو نتيجة لشجار بين أطفال أو شباب أو حدود قبلية، حيث ترى منظمة “سياج لحماية الطفولة”، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني التي تأسست في صنعاء عام 2005م، أن استهداف الأطفال والنساء في قضايا الثأر يعد تراجعاً خطيراً عن التقاليد القبلية الحميدة.
في مطلع يونيو 2010م أصابت رصاص الثأر الطفلة صابرين التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات بعد أن أطلق عليها مع والدها ووالدتها وشخص آخر.. صابرين فارقت الحياة بعد أن تلقت عدة طلقات على رأسها.
يقول موقع دويتشه فيله الألماني: قصة مقتل صابرين بسبب الثأر هي واحدة من القصص المؤلمة التي يعاني منها المجتمع اليمني منذ سنوات طويلة، مرت وهي تحمل في طياتها العديد من القصص المأساوية التي تنتجها قضايا الثأر.
في العام نفسه تنقل لنا الأنباء مقتل أحد شيوخ بني ضبيان، الذي قتل بجانب طفله ذي الثمان سنوات من قبل شاب لم يتجاوز العقد الثالث من عمره كان هو الآخر قد شهد بدوره وهو طفل صغير مشهداً مروعاً لمقتل والده الشيخ حسين القاضي الذي قتل أمام ناظريه قبل 24 عاماً، والسبب خلاف على الحدود القبلية بين قبيلتي السهمان وبني ضبيان في منطقة خولان شرق العاصمة صنعاء.

القتل خارج نطاق القضاء
يحدد عدد من الباحثين جملة من الأسباب التي ساعدت في هذه الظاهرة، فذهبوا إلى إن الأمية تلعب دوراً كبيراً في هذه القضية، فقد وصلت نسبة الأمية في بعض تلك المناطق إلى 50% بين الذكور و70 % بين الإناث، كما يساهم فيها انتشار ثقافة حمل السلاح بين اليمنيين، فيما تؤكد دراسات أن غياب سلطة القانون يمثل القاعدة الأساس التي شجعت على تزايد الظاهرة، فحين يرى الشخص أن الدولة لا تأخذ له بحقه، تجده يلجأ إلى أخذه بيده دون اعتبار لأي آثار أو تداعيات.
وإلى ذلك يرى البعض أن اللجوء إلى القضاء يسبب غرمين، غرم القتيل وغرم المال، وذلك بسبب عدم سرعة البت القضائي في جرائم الثأر.
ومؤدى ذلك القول هو أن اللجوء إلى القضاء يعتبر مضيعة للدم والمال معاً، وخاصةً إذا كان الطرف القاتل يمتلك من الوجاهة والمال ما يساعده على تأخير صدور الحكم.. كما أنه قد يستطيع الإفلات من وجه العدالة، بل إنه قد يحكم ببراءته، أو بالدية مما يضطر أولياء الدم لأخذ ثأرهم من القاتل بأيديهم كما يؤدي إلى تعدد حلقات سلسلة القتل دونما نهاية.
يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء عبد الباقي شمسان: إن الثأر في اليمن يعتبر أحد المعوقات الكبرى للتنمية وعدم الاستقرار في البلد، بل أحد العوامل الرئيسية لإضعاف الدولة.
ويقول الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، في حوار مع دويتشه فيله: “إن السبب الرئيسي في تعقيد ظاهرة الثأر يكمن في ارتباطها بعوامل كثيرة مسببة لها، سواء في العلاقات بين الأفراد في النزاع على الأراضي أو القضايا الاجتماعية والصراعات السياسية”.
لا تقف إشكالية ظاهرة الثأر عند حد إزهاق الأرواح دون احتكام إلى قضاء أو قوانين، وإنما ما تشكله من إقلاق للأمن الاجتماعي يجعل منها قضية نظام كما تذهب إلى ذلك منظمة سياج للطفولة باعتبار الظاهرة قضية نظام عام تمس حياة المجتمع، تعليقا على حوادث شهدتها إحدى مناطق محافظة حجة، وجاء في بيان للمنظمة إن نزاعات الثأر القبلي تطورت في مديرية وشحة بمحافظة حجة بين أربع قبائل يمنية هي (مسعود والعبيدي والمقضي وذو بهمة) وأسفرت عن حرمان أكثر من ‬1000 طفل وطفلة من التعليم، وشردت نحو خمسين آخرين من قراهم علاوة على أنها فرضت حصارات متبادلة بين المتنازعين على وصول المواد الغذائية والأدوية أجبرت عشرات الأسر على النزوح من قراهم وبيوتهم، ودعت المنظمة جميع القبائل لعدم تجنيد أو استغلال من تقل أعمارهم عن ‬18 عاماً في النزاعات المسلحة والذين يمثلون غالبية المجندين في الصراعات القبلية المسلحة الذين يجدون أنفسهم مجبرين ومستنفرين على خوض حرب تشعلها تقاليد وثقافة الآباء، كما نقلت دار السلام للتحكيم التي تلعب دوراً بارزاً في المعالجات صوراً مؤلمة لتوقف الأنشطة الزراعية والاقتصادية وحظر المرور في الطرقات في بعض المناطق على خلفية الثارات المشتعلة فيها.
ويقول باحثون اجتماعيون إن اليمن بحاجة إلى ثورة ضد الثأر ويحذرون من ترك قضية الثأر خارج دائرة الاهتمام الفعلي باعتبار‏ ‏أنها تهدد بشدة الأمن الاجتماعي.

وجهاء وحكماء القبائل: واقفون بحزم أمام مخططات العدوان الداعية إلى الفتنة والاقتتال وقطع الطرق والأعمال التخريبية وإثارة النعرات
وثيقة الشرف القبلية.. تحصين للجبهة الداخلية

في مارس الماضي عُقد في صنعاء لقاء موسع لمشائخ وحكماء ووجهاء قبائل اليمن، لتدشين البرنامج التنفيذي لوثيقة الشرف القبلية.
وتتضمن قواعد وثيقة الشرف القبلية الإعلان عن تدشين مصالحة مجتمعية عامة بين مختلف أبناء القبائل والمكونات الوطنية تعزيزا لمبادئ التصالح والتسامح والتلاحم والأخوة بما يحقق المصلحة الوطنية وترسيخ قيم التعاون والتعايش والعدالة الاجتماعية والوحدة والاستقلال والأمن والاستقرار، وتشكيل مجلس يشمل المحافظات ولجان لمتابعة ترتيب وتفعيل دور القبائل في مختلف المجالات وأهمها مواجهة العدوان.
وتشمل القواعد الإعلان عن صلح عام شريف نظيف بين كافة أبناء المحافظات القائمين ضد العدوان، ينام فيه الخائف في دار المخيف وتأجيل الخلافات والنزاعات المستعصية وخاصة الثأرات، وكذا الإعلان عن حلف أخوي تلاحمي قبلي وطني تضامني موحد يلتزم بموجبه الجميع بمبادئ أمن الساحة والدفاع المشترك عن سيادة الوطن.
وفي اللقاء صوَّت الحاضرون على القواعد التفصيلية لبنود وثيقة الشرف القبلية والموافقة على جميع بنودها وأقروها بالإجماع.
المشاركون في اللقاء أعلنوا الرفض القاطع لدعوات العدوان ومخططاته الهدامة الداعية إلى الفتنة والاقتتال وقطع الطرق والأعمال التخريبية وإثارة النعرات العنصرية والطائفية والمناطقية والمذهبية.. مؤكدين وقوف قبائل اليمن صفا واحدا في مواجهة العدوان وإفشال مخططاته.
عن ذات اللقاء أصدرت قبائل اليمن بيانا أكدت فيه على أهمية ترسيخ القيم والمبادئ والأسلاف والأعراف القبلية الحميدة المنسجمة مع الشريعة الإسلامية الغراء والحفاظ على الهوية الحضارية العريقة للشعب اليمني.
وحذرت قبائل اليمن كل من تسول له نفسه زعزعة الأمن والسلم الداخلي أو السعي لتجنيد الشباب مع العدو، ودعت المغرر بهم والموالين لدول العدوان تحكيم العقل والمنطق والعودة إلى جادة الصواب وحضن الوطن والاستفادة من قرار العفو العام قبل أن تتخذ القبائل الإجراءات الرادعة بحقهم حسب الأسلاف والأعراف وبنود وثيقة الشرف القبلية.
اللقاء المشهود أعقبته الحملة المليونية للتوقيع على وثيقة الشرف القبلية.
وفي تعبير عن الرأي والموقف تجاه إعلان الوثيقة وحملة التوقيع المليونية، اعتبر العلماء والمثقفون الوثيقة “عملاً عظيماً ومباركاً وتساعد على وحدة الصف وجمع الكلمة ولمّ الشمل.”
وأشاروا في بيان لهم إلى أن الوثيقة ستبعث الصفات الأصيلة التي يتميز بها الشعب اليمني منذ القدم كالشجاعة والنخوة والنجدة ورفض الضيم والاستعباد.. واكد البيان أنه سيكون للوثيقة الأثر الكبير في مساندة جميع فئات الشعب للجيش واللجان الشعبية لدفع الغزاة والمحتلين عن الوطن.
القبائل اليمنية التي تداعت للتوقيع على الوثيقة عدّتها ميثاق شرف وطنياً يجتمع حوله كُلّ أبناء الشعب اليمني في الريف والمدينة، مؤكدة تأييدها الكامل لهذا الميثاق.
بنودُ وثيقة الشرف القبلية
أولاً: مبدأُ التكافل الاجتماعي:
نحنُ أبناءَ اليمن الأحرارَ نعلنُ أننا على النهج الرباني المحمدي أمة واحدة قائمون وثابتون على مبدأ الإيواء والإيثار والإنفاق والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة الحق ودفع الظلم والطغيان وإغاثة الملهوف والمنكوبين والمتضرّرين من العدوان ليسمع العالَمُ منا ويرى من تكافلنا وتراحمنا ما يؤكّــدُ انتسابَنا إلى أسلافنا العرب الأقحاح قادة الفتوحات المؤسّسين لهذه المبادئ ووفقاً للتشريع الذي أصدره سيّدُ الخلق محمدٌ صلى اللهُ عليه وآله وصحبِه بقوله في صحيفة المدينة: (هذا كتابٌ من محمد النبي بين المسلمين المؤمنين من قريش وأهل يثرب ومَن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم أنهم أمةٌ واحدةٌ من دون الناس، وأن أيديَ المؤمنين المتقين واحدةٌ على كُـلِّ ظالمٍ منهم يبغى أَو يبتغي دسيعة ظلمٍ أَو إثمٍ أَو عدوانٍ أَو فسادٍ بين المؤمنين ولو كان أبا أحدهم أَو ابنه أَو أخاه.)

ثانياً: إعلانُ البراءة:
تعلنُ قبائلُ اليمن المنتميةُ إلى قحطان وعدنان ممثلةً في من حضر أَو وقَّع كُــلٌّ عن نفسه وعلى من يليه وفقاً للأعراف المتبعة، أن الحاضر يَشمِلُ الغائب بأن ذممَ الجميع بريئةٌ ووجوههم بيضاء من مرتكبي العدوان على اليمن والداعمين والمشاركين والمحرضين والمؤيدين له، ومتمسكون بحقهم في الرد على المعتدين والمؤيدين لهم بالقدرات المتاحة في أي زمانٍ ومكان، وحيثما يصل مَنعُهُم وفروعهم إليه في الزمن القريب أَو البعيد وأن لا قبول ولا صمت عن أي نوع من أنواع الوصاية أَو التدخل الأجنبي مهما كلّف ذلك من خسائرَ وتضحيات.
ثالثاً: العقوباتُ القانونية:
تطالِبُ القبائلُ اليمنيةُ السلطاتِ الرسميةَ والقضائيةَ بتطبيق القانون وإنزال العقوبات الرادعة ضد المشاركين في العدوان على اليمن والداعمين والمحرضين والمؤيِّدين له وفق ما نصّت عليه أحكامُ الشريعة الإسْــلَامية والمواد 129، 128، 127، 126، 125، من قانون العقوبات رقم (12) لسنة1991م في حَــقّ المشار إليهم أعلاه، وغيرها من المواد العقابية وما ورد في قوانين الصحافة والمطبوعات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وكذا سَنّ أَو تحديث قانون ينص بوضوح على تجريم الخونة والعملاء وتجريدهم من الحُقوق المالية والوظيفية وتمثيل اليمنيين في أيٍّ من المحافل الرسمية أَو الشعبيّة والمشاركة في أية فعاليات أَو تشكيل مكوِّن شعبي أَو اقتصادي بطريقة مباشرة أَو غير مباشرة وبأي شكل من الأشكال.
رابعاً: العزلُ الاجتماعي:
أجمعت قبائلُ اليمن أن الخونةَ والعملاءَ مدرَّعون بالعيب وملبسون بالجرم والعار حتى وإن تمت أية تسوية سياسيّة، وتلحق بهم العقوباتُ المتعارَفُ عليها في الوسط القبلي ومن ذلك عدمُ إيواء العائب ولا يقبَلُ العائبَ في أي تعامل إلا عائبٌ مثلُه، وأنهم مجردون من حقوق الأُخوّة والصَّحَب والحِمى والمغارم والمجورة والمحد والمواطَنة وأية مكانة في المجتمع البتة، وأن فعلَهم مساوٍ لفعل القائمين بالعدوان ومشاركون في كُـلّ جريمة اُرتُكِبَت ضد اليمن واليمنيين ويُعد جُرمُهم المرتكَبُ بغياً على الأُمَّة كما هو في المصطلح الشرعي وأعراف القبائل وناموس العقلاء وكُلٌّ منهم جار الطلق أي منفي من الأرض ما لم يؤخذْ بناصيته.
خامساً: أمن ساحة القبيلة:
كُلُّ قبيلة مسؤولةٌ عن حفظ أمن واستقرار ساحتها وحدود الوطن كله كساحة عامة لكل قبائل اليمن، وعلى القبيلة أَو الجهة التي ينتمي إليها العائبُ (الخائن أَو العميل أَو المخرب) اتخاذُ كُـلّ الإجراءات اللازمة ضده مع الجهات الرسمية أَو الشعبيّة.
سادساً: مبدأُ الغُرم القبلي:
يلتزمُ الجميعُ بإحياء مبدأ الغُرم القبلي والشعبي بالمال والرجال، وكل ما تحتاج إليه قواتُ الدفاع لردع الغزاة والمعتدين واستئصال مناشئ الشرّ والخطر الذي يهدّد الوطن والأمة.
سابعاً: الصلحُ العام:
تُقِرُّ القبائلُ اليمنية صُلحاً عاماً بتأجيل كُـلّ الخلافات والنزاعات بين جميع أبناء اليمن باستثناء من أشارت إليهم الوثيقةُ بالعقوبات آنفاً، مع لزوم تشكيلِ لجنةٍ من مختلف الجِهات القانونية والقضائية والقبلية لفرز القضايا العالقة وتصنيفها ووضع الحلول المناسبة لها بالطرُق المنصفة والعادلة وبالتنسيق مع الجهات الرسمية.
ثامناً: تفعيلُ دور القبيلة:
ضرورةُ ترتيب وتنظيم شؤون القبيلة لتكون قادرةً على أمن ساحتها وحَلِّ مشاكلها ومتابعة أمورها والقيام بدورها في كُـلِّ المجالات الدفاعية والأمنية وكذا ضرورة تمثيل القبائل في التكوينات التشريعية والتنفيذية لتشارك من خلالها في الرأي وصنع القرار.
تاسعاً: الوثيقةُ ميثاقُ شرفٍ دائم:
بعد التوقيع تُعتبَرُ هذه الوثيقةُ ميثاقَ شرفٍ في السلم والحرب وساريةً في كُـلّ ظرفٍ وزمان؛ تجسيداً للمبادئ والقيم والثوابت القبلية، وعلى أن يتم تشكيلُ لجنةٍ مشتركةٍ لوضع قائمة العار التي يسمى فيها الأشخاصُ المستحقون للعقوبات وفق أُسُسٍ صحيحة ومدروسة.
قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأنَّهُم ظُلِمُوا وإنَّ اللهَ على نَصرِهِم لَقَدِيرٌ) صدق الله العظيم.

 سلام اجتماعي على أنقاض الثأر
صلح عام شامل يوقف نزيف الدم بين قبائل كشر وآخر ينهي قضية ثأر امتدت لأكثر من نصف قرن
الثورة الشعبية والدعوة لمواجهة العدوان لامست بشكل عميق الاحتياجات الاجتماعيةلحل القضايا والنزاعات الداخلية

كما لم يحدث في تاريخ دولة الجمهورية اليمنية منذ قيامها في العام 90م شهدت الخمسة الأعوام الماضية اتفاقيات صلح قبلية عديدة رعاها المجلس السياسي الأعلى، أنهت قضايا ثأر مقيمة منذ عشرات السنين أودت بحياة آلاف المواطنين وعطلت النشاط الزراعي في كثير من الأراضي.

باتفاقيات الصلح القبلية تصنع القبيلة اليمنية أسس السلام الاجتماعي في الريف اليمني، باعتباره شرط التنمية والديمقراطية، وساعدت الإرادة السياسية بتحويل الرغبة الاجتماعية إلى سلوك، ومع تحقق صلح قبلي تتعمق الروابط الأخوية وتطوى صفحة مُظلمة من صراعات الثأر الجاهلية، في هذا الوقت كانت ممارسات تحالف العدوان تتمادى في تعميق المشاكل وخلق الصراعات في المناطق المُحتلة وخاصة المحافظات الجنوبية التي تَشهد عملية استقطابات مناطقية خطيرة تدفع إليها دول العدوان في مساعي واضحة للسيطرة على الموانئ والسواحل والجزر والثروات النفطية والسمكية والمرجانية.
تؤسس المصالحات القبلية لتضميد الجراح ووأد الفتن وحقن الدماء وتوحيد القلوب وصيانة الأرواح والممتلكات، ومنه لطوي عهودا من إثارة الحروب والنِزاعات والمتاجرة بدماء أبناء القبائل وهو ما كان عليه سابقاً كنهج شبه رسمي ولذا فلم يكن مستغرباً التفاف القبائل حول السلطة الوطنية في صنعاء اليوم فقد وجدت القبائل مصلحتها في السِلم الاجتماعي والاستقرار والتوجه نحو النشاط الزراعي والتجاري، والتعامل الحضاري مع الدولة ومؤسساتها.

الصُلح القبلي الأكبر
في شهر اكتوبر الماضي أشرف محمد علي الحوثي في صنعاء على توقيع صلح عام شامل وكامل بين جميع قبائل مديرية كشر بقراها وعزلها وأخماسها.
تضمن الصلح العام التزام الجميع بحفظ الأمن والاستقرار في سوق وطريق وبادية ومسجد ومزرعة داخل المديرية أو خارجها والالتزام من كل سبب أو تسبب أو كلام يؤدي إلى فتح خلاف أو نزاع.
كما تضمن أن من له حق أو طلب فيما يٌستجد من قضايا، عليه التوجه للدولة، وأن الجميع يد واحدة متحابون ومتحركون باذلون صغيرهم وكبيرهم تحت توجيهات قيادة الثورة وإلى جانب الدولة في بسط الأمن والأمان والاستقرار ونبذ الفرقة والعصبية.
ووفقا للصلح العام، فوض أبناء وقبائل كشر القيادة لتكليف من تراه من القضاة أو الشخصيات الاجتماعية للفصل في قضايا الدم ومسبباتها ويعتبر حكم الجهة المكلفة من قبل القيادة نهائيا وغير قابل للطعن، وشمل الصلح، دعوة الجميع للتلاحم والاصطفاف لمواجهة العدوان وإفشال مؤامراته والتحرك لرفد الجبهات بالمال والرجال، وكذا دعوة المغرر بهم من أبناء المديرية إلى الاستفادة من قرار العفو والعودة إلى الوطن، وأن قبائل المديرية تتبرأ ممن تعاون مع العدو.
واعتبر الصلح ملزما لجميع الموقعين عن أنفسهم وقبائلهم والتوقف على ما نص عليه هذا الصلح، ومن أخل به من المشايخ أو من إليهم، فإن كافة المشايخ والقبائل يدا واحدة إلى جانب الدولة في ردع من يخل بالصلح .. معتبرين هذا الصلح وثيقة عهد وشرف بين كافة قبائل مديرية كشر، الخارج منها خارج عن داعي الإخاء والقبيلة والعرف والسلف.
وخلال الصلح قال عضو المجلس السياسي الأعلى الحوثي “إن على كافة القبائل أن تدرك خطورة المرحلة، وهاهم أبناء كشر يتصالحون فيما بينهم، ما يمثل ذلك رسالة للقبائل اليمنية التي تعاني من الثارات أن عليها حذو قبائل كشر في التوجه للتسامح والتآخي والسير في مواجهة الأعداء”.
وأشار إلى أن اليمنيين عبر العصور بتواجد الغزاة، يتغلبون على قضاياهم الداخلية ويتلاحمون فيما بينهم ويتوجون لدحر الغزاة .. معتبرا ذلك خطوة إيجابية باتجاه فهم مجريات واقع ما يمر به اليمن والعودة إلى بناء الوطن وتحقيق أمنه واستقراره.
وقال” إن معالجة مثل هذه القضايا والتحرك فيها، يعد لبنة أولى لتحقيق الأمن والاستقرار، فلا يمكن تحقيق التنمية بدون أمن واستقرار، ووجود الخلافات والنزاعات خاصة قضايا الثارات بين القبائل اليمنية “.
وكان شهر مايو من العام 2018 الماضي قد شهد إنهاء قضية قتل مرّ عليها (25) عاما بصلح قبلي بين أسرتين بمديرية حبيش في محافظة إب وسط اليمن.
وفي مايو من هذا العام عُقد صلحا قبليا بالعاصمة صنعاء في قضية قتل وقعت أحداثها قبل 18 عاما بين آل الوجاري من منطقة بيت زود بمديرية خارف محافظة عمران.
وأنهى صلح قبلي بمحافظة صنعاء في سبتمبر الماضي، قضية خلاف وثأر بين قبيلتي بني مطر والحيمة الخارجية دامت 18 عاما وراح ضحيتها أكثر من 40 قتيلا.
وفي شهر نوفمبر الماضي أغلق صلح قبلي قضية قتل حدثت قبل عشرين عاما راح ضحيتها شخص من أسرة آل أبو حسن من أبناء مديرية المنار محافظة ذما.
نفس الشهر شهد صلح قبلي أنهى قضية قتل دامت 17 عاما بين أسرتي آل الفيل وآل المنجشي في قرية الهجرة بعزلة روحان بمديرية الرجم محافظة المحويت.
وفي القائمة محطات تاريخية طويلة لقضايا ثأر جرى حلها بصلح قبلي سعي المختلفين ومن كان داعما لهذه العمليات ، لاستعادة تلك القيم والتي اتسم بها اليمني على مر العصور.

صوير وجميمة
كما رعى عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي- الخميس الماضي- في العاصمة صنعاء صلحا قبليا تاريخياً لإنهاء النزاع بين أبناء مديرية “الجميمة” بمحافظة حجة وأبناء مديرية “صوير” في محافظة عمران وهو النزاع الذي يمتد لأكثر من نصف قرن من الزمان وبهذا الصُلح الشامل يكون قد طوى ملف 30 حربا أهلية بين هذه القُبُل أودت بحياة ما يقارب 150 قتيلا وأكثر من 1000 جريح خلال العقود الماضية.
وتكمن أهمية هذا الصلح أنه يقع ديمغرافيا في المنطقة الفاصلة والحد بين قبائل بني عرجلة التي تنتمي لحاشد، وقبائل الجميمة التي تنتمي لقبائل حجور، والصلح بينهما يُفقد تحالف العدوان أهم الأوراق الذي يوظفها في إضعاف اليمن وتأليب أبنائه ضد بعضهم وهي الانقسامات الاجتماعية، ومن شأن هذا الصُلح أن يفتح الطريق لإنهاء الصراعات والحروب القبلية بين أبناء القبائل المنتمية لداعي حجور وحاشد، ويوحد أبناء قبائل حجور وحاشد، وجهودهم نحو العدو الحقيقي لاستقلال وسيادة وتطور الجمهورية اليمنية .
الصلح التاريخي أتى بعد جهود مكثفة ومتواصلة لمحافظي محافظتي حجة وعمران القاضي هلال الصوفي والدكتور فيصل جعمان اللذان عملا على المتابعة والإشراف على تقريب جميع الأطراف عبر لجنة الوساطة وزير الدولة الشيخ نبيه أبو نشطان وأعضاء من اللجنة المشكلة من المحافظتين تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة السيد/ عبد الملك الحوثي والقيادة السياسية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية الأخ/ مهدي المشاط.
الريف الذي كانَ مقصياً طوال الفترة الماضية ومثخناً بالصراعات القبلية وجد في ثورة 21 سبتمبر 2014م فرصة للمشاركة السياسية الجادة والتوحد في قضايا عامة تحل القضايا على أساس المصالح الجماعية لا الفردية، وهي اليوم قضايا وطنية عامة مع مجيء العدوان تتجاوز المطلب الاقتصادي والتناقض بين المدينة والريف، إلى التناقض بين اليمن ودول الغزو والاحتلال الأجنبية، إن هذا التحول في الوعي الاجتماعي، هو السَر في تحقق العدد الكبير من الإصلاحات القبلية خلال هذه الفترة البسيطة، رغم انه مر على البلاد مراحل مفصلية ولم تحدث فيها هذه التسويات، فإعادة تحقيق الوحدة اليمنية وإشاعة الديمقراطية والتعددية السياسية وتطبيق أنظمة الحكم المحلية واسعة الصلاحيات، كل ذلك لم يلامس المحاولات في حل قضية الثارات، مما يعني بأن الثورة الشعبية والدعوة لمواجهة العدوان كانت الأكثر عمقاً وملامسة للاحتياجات الاجتماعية ومصالح ووعي أبناء القبائل من سائر المحطات السابقة خاصة وأن هناك قضايا ثأر تمتد لأكثر من نصف قرن، ومما يساعد على حلها بأن السُلطة الحاكمة اليوم والتوجه العام السائد يدفع نحو التآخي والتآلف والتكاتف اليمني في مواجهة خطر وجودي، وما يُشير إلى هذه الرؤية الجديدة قاله عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي في الصلح بين صوير والجميمة: “اتفقنا على أن نحافظ جميعا على حدود الجمهورية اليمنية، لذلك نقول لدول العدوان ستفشلون في محاولاتكم جعل القبائل تقتتل على الحدود فيما بينها.”
وأشار الحوثي إلى أن القبيلة لن تكون إلا في صف الدفاع عن الوطن، وإذا كان أبناء القبائل يتقاتلون من أجل حدود قبيلتهم، فإنهم سيقدمون دماءهم ويستشهدون من أجل وطنهم.
وتابع “ها هي القبائل تتآخى وأبناء المحافظات يتآخون، وستجدونا باستمرار في حل هذه القضايا مع مشايخ اليمن وعقلائه ومسؤوليه وأحراره ممن ينبض فيهم الدم والغيرة على وطنهم ويرفضون أن يكونوا جزءاً من معادلة الدمار التي يشنها العدوان على اليمن.”
ومضى قائلا “اليوم نقف بعزة وصلابة إلى جانب الكثير من المشايخ ومسؤولي المحافظتين، ومنهم الشيخ نبيه أبو نشطان باعتباره رئيس اللجنة في هذه القضية التي تم الصلح فيها.”
وأضاف “إن حل هذا النزاع يعكس حالة وعي أبناء المديريتين بأن الوطن أغلى وأن التضحية من أجله هو الخيار الوحيد، وأنهم لن يقبلوا إطلاقا أن يكونوا جزءا من العدوان بالاقتتال فيما بينهم، لأن من يتحرك في مثل هذه القضايا في هذا الوقت تحديدا نعتبره يداً من أيدي العدوان الخفية، يحركها العدوان، ومن يقف من أجل المصالحة مع إخوانه ويطبق المثل “أنا عدو ابن عمي وعدو من يعاديه “نحن سنتخطى كل الحدود، ونتجاوز التحديات.”

قطار الصُلح لا يتوقف
لم يكن الصلح بين أبناء مديريتي الصوير والجميمة هي الاتفاقية الوحيدة التي استطاعت إنهاء مشاكل متراكمة استعصت على الدولة وأجهزة القضاء وأودت بحياة العشرات من أبناء القبائل، فقد أُبرمت عشرات اتفاقيات الصُلح القبلية، التي تأتي في إطار الجهود والمساعي لإصلاح ذات البين التي تتبناها القيادة الثورية والسياسية لتوحيد الصفوف وتعزيز أواصر التعاون والأخوة والوحدة وتركيز جهود الجميع على مواجهة العدوان.
صلح قبلي لقضايا ثأر كثيرة يتعذر ذكرها في هذه المادة، ففي مطلع شهر سبتمبر الماضي، رعى عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي صلحا قبليا وحلا تاما ينهي قضايا الثأر بين قبيلتي بني مطر والحيمة الخارجية، وأنهى الصلح ، قضية خلاف وثأر بين قبيلتي بني مطر والحيمة الخارجية دامت 18 عاما وراح ضحيتها أكثر من 40 قتيلا.

صلح بني مطر والحيمة
كما تم في هذا العام – شهر يونيو- صلح قبلي أنهى قضية قتل بين آل مجمل وآل الزرقة في مبين بحجة، دامت 19 عاما، وهو الصلح الذي أشرف عليه وكيلا المحافظة الدكتور طه الحمزي وعلي المتوكل وعضو مجلس النواب محمد مشلي الرضي وشيخ مشايخ المحافظة شايف أبو سالم ونائب رئيس مجلس التلاحم القبلي خالد الجيشي، أعلن أولياء الدم من آل مجمل العفو عن الجاني مجاهد الزرقة وإنهاء ملف القضية.
وأكدت أسرة المجني عليه أن العفو جاء استجابة لدعوة قائد الثورة بشأن التسامح بين أبناء القبائل وتفويت الفرصة على تحالف العدوان ومرتزقته في النيل من وحدة الصف الداخلي، وتأجيج الثارات بين القبائل.
وفي البيضاء في مارس الماضي، أنهى أبناء وأهالي منطقتي عباس بمديرية الشرية، والمكلة بمديرية رداع بمحافظة البيضاء قطيعة دامت أكثر من 20 عاماً عبر صلح وتسامح تبع ذلك تنظيم وقفة قبلية مسلحة مشتركة بين المنطقتين، في مواجهة العدوان.

عيّنة من عشرات
إن هذه النماذج الثلاثة من قبائل ومناطق مختلفة وذات دوافع، سنوات وضحايا ما هي إلا عينة للبحث من عشرات الاتفاقيات التي أنهت -ومازالت تعمل على أن تًنهي- قضايا الثأر ووطدت السلام الاجتماعي في الريف، وقضت على مظاهر التقطّعات وغيرها من المظاهر السلبية التي كانت سائدة في الريف اليمني إلى ما قبل ثورة 21 سبتمبر، ومازالت مظاهر كهذه سائدة في المناطق القبلية والمدنية التي يُسيطر عليها تحالف العدوان، حيث تحدث جرائم القتل والثأر والاغتصاب والسلب والنهب وتعدد السُلطات ومراكز النفوذ، وغيرها من المظاهر السلبية التي هي مظاهر اجتماعية بالإمكان السيطرة والقضاء عليها، إذا ما وجدت سُلطة وطنية وقوى ثورية تَسعى في هذا التوجه تؤلف المجتمع حول قضايا عادلة، وهذا النموذج أثبتته سُلطة المجلس السياسي الأعلى، كما أثبتته في مرحلة ما تجربة ثورة 14 أكتوبر في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشَعبية -سابقا، التي قضت على الثأر ووطدت حضور الدولة وسيادة القانون ووحدت أكثر من 22 إمارة وسلطنة في دولة وطنية.

أجنحة في السلطة كانت تغذي الصراعات القبلية

الشيخ أمين عاطف آل الضحاك شيخ مشائخ قبائل بني صريم حاشد:

الثأرات القبلية تحدث بحكم الصراع الناتج عن أكثر من سبب، ويساعد على ذلك غياب تطبيق القانون والضبط من قبل الدولة، والعكس صحيح، ففي ظل قوانين العرف ووجود الدولة تختفي هذه الظاهرة وهو ما بدا ملاحظته في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ كما اختفت ظاهرة التقطع التي كانت مستشرية واستمرت طوال الخمسين عاما الماضية.
الثأرات القبلية ظاهرة مقيتة لما تسببت به من بث للخوف وانتهاك مبدأ السلم الاجتماعي وهو أهم المبادئ الإنسانية، فحين ينتشر الخوف في الوسط المجتمعي تتوتر حياة الناس وتضعف حركتهم للإنتاج ما يؤثر على وضع البلد الاقتصادي ولذلك فقد أكد الله سبحانه وتعالى على حاجة واقع المجتمعات الإنسانية للشعور بالأمان “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.
إدراك مخاطر الصراعات الداخلية ومخاطر الثأرات دعا إلى التحرك من اجل معالجة الأسباب وإنهاء هذه القضايا العالقة بعضها منذ عقود، وتجسد ذلك في اللقاءات القبلية والصلح القبلي التي تتم في أكثر من مكان.
ولن أبالغ إن قلت إن تغذية تلك التقطعات والصراعات القبلية كان يتم من قبل أجنحة السلطة، طرف يدعم هذه القبيلة وطرف يدعم القبيلة الأخرى، إنما اليوم والحمدلله في ظل قيادة حكيمة ووجود الضبط إضافة إلى الوعي الثقافي بكينونة الإنسان اليمني اختفت كافة الصراعات القبلية وإن حدثت نقوم باحتوائها خلال ساعات.
كما انه معروف إن تغذية الثأرات وإذكاء الصراعات كانت تتم بأجندة تدار إقليميا لإضعاف اليمن وإلهائه من خلال عملاء يتقاضون فتات الموائد.. ولدينا في الأسلاف والأعراف أكثر من 4000 قانون نظمت كافة أمور الحياة والتعايش وكذلك قوانين الاحتكام والعيوب و(الأروش والديات) بنظام ضبطي حكم اليمن لأكثر من 7000عام، ويبذل وجهاء القبائل اليمنية الأصيلة جهوداً كبيرة ومعهم كل الشرفاء الذين يسارعون لاحتواء أي قضية في أي مكان .

ثمار توجيهات قائد الثورة ومتابعته المستمرة

الشيخ هادي بن عبدالله النهمي- احد مشائخ قبيلة آنس محافظة ذمار:

توجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ومتابعته في هذا الجانب كانت واضحة بعمل لقاءات الصلح القبلي في مختلف المحافظات والمناطق اليمنية وإنهاء قضايا الثأر بما يوحد الصف الداخلي لمواجهة التحديات المصيرية وفي مقدمتها العدوان السعودي – الأمريكي، والحمدلله أثمرت هذه التوجيهات سلسلة من لقاءات المصالحة في عموم المناطق والمدن، كما أن توجيهات قائد الثورة تكتسب أهميتها كونها تنشر الخير والصلاح في أوساط المجتمع، فلقاءات الصلح بين أبناء قبائل اليمن توحد جهود المجتمع من أجل البناء والتنمية، والأمان مبدأ مهم جداً لحياة الناس يقول المولى سبحانه “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. نحن في اليمن نفخر بأننا الشعب الوحيد الذي مازال متمسكاً بتقاليده القبلية وأعرافه وأسلافه التي لا تخالف المنهجية القرآنية والنص والقرآني، كما أن الصلح العام بين القبائل أثمر أيضاً عن تماسك الجبهة الداخلية والذي يعد أهم عوامل الصمود والتصدي للعدوان الشرس الذي يشن على بلادنا منذ أكثر من خمس سنوات تقريبا، العدو الذي يسعى بكل قوة إلى اختراق هذه الجبهة وتمزيقها ليسهل عليه تحقيق أهدافه العدوانية الخبيثة، من هنا أولى قائد الثورة هذه القضية أولوية كبرى جعلته يؤكد عليها في أكثر خطاباته، وهذا يستلزم العمل على حل جميع القضايا والمشاكل الحاصلة بين فئات المجتمع والتي منها قضايا الثأر، عن طريق العفو لوجه الله تعالى وإصلاح ذات البين وتعزيز أواصر الإخاء والتسامح، والواجب على الجميع التفاعل مع هذا التوجه وإنجاحه. نتائج هذه الجهود تترجم يومياً بشكل عملي ونرى الثمار في مختلف المناطق والمدن اليمنية، حيث نشاهد لقاءات المصالحة القبلية بين أبناء الوطن الواحد وإحلال قيم السلام والطمأنينة بدلاً من أجواء التوتر والخصام..

الصلح القبلي.. تحرك جاد ومسؤول يتطلب العمل الجماعي لإنجاحه

الشيخ محمد احمد البشيري – رئيس منتدى عاصمة السلام:

إصلاح ذات البين من الأمور الوقائية ألتي اعتمدها الإسلام للحفاظ على قوّة المجتمع المسلم إصلاح ذات البين، ومعناه العمل الدؤوب على إزالة أسباب الفرقة والنزاع بين المسلمين من خلال الوفاق والتحابب بين المتخاصمين، وقد حثَّ الإسلام على إصلاح ذات البين، من خلال جملةٍ من التوجيهات المباركة والنصوص القرآنيّة الكريمة، والأحاديث النبويّة الشريفة، وهناك عدّة سبلٍ يمكن انتهاجها لإصلاح ذات البين، وهناك عواقب وخيمةٌ تترتب على إفساد ذات البين وبخصوص مشروعية إصلاح ذات البين هناك نصوص شرعية كثيرة تدعو إلى إصلاح ذات البين، لتشمل معظم أشكال النزاع والخصومة، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [لحجرات:10] وقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخبركُم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ.)
من هنا نلاحظ تحركاً جاداً ومسؤولاً من قبل الدولة أو بإشراف الدولة بناء على توجيهات قائد الثورة لحل العديد من قضايا الثأر، وقد دعونا المنظمات والشخصيات الاجتماعية والاعتبارية والقبلية والسياسية إلى المساهمة ومواصلة هذا العمل الإنساني.
قضايا الثأر كانت كثيرة نتيجة تراكم القضايا المتعثرة في الثأرات واغلبها ناتجة عن خلافات على العقارات الأراضي وما شابه ذلك.
العمل بالصلح القبلي شيء محمود، وانتباه موفق فنحن بحاجة ماسة في هذا الوقت إلى توحيد جبهتنا الداخلية إلى جانب أن هذا الأمر قد دعا إليه ديننا الإسلامي وهو عامل مطلوب جدا لحياة المجتمعات، ولا يمكن أن يعيش مجتمع وينهض وينمو ويتطور إذا كان يقتل بعضه بعضاً في قضايا يمكن حلها دون ضرر ولا ضرار.. قضايا الثأرات تحتاج إلى وعي وتحرك من الجميع كل في إطار منطقته.

قد يعجبك ايضا