ديسمبر البدايات
عبدالملك سام
ديسمبر بجوه الذي يوحي بالنهايات.. الجو البارد في نهاية العام، والشوارع التي تخلو من المارة تقريبا في وقت مبكر، والجميع في منازلهم طلبا للدفء حيث تكثر المسامرات ويتحدث الجميع في شتى المواضيع، ولكن هناك موضوع يشغل الكثيرين في صنعاء الأمنة في تلك الليلة من عام 2017م، لقد ترافق البرد بجو من التوتر نتيجة أحداث غريبة وسط تعجب سكان العاصمة الذين تعودوا على الأمن والأمان والذي تحسدهم عليه عواصم ومدن أخرى في دول لا تعاني من مشاكل أو حروب.
الناس أيامها كانوا نوعين، متشائم وحذر، وكان الخوف سيد الموقف، هناك تحركات استفزازية من قبل مليشيات تم تجهيزها ليوم كهذا، كان الهدف الانقضاض على السلطة التي اعتبرها البعض حقا خالصا له، وكان “صالح” مستعدا لأن يمد يده بيد الشيطان نفسه لتحقيق هذا الهدف.. وفي الجانب الآخر كان يقف طرف أنصار الله ومكونات أخرى وقوف الحذر والترقب، لقد مرت حادثة أغسطس بسلام بعد أن كان يراد لها أن تكون تاريخا للانقلاب، وكان يجب أن تكون درسا مفيدا لصالح ومن معه..
تفجر الوضع في بعض المناطق كنتيجة حتمية لطموح العظمة الذي أعمى بصيرة زعيم الخيانة.. الناس لم ينجروا للتحريض وكانوا يشعرون بالنقمة من كل هذا الجنون غير المبرر، كان الناس على قلب رجل واحد رغم تباين بعض مواقفهم، كلهم كانوا ضد العدوان وضد كل من يمد يده لمن قتل الأبناء والأحبة من عائلاتهم، وكانت الحياة مستمرة بشكل طبيعي إلا في مناطق الاشتباكات، ورغم ما يحدث كان هناك أمل بأن يتوقف كل هذا الجنون خاصة وهناك محاولات من قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي ومشائخ وقادة عسكريين لكبح جماح الفتنة، ولكن غطرسة الخونة كانت تفوق المنطق الحكيم مستندين على دعم الخارج المعتدي على بلدهم والذي كان يشعرهم بوهم القوة التي ستحسم كل شيء لمصلحتها مهما كان الثمن فادحا..
أذكر يومها أني كنت أنصت للهدوء الحذر مع انقطاع صوت الاشتباكات، عدت للمنزل وأنا أترقب الأخبار عندما أتصل بي صديق لي ليخبرني بانتهاء الفتنة ومقتل عفاش بينما كان يحاول الفرار من نهايته المخزية، لا أذكر أنني أنهيت المكالمة ولكني توجهت للتلفاز لأتأكد من الخبر.. وكم كان الشهيد القوبري دقيقا عندما وصلته أخبار اعتداء مليشيات الخيانة على منزله بسنحان بينما كان في الجبهة فقال أن الفتنة لن تأخذ أكثر من ثلاثة أيام! لقد كان دقيقا لحد مرعب جعلني أشعر بالضآلة لأني لا أملك بصيرة كبصيرته وإيمانا راسخا مثله..
لأول مرة في حياتي وحياة آخرين يكون لديسمبر معنى غير النهايات، لقد صار يأتي أيضا كبداية لفتح صفحة جديدة لنشعر بأننا متحدون أكثر وقد انتهت أسباب الخلافات، كما أن هناك بداية لنفهم بأن الله يأتي بالبراهين أن ميزان القوى بيده هو وقد يأتي التدخل الإلهي في أحلك الظروف.. ديسمبر قد يكون بداية أيضا في المستقبل لنشهد انهيار طواغيت آخرين ولنشهد انتصارا آخر ينتهي به تاريخ القهر والظلم وبداية عصر جديد مليء بالخير تتحقق فيه الأحلام التي ظننا بأنها لن تتحقق.. وهذا ما سنتكلم عنه في وقت آخر.