تصريحات الجبير أبعد عن كونها استغباءً سياسياً

صنعاء متيقظة للفخ السعودي وتختار عسكرياً للرد

 

 

الثورة /ابراهيم الوادعي

كشفت تصريحات عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عن كون السعودية لا تزال تأمل الانتصار في اليمن ، رغم ثبوت فشل الخيار العسكري في اليمن .
واختيار صنعاء وزير الدفاع للرد بشكل مباشر على تصريحات الجبير يكشف عن إدراكها حقيقة تصريحات الجبير ، وكونها تتعدى الغباء السياسي الى العكس من ذلك تماما في ظل استمرار المعركة ورغبة الرياض بإنجاز نصر عسكري .
التناقض في تصريح الجبير الأخير حول اليمن وتنقله من بين الهجوم والكذب الى مغازلة طرف ” انصار الله ” يعود ذلك الى ضربة 14 سبتمبر التي استفاق اثرها العالم بكون المورد الأول للنفط يخوض حربا منذ سنوات وهو يقف على حافة الهزيمة ، و الاعتماد على امدادات النفط السعودي قد لا يكون مأمونا بشكل كبير في ظل انخراطه بحرب مدمرة في اليمن ، وذلك احد الأسباب وراء هرولة الطرف السعودي نحو المفاوضات المباشرة ، وعدم إخفاء ذلك عن العالم بل انتهاج العكس في محاولة لطمأنة كبار المستوردين العالميين للنفط السعودي.
بحسب بيانات اقتصادية، فإن خسائر السعودية جراء توقف مصفاتي بقيق وخريص عقب ضربة 14 سبتمبر 2019 م بلغت نصف مليار دولار ، وهذا الرقم لا يغطي مشتروات السعودية من النفط لتأمين متطلبات عقود عملائها ، وهبوط تصنيف النفط المنتج من العربي الخفيف إلى العربي الثقيل .
ما تخشاه السعودية إن وقعت ضربة نفطية مقبلة هو عزوف العالم عن الاعتماد على نفطها والتحول الى مشترين واعدين ايران او روسيا وبالتالي تفقد مكانتها الدولية المؤثرة في هذا الصدد ، وهو أمر تخشاه أمريكا التي يعتمد قوة الدولار عالميا على استمرار تدفق البترول القادم من السعودية وسياسة ما يعرف بالبترودولار في انجاز مبادلات النفط عالميا ، وحاليا تقوم ايران وروسيا بعمليات بيع واسعة لنفطها باستخدام اليورو كعملة وسيطة او العملات المحلية ، في اطار حرب عملات تتصاعد حاليا بشكل رئيسي بين التنين الصيني وواشنطن.
تخلي واشنطن عن سياستها في السنوات الأخيرة بسحب قواتها من مناطق التوترات في العالم، وإعادة نشر قوات أمريكية مجددا في السعودية يهدف في الدرجة الأولى إلى محاولة تأمين المشترين الرئيسيين للنفط ببقاء السعودية مصدرا رئيسيا للنفط ، بعد فشل السعودية لوحدها في تحقيق ذلك ، وإعطاء الدولار كعملة عالمية دفعة في مواجهة حرب العملات ، وليس لتعليم السعوديين بعد 5 سنوات من القتال كيفية استخدام الأسلحة الأمريكية ، أو استخدامها من قبل ضباط أمريكيين هم يديرونها منذ اللحظات الأولى للعدوان على اليمن ، أي حديث غير هذا هو مجرد هراء .
لا ريب أن القيادة اليمنية وهي تتخذ قراراً استراتيجياً بضرب عصب الاقتصاد السعودي وعصب الدولار كعملة صعبة، كانت تدرك ذلك، وهي تترك الآن الوقت لنتائج هذه الضربة الشجاعة والاستراتيجية لتطفو جميعها على السطح ولا تستعجل الطبخة كما يقولون ، رغم الدعوات الداخلية والإقليمية الى توجيه ضربة مؤلمة جديدة الى السعودية لم تعد وحدها من تتلقاها اليوم بل الحلف الامريكي بأكمله والذي يشكل النفط السعودي بالنسبة اليه عصب الاقتصاد.
محاولة الجبير اظهار السعودية في مشهد الضحية حيلة لا يمكن ان تنطلي على دول العالم، مشهد زهوه وهو يعلن انطلاق عاصفة الحزم من واشنطن قبل سنوات عالق في الأذهان، والإعلام السعودي رسخ ذلك حين كانت الهزيمة غير واردة على الأذهان، أما اليوم فالوضع اختلف بالنسبة الى الرياض الباحثة عن مخرج من اليمن.
تخوف الرياض ومن يدعمها من القدرات المتطورة والكامنة لدى صنعاء، وقد تؤدي الى كارثة اقتصادية قد لا يكون بالإمكان تحملها او معالجة آثارها ، هو ما يجعل السعودية لا تقطع حبل التفاوض، وتريده طويلا لا ينقطع ويستمر معه حصارها او تدخلها العسكري كلما كان ذلك ضروريا في صيغة تهدئة غير واضحة الملامح والوقت، وهو ما تفطن له صنعاء، وتدرك وضع الرياض الضعيف أمامها وقد انكشف لأسلحتها عصب الاقتصاد السعودي والغربي الذي وقف داعما ومسلحا للرياض ، وتصر على وقف لإطلاق النار ورفع للحصار يسبق مائدة التفاوض على الحلول النهائية.
تصريحات الجبير تنبع في حقيقتها من خداع استراتيجي تمارسه الرياض في ايهام صنعاء بأن عقدتها أمام وقف الحرب هي عدم وصولها لقناعة ان اليمن خرج من عباءتها، وهي تحتاج الوقت والصبر للوصول الى القناعة الجديدة، بينما هي تشتري الوقت ليتسنى لوسائل الحرب القذرة كورقة أخيرة واضطرارية لهزيمة اليمنيين، أن تعمل، على غرار ما يجري في العراق ولبنان.
ابقاء الحصار واستمرار السيطرة على موارد الدولة اليمنية، بحسب محللين اقتصاديين ضروريان لشن الحرب القذرة، عبر اشعال التظاهرات المطلبية وتفعيل سلاح المنافقين لخلخلة الجبهة الداخلية لإرباك القيادة اليمنية، وعندئذ يمكن الانقضاض وتحقيق ما عجزت عنه الآلة العسكرية في سنوات، مسرحية سفينة الصواريخ الإيرانية المتجهة إلى اليمن ليست بعيدة عن الخطة السعودية.
ويشير هؤلاء إلى أن الرياض والإمارات وبإيعاز من واشنطن ودعم كامل يجريان تجارب على سلاحها القذر اليوم في لبنان والعراق لإرباك اطراف حلف المقاومة هناك، واذا ما نجحت في احداث تغير ما لصالحها فقد نرى استنساخ هذا السلاح في اليمن ، وقد نرى توقفا للتفاوض الذي تبقيه الرياض لسبيين أساسيين أولهما : طمأنة العالم بأن الرياض ماضية في الخروج من المستنقع اليمني ويمكن الاعتماد عليها كمصدر اول عالميا للطاقة ، والسبب الثاني كسب الوقت وعدم دفع صنعاء لتوجيه ضربة مماثلة لبقيق وخريص.
تصريحات وزير الدفاع اللواء العاطفي لصحيفة المسيرة، واتسامها بالتهديد والوعيد وصولا الى تحديد حول قدرة الجيش واللجان الشعبية على شن هجوم شامل ومستوى إطلاق للصواريخ يبلغ ألف صاروخ في الشهر، يكشف عن تيقظ صنعاء للفخ السعودي والخداع الذي يمارسه الجبير، باختيارها رجلا عسكريا للرد ، وهي تؤكد إدراكها لما يؤلم النظام السعودي، وتعيد التذكير أنها من ستفاجئ، ومن يمسك بلجام الحرب ..

قد يعجبك ايضا