أقبل العيد بحلته الإيمانية والفرائحية وسماته التي تدعو لتعزيز قيم التراحم والتآخي والإحسان والتسامح بين المسلمين ليذكرهم بوحدتهم الأم بعيدا عن التصنيفات السياسية والمناطقية والطائفية وليحيوا أجواء من الصفو التسامح …
> بادئ ذي بدء يقول الداعية صلاح محمد عبدالقيوم : إن للعيد له رسالة سامية بعيدا عن الماديات والتطريزات الدنيوية من المأكل والمشرب والملبس والتي قد يضحي الناس في سبيلها بمئات الآلاف متناسين أو غير مبالين بالطبقات الكادحة والفقيرة والمحتاجة والتي لا تجد قوت يومها أو ما يسد رمقها ومضى بالقول: حتى يغدو الاسراف – للأسف – في النفقات وكسوة اليد أو ما يسمى بالعيدية التي قد تتجاوز الحد المعقول على منهم في الحقيقة في غنى عنها أو بكثرة العزائم والولائم التي لا تراعي حد ولا تقنن بما هو معترف من باب المفاخرة والمجاملة أو تحت مفهوم الكرم والقبيلة.
وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : (وِالِذينِ إذِا أِنúفِقْوا لِمú يْسúرفْوا وِلِمú يِقúتْرْوا وِكِانِ بِيúنِ ذِلكِ قِوِامٍا) وقال تعالى: (وِلِا تِجúعِلú يِدِكِ مِغúلْولِةٍ إلِى عْنْقكِ وِلِا تِبúسْطúهِا كْلِ الúبِسúط فِتِ قúعْدِ مِلْومٍا مِحúسْورٍا) وما يأتي في باب ذلك في العيد من المفاخرة في الملبس بأنه من محل تجاري كذا ويسعره يتجاوز أضعاف أضعافه بحجة أنه عيد فلا بأس إن أسرفنا أو اشترينا أمورا ما أنزل الله بها من سلطان ( يِا بِني آدِمِ خْذْوا زينِتِكْمú عنúدِ كْل مِسúجدُ وِكْلْوا وِاشúرِبْوا وِلِا تْسúرفْوا إنِهْ لِا يْحبْ الúمْسúرفينِ ).
مضيفا : في المقابل نهانا الله عن إنفاق المال في غير موضوعه كالأهواء والضلالات واللهو وذلك ما يحدث بكثرة خاصة في أوقات الأعياد (وِآت ذِا الúقْرúبِى حِقِهْ وِالúمسúكينِ وِابúنِ السِبيل وِلِا تْبِذرú تِبúذيرٍا , إنِ الúمْبِذرينِ كِانْوا إخúوِانِ الشِيِاطين وِكِانِ الشِيúطِانْ لرِبه كِفْورٍا)
إدخال السرور
ومن جهته أوضح الشيخ مصطفى الريمي أن من أحب الأعمال وأعظمها في هذه الأيام العيدية المباركة هو إدخال السرور والسعادة على قلوب المسلمين والتحلي بالبشاشة والابتسامة والأخلاق الحسنة والكلمة الطيبة حيث يقول صلوات الله عليه وسلامه: (أحب الناس إلى الله انفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب المسلم) وقال (أحب الأعمال إلى الله بعد الفرائض إدخال السرور على المسلمين) حتى البسمة في وجه أخيك صدقة والكلمة الطيبة صدقة وإدخال السرور كما ذهب السلف أن تشبع جوعته أو أن تستر عورته وعندما سئل بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم : ما بقي من لذاتك في الدنيا ¿¿¿ قالوا : إدخال السرور على الإخوان. , وليست هناك مناسبة أعظم من أحياء البهجة والفرحة والسرور في قلب أخيك كهذه الأيام المباركة والعظيمة عند الله منزلا ومكانة .
وعن الجرير بن عبدالله البجلي رضي الله تعالى عنه قال: “ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي” فمن لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك أسره الله عز وجل يوم القيامة .
وختم حديثه قائلا: فما أجل أن يكون المسلم متحليا بروح طريفة معطاءة لمن حوله يسعدهم ويفرحهم لا يستمتع بتنغيصهم وأحزانهم كما هو ديدن البعض
اليتامى والأرامل
وتطرق العلامة سليمان محمد منصور إلى ضرورة وأهمية الإحسان إلى الأيتام والأرامل بصورة خاصة والإحسان إليهما بكونهما فقدا معيلهما وفي اليتيم قال صلوات الله عليه وسلامه ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة . وقرن بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام ” وهذا رجل شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال (امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين” فعندما يرى الطفل اليتيم الذي فقد أحد والديه أو كلاهما أقرانهم في العيد يلعبون ويمرحون برفقة آبائهم ويجدون كل ما يتمنوه من كساء وطعام وشراب يدخل ذلك في أنفسهم بشيء من الأسى والحزن ويذكرهم بأبيهم الذي فقدوه وكيف صار حالهم من بعده فعيدهم هو ذكريات مريرة لواقع أشد مرارة ولهذا طوبى لمن يبادر إلى هؤلاء الأيتام بإسعادهم بإعطائهم عسب العيد أو إخراجهم للتنزه واللعب مع أطفالهم , لا قهرهم باللامبالاة والتهميش وفي ذلك يقول المولى عز وجل : ” فِأِمِا الúيِتيمِ فِلِا تِقúهِرú “
موضحا : وفي الإحسان إلى الأرامل الفضل الكبير خاصة في هذه الأيام المباركة حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ” أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرني ( أي تسابقني ) تريد أن تدخل معي الباب فأقول لها : من أنت ¿ فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتام لي” فيكفيك شرفا وفضلا عند الله أن تنفق على هؤلاء الأرامل التي تقاسي وتعاني في الصبر على فقدان زوجها وتربية أطفالها اليتامى فيكون لك الأجر أضعافا مضاعفة في الدنيا قبل الآخرة .
من وصلها وصله الله
من جهته تطرق الشيخ جبري إبراهيم حسن في حديثه إلى فضل صلة الأرحام والتي في وصلها خير دليل على الإيمان بالله واليوم الآخر لحديث ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراٍ أو ليصمت ) . لما ترسمه صلة الرحم من زيادة الألفة والمحبة وإضفاء جو التسامح والأخوة وتوطيد العلاقة الأسرية والتمسك المجتمعي ولما لها من آثار في الرزق في المال والبركة في العمر لقول صلوات الله عليه وسلامه : من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) وقوله : الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله .
موضحا : إن هناك بعض الناس يجعل الخلافات البينية والأسرية مانعا وحائلا وحجة لعدم قيامه بصلة رحمة وبعضهم يلقى الإهانة والشتم من أقاربه إذا زارهم أيضا لخلافات أسرية متوارثة فيجد في القطيعة راحة وسلام مع أن الأسباب مهما بلغت لا يجوز اتخاذها ذريعة لقطيعة الأرحام لحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاٍ قال : يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إن كنت كما قلت فكأنما تْسفهم المِل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك وقوله : (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) . ولا نغفل عنها في العيد خاصة تحت أي حجة فهي سبب من أسباب دخول الجنة : فيا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلون الجنة بسلام )
التقرب إلى الله
وتؤكد الداعية منى العيني أن هذه الأيام العظيمة هي موسم التقرب والعودة الصادقة إلى الله بالصدقات للمحتاجين والفقراء والإنفاق في شتى جوانبه ( يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْواú أِنفقْواú من طِيبِات مِا كِسِبúتْمú ) وقوله تعالى : ( قْل لعبِاديِ الِذينِ آمِنْواú يْقيمْواú الصِلاِةِ وِيْنفقْواú ممِا رِزِقúنِاهْمú سراٍ وِعِلانيِةٍ من قِبúل أِن يِأúتيِ يِوúمَ لاِ بِيúعَ فيه وِلاِ خلاِلَ ) وإلى جانب الأمر الإلهي فللصدقة ثمار وفوائد أنها تمحو الخطيئة وتطفئ غضب الرب وتقي من النار ويظله الله بظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله وقد قال صلوات الله عليه وسلامه : داووا أمراضكم بالصدقة وقوله : (إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين وامسح على رأس اليتيم ) فلِن تنالوا البحر حتى تنفقوا مما تحبون وما نقص مال من صدقة .
عيد التسامح
ودعا الشيخ عبدالرحمن زكري إلى إضفاء روح التسامح والمحبة والثني عن الخلافات الحزبية والمناطقية والطائفية وتقديم رابطة الدين والدم فوق كل شيء والعفو عن كل ما مضى (خْذú الúعِفúوِ وِأúمْرú بالúعْرúف وِأِعúرضú عِنú الúجِاهلينِ) , ( وِلúيِعúفْوا وِلúيِصúفِحْوا أِلاِ تْحبْونِ أِنú يِغúفرِ اللِهْ لِكْمú ) , فلنجعل هذا العيد شعارا واقعيا لصفاء القلوب وتطهيرها من الضغائن والأحقاد المتصدية للقلوب فرحم الله امرئ سمحاٍ إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى) .
وقال : لا يخفى على أحد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه في المسجد : يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة , فدخل رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده فسلم على النبي وجلس ولما كان أمس الثاني قال: يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة : فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس تنطف لحيته من وضوئه مْعلقاٍ نعليه في يده فجلس ثم في أمس الثالث فقال عبدالله بن عمرو بن العاص : فقلت في نفسي : والله لأختبرن عمل ذلك الإنسان فعسى أن أوفق لعمل مثل عمله فأنال هذا الفضل العظيم أن النبي أخبرنا أنه من أهل الجنة في أيامُ ثلاثة. فأتى إليه عبدالله بن عمرو وطلب أن يبيت عنده ثلاث ليال قال : لا بأس قال عبدالله : فبت عنده ثلاث ليال والله ما رأيت كثير صلاةُ ولا قراءة ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب ذكر الله فإذا أذن الصبح قام فصلى فلما مضت الأيام الثلاثة.
قلت : يا عم رسول الله ذكرك في أيامُ ثلاثة أنك من أهل الجنة فما رأيت مزيد عمل !! قال : هو يا بن أخي ما رأيت قال : فلما انصرفت دعاني فقال : غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا أحسد أحداٍ من المسلمين على خير ساقه الله إليه قال له عبدالله بن عمرو : تلك التي بلغت بك ما بلغت وتلك التي نعجز عنها “.