على طريق الاحتفال بالمولد النبوي”6 “
عبدالفتاح علي البنوس
قال تعالى ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) هذا الأمر والتوجيه الإلهي الصريح والحازم لنا جميعا بأداء الأمانات وتسليمها إلى أهلها ، والحكم بالعدل ليتحقق الإنصاف وتستقيم الأحوال ويعم الأمن والاستقرار الأوطان ، وتعم الطمأنينة والراحة النفسية القلوب والأنفس ، فالعدل أساس الحكم ، وقد حث الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك في هديه النبوي المحمدي ، وحذر من مغبة الظلم والتعسف وغياب العدالة والإنصاف ، متوعدا من يحكمون بغير ما أنزل الله بنار جهنم والعياذ بالله منها.
وإذا ما ساد العدل والإنصاف فإننا سنحصد الخير الوفير في كل شؤوننا ، وسيخرج الله لنا خيرات الأرض وينزل علينا بركات السماء ، وسيعم الخير والنفع البلاد والعباد ، وتحقيق العدالة والإنصاف مهمة منوطة في المقام الأول بأهل الحل والعقد من القضاة والمشائخ والوجهاء الذين يقومون بالنظر في قضايا المواطنين والفصل فيها ، والذي منح المشرع اليمني أحكامهم صفة قضائية، معتبرا إياها أحكاما قضائية ابتدائية ، فهؤلاء جميعا على المحك ، وعليهم تقع المسؤولية في الانتصار للحق وقهر وإزهاق الباطل ، وتحقيق العدل والإنصاف دونما محاباة أو مجاملة أو إهدار ومتاجرة بالحقوق ومنحها لغير أهلها تحت إغراء المال المدنس ، أو نتيجة لضغوطات من قوى نافذة أو متسلطة خدمة لمصالح نفعية رخيصة ومبتذلة.
لقد أرسى الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قيم العدل والمساواة ، ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالعدالة والإنصاف ، فكان القدوة والمثل الأعلى في ذلك ، وصار مضرب المثل حتى لدى كفار قريش في الصدق والأمانة والعدل والإنصاف ، إنه رسول العدل والحق ، وعلى قضاة اليوم قبل أن يقيموا الاحتفالات بمولده في محاكمهم أن يكونوا قضاة عدل وإنصاف كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى آله ، المظالم في المحاكم كثيرة ، والعدالة باتت مغيبة تماما إلا عند من رحم الله ، العدل في المحاكم مفقود ، والشكاوى التي ترد إلى التفتيش القضائي رغم كثرتها إلا أنها تظل محدودة قياسا على عدد المظالم التي لا يمتلك أصحابها القدرة والإمكانيات المالية التي تتيح لهم تقديم شكاواهم إلى التفتيش القضائي وهيئة الإنصاف.
بالمختصر المفيد، القاضي أو المحكَّم الذي لا يقضي ويحكم بالعدل قدوته الشيطان الرجيم ، ولا صلة له بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يحتاج له ولأمثاله (من قليلي الدين والذمة) ليحتفلوا بمولده ، فالله لن يتقبل إلا العمل الصالح ، ولن يقبل إلا من الصالحين ، فيا من تدعي حبك للنبي وأنت تحكم بالباطل وتقف في صفه وتسانده وتدافع عنه على حساب الحق والعدل وأهليهما ، صحح مسارك (انتبه لنفسك) ، الدنيا بكل ملذاتها ومغرياتها قليلة مهما كثرت في عينيك ، وزائلة وفانية مهما ظننت أنها دائمة لك ، وليكن احتفالك بالمولد النبوي فرصة لمراجعة حساباتك وإعلان التوبة والإقلاع عن الظلم والقهر والتعسف ، فإياكم والغفلة والتهاون في حقوق العباد ، فالعاقبة وخيمة ، فكونوا قضاة عدل وحق وانصاف ، وليكن الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قدوتكم ومثلكم الأعلى حينها ستلمسون أثر الاحتفال بالمولد النبوي في أنفسكم وفي أولادكم وأموالكم.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.