حركات وجبهات تحرير الجنوب.. برع يااستعمار
وقبل الحديث عن ثورة أكتوبر التي نحتفل هذه الأيام بالعيد الذهبي لانطلاقها وأبطالها لا بد أن نتحدث عن مآرب وأطماع الاستعمار في المنطقة الجنوبية لليمن فقد توالت على عدن الكثير من القوات الطامعة والدول المستعمرة وكان في مقدمة هذه الدول دولة “بريطانيا”.. وتذكر المراجع التاريخية أن بريطانيا قامت عام 1835م بإرسال الكابتن هينز أحد ضباط البحرية إلى منطقة خليج عدن لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكون قاعدة بحرية ومستودعا للسفن البريطانية.. والذي أشار بدوره -الضابط هينز- في تقريره إلى ضرورة احتلال عدن لأهميتها الاستراتيجية.. حتى جاء عام 1837 لترسو بالقرب من ساحل عدن سفينة هندية يطلق عليها “دوريادولت” ترفع العلم البريطاني لتكون هذه السفينة “مسمار جحا” ومبرراٍ للبريطانيين حيث ادعوا أن سكان عدن هاجموا السفينة ونهبوا بعض حمولتها ولم يكتفوا بذلك بل اتهموا ابن سلطان لحج وعدن بأنه من المحرضين على نهب تلك السفينة.. لترسل الحكومة البريطانية الكابتن هينز لإجراء مفاوضات مع سلطان لحج والتي باءت بالفشل ورغم أن سلطان لحج أبدى استعداده لدفع قيمة البضائع التي أدعي أنها سرقت إلا أن المندوب البريطاني رفض ذلك حتى يصل إلى مبتغاه وهو احتلال عدن.. حتى جاء يوم 19 يناير عام 1839م لتقوم شركة الهند الشرقية بإرسال مشاة البحرية الملكية إلى شواطئ عدن وتقوم مدفعيتها -الأسطول البريطاني- بضرب مدينة عدن وتقوم حرب غير متكافئة بين الانجليز وقبيلة العبدلي ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة لتسقط عدن وتكون تحت السيطرة البريطانية.
مقاومة
> وبعد دخول البريطانيين عدن عملوا على إزاحة الحكام المصريين من جنوب اليمن ونجحوا في ذلك كما عملوا على توسعة نفوذهم في الجنوب من خلال الإغراءات والمال.. وحينها ظهرت حركات مقاومة مثل جبهة التحرير القومية المدعومة من المصريين وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ليكون هدفها تصفية القواعد وجلاء القوات البريطانية من أرض الجنوب دون قيد أو شرط وإسقاط الحكم السلاطيني وإعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيرا نحو الوحدة العربية والإسلامية واستكمال التحرر الوطني بالتخلص من السيطرة الاستعمارية الاقتصادية والسياسية وإقامة نظام وطني على أسس ثورية سليمة يغير الواقع المتخلف إلى واقع اجتماعي عادل ومتطور وبناء اقتصاد وطني قائم على العدالة الاجتماعية يحقق للشعب السيطرة على مصادر ثرواته.
عمليات
> ويسجل التاريخ سلسلة من الأحداث التاريخية التي قامت بها المقاومة الشعبية نذكر منها أن عدن شهدت حوالي 30 إضراباٍ عمالياٍ في مارس 1956م وفي يونيو من العام نفسه قام الثوار في بيحان محافظة شبوة بالهجوم على المركز الحكومي وقد شهدت المحميات الغربية في فبراير 1957م أكثر من خمسين حادثة معظمها إطلاق نار على المراكز البريطانية وعلى المسؤولين المحليين في كلُ من ردفان وحالمين والضالع وفي 22 أبريل 1958م قامت قبائل الشاعري والدكام والحميدي والأحمدي والأزرقي والمحاربة وجحاف وبني سعيد وحالمين وردفان باحتلال مركز السرير في جبل جحاف بقصد السيطرة عليه وفي 19 يوليو 1958م اندلعت اتنفاضة قبائل سيسان و المناهيل في حضرموت كما قامت قبائل الربيزي في العوالق في مارس 1959م بإجبار القوات البريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية التي أقاموها في العوالق فقامت القوات البريطانية بقصف مناطق تلك القبائل بواسطة الطيران ما أدى إلى استشهاد عدد من الثوار وأحرقت المزارع وأبيدت المواشي وتشردت الأسر ولجأ الثوار إلى الجبال لمواصلة المقاومة.. وخلال الفترة من 1958 – 1956م شهدت الانتفاضات في المحميات الغربية والشرقية اطراداٍ في الكم والكيف نتيجة للمد الثوري العربي الذي خلفته الثورة العربية في مصرِ منذ قيامها في عام 1952م وتنامي الوعي الوطني بأهمية النضال ضد المستعمر واستفادت المقاومة الشعبية من الدعم المحدود الذي قدمه الإمام أحمد لهاº إلا أن الإمام تراجع أحمد بعد أن شعر بخطورة تنامي الوعي الوطني في الشمال والجنوب على حدُ سواء ضد حكمه والحكم البريطاني فتوصل إلى حلول مع البريطانيين قام إثرها بقطع كافة أشكال الدعم والمساندة على رجال المقاومة الشعبية فكان نتاج ذلك زيادة الهجمة العسكرية البريطانية ضد القبائل الثائرة التي لم تجد معظمها – وخاصة القيادات – من وسيلة سوى اللجوء إلى المناطق الشمالية أو الهجرة إلى دول عربية مثل الكويت والسعودية
تكتلات
> ومن التكتلات التي تكونت للمقاومة وطرد الاستعمار البريطاني تكونت عام 1957م جبهة أسميت (العاصفة العدنية) بقيادة محمد عبده نعمان الحكيمي الأمين العام للجبهة الوطنية المتحدة وكانت تذيع برنامجاٍ إذاعياٍ من إذاعة صنعاء باسم (صوت الجنوب) و24 فبراير 1963م عقد في دار السعادة بصنعاء مؤتمر “القوى الوطنية اليمنية” حضره أكثر من 1000 شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة من فرع حركة القوميين العرب. وقد توصل المجتمعون خلال أعمال المؤتمر إلى اتفاق لتوحيد جميع القوى الوطنية اليمنية في إطار جبهة موحدة. وجرى في المؤتمر استحداث مكتب تكون مهمته وضع مشروع ميثاق مؤقت للتنظيم الجاري تشكيله وذلك على هيئة نداء إلى جميع القوى التي تؤمن بوحدة الحركة الوطنية اليمنية في النضال لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة وتحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الأجنبي حيث استقر الرأي على تسمية هذه الجبهة باسم “جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل” أخذت في أغسطس من نفس العام تسميتها النهائية “الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل” على أساس الاعتراف بالثورة المسلحة أسلوبا وحيدا وفعالا لطرد المستعمر. وقد تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل لجنة تحضيرية من الشخصيات والقيادات المشاركة فيه كان على رأسها قحطان محمد الشعبي وبعد اجتماعات عدة عقدتها اللجنة التحضيرية .
البداية
> وفي أغسطس 1963م استقبل أبناء ردفان الثوار العائدين من شمال الوطن بقيادة راجح بن غالب بن راجح لبوزة بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الوليدة.. انطلقت الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر في 1963م ضد الاستعمار البريطاني وذلك من جبال ردفان بقيادة راجح لبوزة الذي استشهد مساء ذلك اليوم.. استمر النضال المسلح حتى قام خليفة عبدالله خليفة في العاشر من ديسمبر 63 بتنفيذ عملية فدائية وتفجير قنبلة في مطار عدن أسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني “تريفاسكس” بجروح ومصرع نائبه “جورج هندرسن”.. وفي اليوم التالي صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة قضى بحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل وحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني.. واستمر كفاح المقاومة حتى جاء عام 1965م لتعترف الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب طبقاٍ لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
النهاية
> وقتها أعلن المستعمرون البريطانيون حالة الطوارئ لتعمل على إيجاد تحالف باسم الجنوب تضم السلاطين لتخفيف حدة المقاومة ومواجهتها.. إلا أن المقاومة لم تأل جهدا في مواصلة الحركة النضالية واستمرت هجمات المقاومين والفصائل التحريرية وبعد سلسلة من المعارك للثوار والمقاومة والحركات والجبهات في مختلف المناطق لعدة سنوات كردفان والضالع واشتداد العمليات الفدائية من الفدائيين على معاقل وقوات الاستعمار المنتشرة في المناطق الجنوبية رفضا منها لاستمرار الاستعمار وتواجد البريطانيين على أرض الجنوب أصدرنا الجامعة العربية في 8 مارس 1967م قراراٍ تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن.. وما هي إلا شهور حتى أعلنت وزارة الخارجية البريطانية في 14 نوفمبر 67 بأن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967م لتبدأ المفاوضات في جنيف ولتبدأ القوات البريطانية بالانسحاب من عدن في 26 نوفمبر وليغادر الحاكم البريطاني هامفري تريفليان وليخرج آخر جندي بريطاني من مدينة عدن في 30 نوفمبر 67 ويتم إعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بعد احتلال بريطاني دام 129 عاما.
ثوريون
> وتزخر الذاكرة الثورية لثورة أكتوبر بشخصيات ثورية برزوا في العمل النضالي والفدائي لتحرير المنطقة الجنوبية من الاستعمار البريطاني ومن هؤلاء قحطان محمد الشعبي وناصر علوي السقاف وعبدالله المجعلي ومحمد علي الصماتي وثابت علي المنصوري ومحمد أحمد الدقم وبخيت مليط الحميد وأحمد عبدالله العولقي وعيدروس حسين القاضي وأحمد علي الكاظمي وعبدالله محمد الصلاحي وكما تقول المصادر أن هؤلاء شكلوا هيئة تحرير الجنوب اليمني في نهاية 1962م.. ومن المناضلين أيضا سالم زين محمد وجعفر علي عوض وطه أحمد مقبل وعلي أحمد السلامي وعوض الحامد وصالح المجعلي ومحمد الصماتي وثابت المنصوري الذين كانوا يشكلون لجنة الاتصال مع الشمال للإعداد والتهيئة للثورة في المناطق الجنوبية.. وغيرهم أمثال عبدالفتاح إسماعيل وماهر محفوظ خليفة مهيوب غالب…. وآخرين كثر.
سجناء
> وهنا لا بد من الإشارة إلى إحدى الكشوفات التي ضمت مجموعة من المسجونين في السجون الاستعمارية وهم عبدالعزيز عبدالله سلام وأبوبكر علي شفيق وفاروق مكاوي وعبدالكريم سلام وعبدالواسع قاسم نعمان وراشد محمد ثابت ومحمد عبده راجح وأحمد عبده راجح ونور الدين قاسم وأحمد عبده طاهر وعبدالرحمن فارع وخالد عبدالله قاسم وحسن السقاف وأحمد محمد سعيد والحاج عبدالرحيم كركندة ومحمد عبدالله التيس ويوسف عبدالقادر ومحمد علي جرجره ويوسف أحمد عبدالله وصلاح الدين عبدالرحمن وطه أحمد غانم وعلي صالح علي وسعيد عثمان مثال وسليمان ناصر ومحمد سعيد عبدي وياسين أحمد سعيد وعلي عمر ومحمد عوض مدرار ومحمد أحمد باشا وعلي محمد ضالعي وحسن عبدالله جان.
مناضلات
> وتذكر المراجع التاريخية بعض النساء اللاتي شاركن في العمل الثوري والنضالي ضد الاستعمار البريطاني حتى جلائه من الأراضي الجنوبية ومن هؤلاء النسوة الشهيدة لطيفة الشوذري التي تعتبر رمز نضال المرأة والتي كانت من الخمسة الأوائل الذين استشهدوا في ثورة 14 أكتوبر.. وكذلك المقاتلة أم محمد أحمد صالح والمناضلة أنيسة الصائغ التي لعبت دورا بارزا في العمل التحرري والمناضلة رجاء أحمد وزهرة هبة الله التي كانت مسؤولة التنظيم النسائي في الحركة الثورية والتحررية والمناضلة عائدة يافعي والتي لم تكل من العمل النضالي ضد الاستعمار البريطاني.
