روسيا والعودة إلى القارة السمراء

 

عواصم /وكالات
لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي استضافت روسيا اجتماعاً مشتركاً مع عشرات الدول الإفريقية.
عُقد الاجتماع بين روسيا والدول الإفريقية في سوتشي، حيث استضافت الرئاسة الروسية قادة وزعماء 47 دولة إفريقية.
بالإضافة إلى الزعماء والشخصيات السياسية حضر الآلاف من رجال الأعمال والناشطين الاقتصاديين من روسيا وإفريقيا، وناقشوا الشراكات المشتركة.
روسيا ومنذ عقود- عندما كانت تعرف باسم الاتحاد السوفياتي- كانت تقوم بإجراءات ملحوظة في إفريقيا كدعم حركات التحرير في: أنغولا، موزمبيق وغينيا ، والتوترات بين أوغندا والكونغو ودعم النظام اليساري الإثيوبي، وهذا لم يكن سوى جزء من تحركات الحركة السوفيتية في إفريقيا.
لكن هذه التحركات انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي، وعلى مدار العقود القليلة الماضية على الأقل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي لم تلعب روسيا دوراً بارزاً في إفريقيا، والآن يبدو أن الاجتماع المشترك الكبير لروسيا مع القادة الأفارقة هو محاولة للعودة إلى إفريقيا.
منذ عام 2014م، وعندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية بدا أن النظام السياسي الدولي آخذ في التغير.
حتى ذلك الحين كان استعراض روسيا قوتها في النظام الدولي مقتصراً على بعض الشعارات والخطابات، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تتمكن روسيا الجديدة أبداً من تثبيت موقعها العالمي، لكن انضمام شبه جزيرة القرم أظهر أن تغييرات كبيرة في الطريق.
بعد شبه جزيرة القرم قدّمت روسيا الدعم المباشر والكامل للحكومة السورية بالقرب من البحر الأبيض المتوسط، ومن الناحية العملية كانت في الخندق المعارض للجماعات المسلحة والإرهابية التي كانت مجهزةً ومدعومةً من الغرب للإطاحة بحكومة بشار الأسد.
في هذه المرحلة أيضاً، نجحت روسيا إلى جانب إيران في بناء حكومة مستقرة ومتنامية من حكومة بشار الأسد التي كانت في حالة ضعف وانهيار.
وحتى بعد عامين وصل الحال بالاتجاه المتزايد للتحركات الروسية إلى التأثير على انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2017م، واشتكت الدوائر المحلية الأمريكية صراحةً من دور روسيا في تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ورغم أنه تم رفض هذه الادعاءات من قبل موسكو وعدم إثباتها مطلقاً في أمريكا، ولكن حتى الدول الأوروبية الأخرى أعربت في وقت لاحق عن مخاوف مماثلة بشأن تأثير روسيا في نتائج انتخاباتها السياسية.
والآن أيضاً يُظهر اجتماع روسيا المشترك مع أكثر من 45 دولة إفريقية ترسيخ الدور الروسي العالمي أكثر من البعد الاقتصادي للاجتماع، وبالنسبة للمراقبين الدوليين فإنه يثبت تعزيز روسيا لدورها من لاعب إقليمي إلى لاعب دولي.
في الوقت نفسه ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، منذ 2015م حتى الآن، أي على مدى السنوات الأربع الماضية زار 12 رئيساً إفريقياً على الأقل موسكو، وقد التقوا الرئيس فلاديمير بوتين.
وبعبارة أخرى على مدى السنوات الأربع الماضية سعت ثلاث دول إفريقية للسفر إلى روسيا وتعزيز التعاون الثنائي كل عام في المتوسط، وتظهر هذه الإحصاءات أن العملية التي بدأتها روسيا لتوسيع نفوذها وعلاقاتها مع الدول الإفريقية قد نجحت حتى الآن، وساعدت في توسيع هذه الشراكات، وذروة هذه الشراكات الاجتماع المشترك الأخير في مدينة سوتشي الروسية.
تتمتع البلدان الإفريقية بثقل سياسي كبير في المنظمات الدولية، ومن حيث الكمية فإن لها ثقلاً ملحوظاً في المنتديات العالمية.
كما أن جزءاً كبيراً من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز يتكّون من الدول الإفريقية التي لديها أصوات حاسمة، وينتمي ربع أعضاء الأمم المتحدة وثلاثة مقاعد في مجلس الأمن إلى البلدان الإفريقية التي يمكنها دعم الحركات الدبلوماسية الروسية إذا لزم الأمر.
من ناحية أخرى فإن توسيع النفوذ الروسي في إفريقيا يعتبر ميزةً ضد منافسي الروس الدوليين الآخرين، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي وأمريكا، ومن هذا المنظور فإن قرب روسيا من الدول الإفريقية له أهمية ملحوظة أيضاً.
كذلك تعتبر إفريقيا سوقاً متناميةً للروس ، وبصرف النظر عن السوق والعملاء التجاريين والاقتصاديين الأفارقة لروسيا تنظر جيوش الدول الإفريقية إلى روسيا كشريك آمن في توفير الأسلحة والمعدات اللازمة.
إن دعوة رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى الرئيس الروسي لإبرام صفقات الأسلحة والمشتريات العسكرية على هامش قمة سوتشي الأخيرة توضح مدى جاذبية السوق الإفريقية لصناعات الأسلحة الروسية.
كما أن بدء المحادثات لبناء قاعدة عسكرية روسية في إفريقيا الوسطى سوف يضاعف من أهمية المنطقة لقادة موسكو، وسيجعل إفريقيا تبدو كمكان جديد للمنافسة الروسية والأمريكية والغربية.

قد يعجبك ايضا