الشرق السوري في قلب العاصفة من جديد … ماذا عن التفاهمات التركية– الأمريكية !؟
هشام الهبيشان
رغم حديث بعض المتابعين عن وجود خلافات مفصلية بين التركي والأمريكي لما يسمى بمستقبل المنطقة الآمنة بشمال شرق سوريا ،يبدو واضحاً ان ما وراء الكواليس لما يجري في الغرف المغلقة في أنقرة وواشنطن اليوم يظهر أنّ هناك مشروعاً تركياً – أمريكياً يستهدف البدء بإنشاء هذه المنطقة ، وما مغازلة واشنطن الأخيرة لأنقرة بعد حملة تهديدات بعقوبات لامثيل لها في التاريخ بعد انطلاق عملية الغزو “نبع السلام “للأراضي السورية ،ما هو إلا دليل يؤكد ، أن الظروف السياسية وعلى الارض قد باتت مهيأة لإنشاء هذه المنطقة وبحجج واهية، وإقامة مناطق “آمنة ” ستتحول لمناطق حظر جوي بأقصى الشمال والشمال الشرقي السوري، وكلّ هذا سيتمّ بحجج إعادة اللاجئين السوريين الى وطنهم وتوفير مناطق آمنة لهم.
وهنا وليس بعيداً عن عمق وطبيعة التفاهمات التركية – الأمريكية بخصوص المنطقة الأمنة ، فهنا يجب توضيح مسألة هامة ،وتزامناً مع استمرار حالة الغموض حول الانسحاب الأمريكي من منطقة شمال شرق وشرق سوريا ،وترك الأكراد لوحدهم يواجهون مصيرهم المجهول ،فعملية الغزو “نبع السلام “تستهدف بالعمق مناطق كانت تحسب من حيث النفوذ على الأكراد ، فالمنطقة الآمنة من وجهة نظر أنقرة تشمل مدنا وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة، وستكون تحت الادارة التركية ، وتمتد على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 20 ميلا (32 كيلومترا). وأبرز المناطق المشمولة في المنطقة الآمنة، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرّين (محافظة حلب)، وعين عيسى (محافظة الرقة). كما تضم المنطقة الآمنة التي يريدها الأتراك مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، والعربية، والمالكية (محافظة الحسكة)… وكذلك ستضم المنطقة الآمنة حسب ما يخطط له الأتراك كلا من عين العرب (حلب)، وتل أبيض (الرقة).
ولكن هنا ،وفي شق آخر ،يجب توضيح مسألة هامة جداً ،فهنا يبدو واضحاً انّ هذا المسعى التركي- الأمريكي ، المدعوم ببعض أجندة إقليمية ودولية لإقامة مناطق نفوذ “آمنة “بشمال سوريا، سيصطدم بمجموعة «لاءات» سورية – روسية – إيرانية، رغم حديث البعض عن وجود دعم ما روسي “للتركي ” للتركي بهذه الخطوة ، ولكن الحقائق على الأرض تنفي وجود أي دعم روسي لبقاء هذه المناطق تحت سيطرة التركي “مستقبلاً ، إضافة الى «لاءات» إيران المعارضة لأيّ تدخل خارجي بسوريا تحت أيّ عناوين، وعلينا هنا أن لا ننسى أنّ الجمهورية العربية السورية ما زالت بما تملكه من قدرات عسكرية قادرة على إسقاط أيّ مشروع علني لتدخل خارجي مباشر أو غير مباشر بسوريا ، وحديث الرئيس الأسد الأخير من إدلب ،يؤكد ذلك .
ختاماً، وهنا نستطيع أن نقرأ بوضوح وخصوصاً بعد الإعلان عن بدء مسار تفاهمات التركي والأمريكي بخصوص ما يسمى بالمنطقة الآمنة ،أنّ القوى الاقليمية والدولية وخصوصاً أمريكا وتركيا، قد عادت من جديد لتمارس دورها في إعادة صياغة ورسم ملامح جديدة لأهدافها واستراتيجياتها المستقبلية بالحرب المفروضة على الدولة السورية بكلّ أركانها، وما هذا التطور إلا جزء من فصول سابقة، عملت عليها الاستخبارات التركية والأمريكية ، منذ سنوات عدة ولليوم، فهي عملت على إنشاء خطط بديلة ، بحال تعثر خططها العسكرية ،والعودة للحديث الآن عن المناطق الآمنة ، يؤكد حقيقة تبني مشروع الحرب على سوريا من قبل تركيا وأمريكا ، ووضع كل السيناريوهات اللازمة لإنجاح فصول هذه الحرب ، وفكرة المنطقة الآمنة قد طرحت لأول مرة من قبل تركيا خلال الزيارة التي قام بها أردوغان إلى واشنطن في مايو 2013، والعودة لتبنيها اليوم يؤكد حقيقة ،أن مشروع الحرب على سوريا لم ينته لليوم ،ومازالت دوائر الاستخبارات العالمية المنخرطة بالحرب على سوريا ،تضع كل خططها البديلة موضع التنفيذ والتفعيل حال الحاجة لها .
ومن هنا فإنّ المرحلة المقبلة تحمل العديد من التكهّنات والتساؤلات حول تطور الأحداث على الجبهة الشمالية الشرقية والشمالية السورية، التي أصبحت ساحة مفتوحة لكلّ الاحتمالات، والآتي من الأيام من الأرجح سوف يحمل المزيد من الأحداث المتوقعة وغير المتوقعة ميدانياً وعسكرياً على هذه الجبهة تحديداً.
* كاتب صحفي أردني