عبدالله هاشم السياني
سلام الله عليك ما أنت من رجل جئت من شِعْب بني معاذ بصعدة تسعى فدخلت في مضمار (السابقون السابقون) مبكراً فكنت واحداً منهم عندما عز الناصر وتخلى المؤمن وتنكب الأقربون ،لم تكن وقتها تحلم وتطمح إلا أن تكون صوت ذالك الآتي من أقصى بني معاذ منادياً ياقوم اتبعوا صاحب هذه الثقافة القرآنية من لايسألكم أجراً وهم بها من المهتدين .
كان كل همك يومها محصوراً في كيف تقدم ما تستطيعه لنصرة هذه المسيرة وتكون أحد شبابها المخلصين الذين يَرَوْن في التضحية أقرب الطرق الى الله وهي الصراط المستقيم؛ حينها كان الأفق أمام أصحاب السيد حسين ومساحة التحرك محدودة وكانت مسيرة المكبرين وأصحاب الشعار قلة من الشباب االذين ينظر إليهم الناس باستغراب وتساؤل وحيرة ممزوجة بالاستنكار والرفض أحياناً وبالعداء أحياناً أخرى .
ومع ذلك اخترت الغربة والملاحقة والتشكيك والتهم ، وسخط الدولة والنظام والأمن والمشائخ والجيش وفضلت مقاطعة وغضب الأقربين والأصحاب والأساتذة لأنك قد عشقت وتحررت ووجدت ما كانت روحك تهفو إليه لقد عرفت ربك وتعرفت على القرآن بطريقة لم نعهدها من قبل ، لقد اكتشفت لأول مرة أن نصوص القرآن أصبحت حية وصارت جزءاً من حركتك وسلوكك ومواقفك بل تحولت إلى ثقافة عملية تشعر بلذة وعزة مع كل أمر الهي تقوم به وتعمل على تطبيقه في واقع الحياة
نعم ما أجملها من حياة عندما يشعر المرء فيها بوضوح الرؤية في كل شيء يقابله أو يفكر فيه أو يراه ، وبعد أن يعرف قيمة وجوده ودرجة مسؤولياته كعبد تملكته العبودية لله لا لغيره ، وحين يشعر أن لا قوة فوق قوة الله رب السموات والأرض ، وأن كل ما كان كبيراً من دولة وسلطة وحكومة ورئاسة ومخابرات صارت صغيرة بل وضعيفة بل ولا تملك حولاً ولا قوة..
بهذه المفاهيم والمشاعر الإيمانية انطلق الشاب صالح الصماد كواحد من أبناء المسيرة القرآنية لذا كانت حياته كلها حافلة -في كل مراحلها وبدون استثناء – بالعطاء والتضحية وكان ديدنه فيها هو الاجتهاد وبذل الجهد في كيف ينشر هذه الثقافة كيف ينصر هذه المسيرة وكيف يكون أحد مداميك صمود اتباعها والمنتمين إليها.
كل الذين عرفوك وعايشوك لا يذكرون ولا يتذكرون من حياتك سوى العطاء المتحلي بالبساطة والتواضع والمنطلق بإخلاص لله وحده ، كنت في نظرهم القائد المقدام الذي تشق لهم طريق الجهاد بكل أنواعه من حمل السلاح الى حمل هم الشهداء وأسر المجاهدين ولم تكن يوماً جباناً في تحميل نفسك الخفيفة كل أثقال الديون التي لا تنفقها على نفسك أو على أهلك بل كانت كلها تذهب في سبيل الله وكنت راضٍ ومستريحاً مهما بلغت تلك الديون.
وهكذا مضت حياتك مع الله في حروب صعدة وما بعدها وكنت كغيرك من أتباع المسيرة القرآنية قد بعت من الله نفسك ومالك وأهلك وكل ما تملك وصرت مطمئن القلب أن الدنيا قد طلقتها وأخرجتها من نفسك بما في ذلك روحك الساكنة في جسدك وعندها صارت حياتك كلها موصولة بالله وسائرة في سبيله وتحول قلبك وعقلك ونفسك وكل تصرفاتك محكومة بشفافية لمسها كل من سمعك وعايشك وكل من شاء الله ان يكون من رفقاء دربك.
أما في صنعاء العاصمة فكان لك دور آخر وصورة متجددة عبرت من جديد عن ثقافتك القرآنية بروح لم تعهدها أروقة السياسة نعم لقد تحولت في العاصمة صنعاء من مجاهد يحمل السلاح على كتفه ولا يفارقه خوفاً من التفريط إلى رجل سياسة يلتقي ويحاور ويفاوض ويواجه المعتقين من السياسيين وأصحاب السلطة الذين ذابت في دمائهم كل وسائل المكر والدهاء والخديعة.
كنت تقابلهم بصفاء قلبك الفطري وروحك المتعلقة بالقرآن وتتصرف بتلقائية أساسها الحرص كل الحرص الالتزام الصارم بما أمرك به بربك في التعامل معهم ولم تكن تدري أن التزامك بالدِّين وتعلقك بربك في كل تصرفاتك ومواقفك هو عين السياسة التي أذهلت كل من راقبك أو دخل معك في سجل المناورات والخديعة.
لم تلبث أن وجدت نفسك في قمة هرم السلطة والجميع يتعاملون معك كرئيس بكل ماله من حقوق ومجاملات وهيبة ومكانة لكنك لم تكن حينها تحس أو تشعر بأبهة السلطة التي التفت حولك وحاولت تطويقك لأنك وبكل بساطة لم تخرج من تلك الحالة التي انطلقت منها في شعب بني معاذ ظللت ترى نفسك ذلك المجاهد الصغير الذي لاعمل له سوى العطاء والتضحية والارتباط بربه في كل أحواله مع أن كل من كان حولك يعيش الرئاسة إلا أنت فقد كنت تعيش في أجواء أخرى لا يعرفها أكثر من حولك كنت مع الله الذي نذرت وبعته منه كل ما تملكه وكل ما يخصك منها كنت تعيش مع معاني القرآن وتوجيهاته في كل صغيرة وكبيرة كان همك أن توصل الثقافة القرآنية إلى كل الناس ليعيشوا ما تعيشه من هناء وسعادة ورضى ولذا فلا غرابة إن كانت كل تصرفاتك ومواقفك وآرائك انعكاساً صادقاً لآيات القرآن الكريم الذي حملته في أحشائك وبين ضلوع صدرك.
لم يكن كل الناس من ساسة وأصحاب سلطة يتصورون أنك الآتي من ريف صعدة من بني معاذ، يمكن أن تكون الباني والساعي والفاهم والصادق في التوجه نحو بناء دولة بكل جد وإخلاص خاصة وأنت في نظرهم أحد قادة أنصار الله الذين يَرَوْن أن آخر همّهم وتفكيرهم إعادة بناء الدولة وتفعيل مؤسساتها بل يعتقدون أنكم ترون إعادة بناء الدولة وتفعيل النظام والقانون يتصادم مع أصل مكونكم وأصل وجودكم لكنك فاجأت الجميع في الداخل والخارج حين دعوت بكل قوة وصدق إلى مرجعية الدولة وشرعيتها وجعلت من مرجعية الثورة وشرعيتها منطلقاً وخلفية وأساس الدعوة إلى إحياء الدولة .
خافك حينها كل من يرى في قيام دولة يمنية بمشروع وطني سواء دهاقنة السياسة ومراهقيها في الداخل وأصحاب القرار في الخارج بما فيهم الأمم المتحدة لقد كان الجميع ينظرون إلى مشروع بناء وإعادة مؤسسات الدولة وتفعيلها بحس وطني خالص خطراً حقيقياً يقتل العدوان الذي دخل مرحلة الشيخوخة ويقضي على مؤامرة السعودية والإمارات بعد أن ظنت أنها قد حققت بعض الإنجازات في الجنوب أما بريطانيا تحديداً فكانت الأكثر استشعارا بخطورة ماتقوم به خاصة بعد عرفك مندوبهم الأممي عن قرب وتفحص في شخصيتك وعرف قدراتك وقوة إصرارك وجاذبيتك التي تتحلى بها.
لقد وجد كل أعداء اليمن واليمنيين أنك الشخصية المحورية في إدارة الدولة التي ببنائها ستزداد حركة أنصار الله قوة وتجذراً وشعبية وقرروا جميعاً وعلى رأسهم امريكا سرعة التخلص منك ظناً منهم أنهم سيربكون مشروع إعادة بناء الدولة وبناء الجيش وتنظيم الجبهات لكن شهادتك التي سعوا إليها تحولت بفضل روحك وطهارتك وإخلاصك إلى مصدر قوة واستطاع قائد الثورة السيد عبدالملك أن يجعل من جريمة اغتيالك هزيمة جديدة نكلّت بالأعداء في جميع جوانب أهدافهم ومصادر آمالهم ورجعت قوى ودوّل العدوان تعض على أيديها غماً وكمداً.
سلام الله عليك مجدداً رمزاً ونموذجاً وقدوة لمسيرة قرآنية فازت وانتصرت بك حياً وشهيداً..