“نصر من الله”.. مستمرةٌ حتى استسلام العدوان على اليمن
شارل ابي نادر
لم يكن مفاجئًا ما أعلن عنه مؤخرًا العميد يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الجيش واللجان الشعبية اليمنية، فيما خص المرحلة الثانية من عملية نصر من الله، والتي تدور رحاها على الحدود اليمنية – السعودية في محافظة نجران وعلى مشارف مدينتها، وحيث كان منتظرًا استمرار العمليات القتالية في تلك المنطقة، بعد الكمين الاستراتيجي الذي نفذته وحدات الجيش واللجان الشعبية، مستهدفة فرقة معادية من الوحدات السعودية ومرتزقتها والمخدوعين من اليمنيين. ولا بد من الاضاءة على الأبعاد العسكرية والميدانية والاستراتيجية المتعلقة بالمرحلة الثانية، والتي تؤكد استمرار عملية نصر من الله حتى الاستسلام النهائي للعدوان على اليمن.
الابعاد العسكرية – الميدانية:
من الطبيعي أن تعمد وحدات الجيش واللجان الشعبية، وبعد نجاحها اللافت في تنفيذ الكمين الاستراتيجي في مديرية كتاف وتخوم نجران، انطلاقا من فهمها الواضح لمميزات وشروط العمليات القتالية المخططة والمنظمة، الى استثمار النجاح في المعركة، ومتابعة العمليات القتالية ضد وحدات العدو في لحظة انهيارها، قبل أن تعيد تنظيم وحداتها والاستفادة من الدعم ومن الاحتياط. وهذا الاستثمار تمثل بتنفيذ عملية هجومية صاعقة شمال بقعة الكمين وامتدادًا الى الأراضي السعودية المرتبطة بمديرية كتاف اليمنية، فكان الهجوم الواسع على المواقع المطلة على مدينة نجران وتحرير القسم الأكبر منها، والسيطرة على أكثر نقاط الاسناد السعودية أهمية في جهوزية مدافعتها عن حدودها الجنوبية.
كان البعد العسكري المهم في هذه العملية، والذي ثبت القناعة بقدرات وحدات الجيش واللجان الشعبية القتالية، وبامكانية تنفيذهم لاحقًا عدة عمليات هجومية صاعقة ومشابهة، هو أن متابعة المرحلة الثانية وفي هذا الزخم الواسع والضخم من القوى المتخصصة بالاختراق، مع تنفيذ مساندة فاعلة بجميع أسلحة الدعم النوعية (طيران مسير ودفاع جوي وصواريخ باليستية)، تحققت أولا تحت ستار واسع وضخم ومركز من التغطية الجوية السعودية، وثانيًا تحققت في الوقت الذي كانت فيه هناك جهود يمنية كبيرة تُبذل لاستكمال متطلبات التعامل مع نتائج الكمين، من نقل وضبط وتحييد الأسرى (حوالي ألفي اسير)، ومن اخلاء مصابي وقتلى العدوان (بالمئات)، ومن الكشف على مئات الآليات العدوة التي تحتاج لجهود ضخمة لفرزها واخلائها واستغلالها مباشرة في المراحل اللاحقة من المعركة.
من ناحية أخرى، يمكن القول إن المرحلة الأولى من عملية “نصر من الله” كانت عملًا تحضيريًا للمرحلة الثانية، بالرغم من أن نتائج المرحلة الأولى (الكمين الواسع) كانت كبيرة جدًا وأعطت بعدا استراتيجيا للمواجهة، تجاوز المعركة الحدودية الجنوبية الى هزّ اُسس العدوان على اليمن بالكامل، والسبب هو ان الهدف الرئيس ليس الكمين وتكبيد العدو الخسائر الضخمة كما حصل (مع أهمية ذلك عسكريا)، بل الهدف الرئيسي هو أولا: تحرير أكبر مساحة ممكنة من الاراضي اليمنية، وثانيًا هو السيطرة على ما يناسب من الأراضي السعودية الحدودية بالطريقة التي تخدم معركة الدفاع عن اليمن بشكل عام.
وتأتي السيطرة على أغلب نقاط الاسناد السعودية في مدينة نجران، لتعطي وحدات الجيش واللجان الشعبية نقطة ارتكاز قوية ومهمة، تحضيرًا لأي عملية هجومية واسعة مستقبلًا شمالًا باتجاه مدينة نجران، أو ربما باتجاه مدينتي الظهران والربوعة لناحية محافظة عسير، في حال تم اتخاذ القرار بتوسيع المواجهة الحدودية غربا داخل العمق السعودي.
الأبعاد الاستراتيجية:
اللافت في عملية نصر من الله، أن نتائجها وأبعادها الضخمة، تخلط بين الميداني والعسكري والاستراتيجي، حيث يكون للنتائج المتحققة عسكريا وميدانيا ابعاد استراتيجية، وبالعكس.
فخسارة العدوان عددا كبيرا من مقاتليه بين اسير وقتيل ومصاب، يضع أولًا مصداقيته ومستواه الدولي في الحضيض، وثانيًا سوف يُعتبر في نظر المجتمع الدولي ضعيفًا وفاشلًا وغير أهلٍ ليكون صاحب دور اقليمي كما دائمًا يصور نفسه، مما يزيد من الضغوط عليه، الداخلية والخارجية، لانهاء الحرب والخروج من المستنقع اليمني تفاديا للخسارة الأكبر، والتي اصبحت تؤثر سلبًا على داعميه من المجتمع الدولي.
وخسارته العديد من آلياته وخاصة المتطورة، تحمل اشكالات سياسية عالمية تتعلق بعلاقته مع الدول المصدرة لتلك الاليات ككندا والولايات المتحدة الاميريكة ، لما لذلك من ابعاد سلبية على صيت ومستوى وتجارة تلك الاليات على الصعيد الدولي ، بالإضافة للإشكالات المالية المتعلقة بالأليات الكندية – ناقلات الجنود المدرعة – والتي تم تدميرها واحراقها في ارض المعركة بمضادات دروع متواضعة وعلى مرأى من وسائل الاعلام العالمية.
واخيرا، قد تكون أكثر المعطيات صدقًا والتي توحي بالثقة وتؤكد استمرار العملية حتى النصر واستسلام العدوان هو اسم المعركة: ” نصر من الله “، لما للاسم من ابعاد وجدانية وايمانية، حفرت عميقا في ذاكرة تاريخ محور المقاومة وخاصة في تاريخ حزب الله اللبناني في معركة تموز عام 2006م ( الوعد الصادق)، حيث كان وعدُ “نصر الله” صادقًا في تحقيق الانتصار، بالرغم من أصعب الظروف والمعطيات التي خاض بها حزب الله ملحمته بمواجهة العدو الاسرائيلي، وبإمكانيات متواضعة نسبة لا مكانيات العدو الضخمة، تماما كما يمكن المقارنة مع معركة الدفاع عن اليمن.
*كاتب ومحلل عسكري لبناني