الثورة كائن حيٌّ وليست ذكرى ميتة للمزايدة!

 

عبد العزيز البغدادي
أعجبني جزء كبير من منشور للأخ/ د. يسن سعيد نعمان في ليلة 26/ 9/ 2019وبخاصة خاتمة المنشور حيث قال:
(فتشوا عن 26/ سبتمبر والجمهورية في وجدان وضمير البسطاء ومن أعماق هؤلاء فقط ستعود منتصرة).
من يصدق أن من قال هذا كان ضمن من ذهبوا إلى عاصمة مملكة الأعراب يطلبون ويباركون دعم وإنقاذ الثورة والجمهورية بقتل الأطفال والمدنيين في وطن الجميع أو يفترض أنه كذلك ؟!!.
ما صدمني ويصدمني في هذا الرجل كل هذا المستوى من ازدواج المعايير وهذا التنائي بين الأقوال والافعال، برز ذلك مذ صار عرّاباً للمبادرة السعودية المسماة بالخليجية التي هبطت على ساحة التغيير بنفس المظلة التي هبط بها اللواء علي محسن صالح الذي يكنى أحياناً بالأحمر! ،وتبعتهم فرق رموز ممن  تحرّك الشعب اليمني أو حُرِّك للخروج عليهم أو ضدهم بعد أن بلغ الفساد حداً لا يحتمل رأى معه المخرج والمدير ضرورة التغيير أو التنفيس حفاظاً على مستقبل تنمية الفساد من مخاطر نضوج ثورة حقيقية لاتزال حلماً : تجتث كل الامراض المتراكمة عبر التأريخ وكل المستفيدين منها والمتاجرين بها إذ لا ثورة دون أن يكون لها معنى إنساني يقظ ضد أي اختراق ومانع ومحصنة ضد أي إقصاء وأي استهداف مذهبي أو عرقي أو مناطقي تتجاوز كل رواسب الماضي وعقد العصبوية وتسعى لإيجاد دولة  مدنية تحترم فيها كل الحقوق وتؤدى فيها  كل الواجبات ليس بمفهوم جمهورية افلاطون أو المدينة الفاضلة وإنما بمفهوم من يجعل هذه المبادئ والاهداف برنامج عمل مستمرا يراجع وينتقد بموضوعية  فإذا ما استقر هذا المفهوم ومضى نحو التنفيذ ولمس الناس أن الأمور تسير بحياتهم نحو الأفضل نكون أمام ثورة على قيد الحياة أما الثورة التي يقتات فيها الشعب من شعارات المتاجرين بها في حين يتضور جوعاً ويعاني من انعدام الأمن والصحة والحرية والعدالة ، ثورة يحكمها ويتحكم فيها وفي رئيسها ومسؤوليها مملكة الأعراب وإمارات القراصنة  وقوى الفساد والاستبداد فأي معنى لها ؟!.
لقد تحرك د. يسن عقب انضمامه وقيادات المشترك خلف موكب قائد الفرقة الذي اتجه نحو ساحة التغيير لانتزاع اسمه من بين قوائم من رأى الثوار ضرورة محاسبتهم لفسادهم الذي ملأ الآفاق، ودون اكتراث بمشاعر الناس أطلقوا عليه قائد الثورة وأخذ يسن ينظر بحماس للمبادرة ضمن موكب اختطاف ثورة فبراير 2011 الذي ضم أعتى قوى الفساد والإرهاب التي قامت ضدهم واتجهت نحو هاوية المبادرة وإجهاض فكرة الحوار الوطني الذي صار الفاسدون هم أصحاب  القول الفصل في مخرجاته وفي صياغة دستور دولة خارج الوطن وبما يمليه الأمريكي والسعودي والاماراتي  ومن لف لفهم، ولم يعودوا منظَمِّين لإسناد ثورة الشباب والمضي في ركابها كما صرح بذلك قائد المنظمِّين  وهكذا صرنا ننتظر الحل ممن هم لُب المشكلة !.
نعم لقد قادوا الثورة إلى الهاوية لأنهم جاءوا لتنفيذ أجندة (مثلث برمودا أي ثورة شعبية! (أمريكا، السعودية، بريطانيا) المُدار صهيونياً، وكان الدكتور ياسين مع أشد الأسف من أكثر المنظرين لهذا السطو على آمال الجماهير في التغيير باتباع أقبح سيناريو، وكتب ما كتب في استقبال المبادرة التي تحولت الى وثيقة للثورة المضادة لأن العبرة ليست بما يكتب بل بما يُبيت ويطبق وهل ينتظر من السعودية غير هذا ؟!.
لقد تحول الحوار المسمى بالوطني إلى مسرحية سخيفة قادها العبقري المختار بعناية المقاد من خلف الكواليس وبدأت ملامح الحوار الفضيحة تظهر من خلال تجاهل تشكيل لجنة لتفسير نصوص المبادرة واسندت هذه المهام إلى العبقري وأعطيت له صلاحيات تتنافى تماماً مع الغاية من أي حوار وطني فكان مجرّد منصة لإطلاق ما يجهز وتعده المخابرات الأمريكية وتتلقفه السعودية كما كان الدمية بمثابة كنزمرهون لدى العدوان يقابل الاعتداء على وطنه بأعرض الابتسامات !.
ومن المحزن تحول من كان يؤمل فيه إلى عرّاب أو مسكن لقطاع واسع من الشباب الذين احتفلوا بسرقة ثورتهم بحفاوة وصخب !؛ وتسارعت الأحداث لتتجه اليمن بثورتها ودولتها وكل مقدراتها بالمبادرة إلى النفق المظلم من حيث ادعى من تبناها ونظر لها أنها الخيار الممكن والوحيد للخروج من النفق لأن من يفترض أنهم قادة للثورة انشغلوا بتقاسم السلطة والثروة دون إحساس بما تعنيه الثورة لأن جلهم من قوى الثورة المضادة وبذلك عادت السلطة وبشراسة إلى أيدي اللصوص والقتلة وقطاع الطرق وتجار المخدرات وناهبي المال العام والمستعينين على إخوانهم بالشيطان !.
المشكلة إذاً د. يسن ليست في مآل ثورة 26 سبتمبر أو أي محطة من محطات الحلم بالثورة بل في أسباب هذا المآل ومدى وجود فكر ثوري ووطني وإنساني وفي تفريط من هم في موقع القيادة في السيادة وارتمائهم في أحضان أعداء اليمن والأمة ومن ثم التباكي على ثورة سبتمبر واكتوبر لأن الثورة ليست ذكرى يحتفل بها بالكلمات والأشعار بل هي مسيرة كفاح مستمر، والفكر الثوري بحاجة للمراجعة ومحاسبة الذات باستمرار قبل محاسبة الغير وهنا تكمن بداية الثورة الحقيقية!.
ومالم تتعزز علاقتنا بها على هذا النحو فإن دوامة العنف ستبقى دائمة العنفوان ولن نعرف السلام إلا إذا حرصنا على بنائه في أرواحنا ونفوسنا وقاومنا العدوان والظلم والاستبداد والفساد بصدق وعزم وثبات !
الثورةُ ليست أسطورة
أوقطعةٌ من لهب
الثورة معنًى ومبنى
أنشودة للحياة من لَحْمٍ ودمْ
غذاءٌ وماء
حكمةٌ وبناءْ
جسرٌ يقربنا إلى الله
حيث نشم نسيم الحرية
ونعي قيمة العدالة !.

قد يعجبك ايضا