هل أفاق المغرب العربي من سكرة الربيع المزعوم؟
أحمد يحيى الديلمي
يبدو أن دول المغرب العربي فاقت من السكرة الكبرى التي سرقت ثورة الشعوب وحولتها الى لعبة تحت مسمى الثورة .
كانت تونس هي مرتع تلك الثورة لكن يبدو ان حصافة الشعب التونسي جعلته يتنبه إلى عظم الهجمة الشرسة التي احتوت تلك الثورات تارة تحت غطاء التدين الزائف واخرى تحت مسمى الشراكة غير الموجودة الا في اذهان من سوغوها فها هو الحراك الشعبي الدائم في الجزائر ونتائج الانتخابات في تونس كل ذلك يوحي ان الشعب العربي في هذين البلدين يدرك معنى الثورة وان الهدف من تلك الثورة هو اجتثاث المنظومة السياسية المترهلة التي وصلت الى حد الارتهان للأخر وشرعنة العمالة والخيانة كما يحدث الان في ليبيا تحت مظلة التدين غير السوي ولذلك يبدو ان التوانسه تنبهوا الى خطورة ما يحاك فجعلوا الفترة بين الثورة والانتخابات محطة لالتقاط الانفاس والمراجعة ومن ثم مداهمة المنظومة السياسية دون الحاجة الى التصادم معها لان هذه المنظومة مسنودة من دول كبرى وكان يمكن ان تقلب المجن وتعيد الامور الى ما كانت عليه الى ان جاءت الانتخابات الرئاسية فأعادت زمام الامور الى الشعب وبالتالي حدثت المفاجأة غير المتوقعة و فرضت واقعا سياسيا جديدا استعاد روح الثورة الى الصدارة وكانت الخطوة الاولى استهداف المنظومة السياسية المصابة بالترهل والخواء الفكري بعد أن تحولت الى دكاكين للفساد والعمالة والارتهان الى الخارج .
حيال هذا الامر انقسم التوانسه الى فريقين :
الاول: استسلم لهواجس الخوف وإمكانية التلاعب بالانتخابات من خلال قراءة البرامج الانتخابية وسجالات المرشحين المتعاقية فقرر المقاطعة وعدم المشاركة في الانتخابات .
الثاني: تعاطى افراده مع الأمر بعقلانية فشاركوا في العملية بذهنية استعادة روح الثورة ورفض أعمال المحاصصة ورغبات التموضعات السياسية بأفق انتهازي حول هذه الكيانات إلى مظلة للفساد والتآمر على الهوية الوطنية وتسويق مبدأ الارتهان إلى الخارج باعتباره صمام أمان كفيلا بتفعيل وتائر التنمية وانتشال البلاد من العثرات .
فجاء القرار الحاسم الذي عرى السوءات وكشف الملفات المشبوهة وسعى الى تغيير المشهد السياسي بنزعة استكمال روح الثورة وتجذير معطياتها في السلوك العام بنفس المضامين الرافضة للظلم والفساد فاستشعرت القوى السياسية حجم الضربة بعد ان ظلت لفترة من الزمن تتصارع على المناصب وتفرض قوة الحضور ببرامج هزيلة تظهر مالا تخفي وتدغدغ مشاعر المواطنين بأفكار مطاطية ووعود عرقوبية حاولت من خلالها استقطاب مشاعر البسطاء الى دهاليز التجهيل والامتهان الفكري والعبودية للأصنام البشرية .
كما يبدو ان الافكار والعقلية المتجذرة في الرؤس المجسدة لثقافة التدين الزائف وإن كانت قد حاولت أن تظهر الوجه الحسن في الفترة الماضية وتعمل بسلوك متوازن مكنها من دخول المعترك السياسي تحت سقف الدستور ومظلة الدولة وبالتدريج كانت حركة النهضة احد اذرع الاخوان المسلمين تعلن البراءة من اثام واوزار المرحلة الماضية لا لإرضاء الشعب التونسي ولكن للفوز برضى امريكا والغرب وعملائهم في المنطقة .
الا ان الانتخابات حتمت على الحركة العودة الى مرابض الماضي استنادا الى توقعات وتصريحات مسؤولين في الحركة قبل الانتخابات اكدت بما لا يدع مجالا للشك ان الحركة تلقت صفعة قوية من الشارع التونسي رغم ما قدمته من وعود وتنازلات لأطراف اقليمية ودولية وما تضمنه البرنامج الانتخابي لمرشح الحركة من تطمينات لأمريكا والغرب الا إن الناخب التونسي رفض بشكل قاطع إملاءات الخارج وتدخلاته السافرة فاسقط كل المرشحين المحسوبين على امريكا واوروبا والسعودية والإمارات وقطر وتركيا وكل من يحاول التدخل في شؤون تونس وكما يقال (الطبع غلب التطبع ) .
المعلومات التي افصح عنها مسؤولون توانسه افادت بان الحركة حاولت الاستفادة من التحالفات المشبوهة مع بعض الدول لممارسة ضغوط كبيرة على ماكنته المرشح نبيل القروي والهيئة العليا المستقلة للانتخابات من اجل اسقاط اسم القروي من المرتبة الثانية وابداله بعبد الفتاح مورو مرشح الحركة وهي عملية خطيرة إن ثبتت تكشف عن الروح التأمرية والطبع الماكر الذي يدحض مشاهد التوبة الآنية ويحولها إلى ممارسات بائسة اكتشفها الشعب التونسي وبعيدا عن ما قد تسفر عنه الجولة الثانية من الانتخابات إلاّ ان الشعب التونسي ومن خلال تصريحات بعض الناخبين لايزال يخفي الكثير من المفاجأت ويدخرها للمرحلة الثالثة من الثورة المتمثلة في الانتخابات البرلمانية فلقد اجمعت الكثير من الآراء على ان الفترة الماضية شكلت كتلا برلمانية زئبقية تتلون وتتغير تبعا للحاجة وما يخدم المصلحة الذاتية بعيدا عن تطلعات وهموم الشعب لذلك فإن التوانسه سيعمدون الى تنفيذ الضربة الثالثة التي تكمل الثورة بأفقها الشعبي والقها الوطني وهويتها التونسية في الانتخابات البرلمانية القادمة حيث من المتوقع ان تقصي هذه الانتخابات 80% من المصفوفة المترهلة التابعة للأحزاب السياسية لتظل الثورة بنفس النقاء والالق والنور الذي اراده البو عزيزي والامل ان تستفيد الدول العربية في المشرق من هذه التجربة وان تتجه انظار الجميع لإسقاط المنظومات السياسية التي اصبحت عاجزة عن تقديم أي شيء للشعوب والمواطنين في بلدانها وتتباهى فقط بالفساد والمكتسبات غير المشروعة وهنا يمكن تصحيح مسار الربيع العربي الذي تحول بفعل التدخل الخارجي الى اعظم انتكاسة في تاريخ هذه الامة .
والله من وراء القصد ،،،،