بيروت/
بعد الهجمات الصهيونية الأخيرة على المناطق التابعة لـ”حزب الله” في سوريا ودخول طائراتها بلا طيار إلى جنوب بيروت، وبعد الهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد “حسن نصر الله” بالانتقام من “تل أبيب” قام هذا الكيان الغاصب بإخلاء معظم المناطق المجاورة للحدود بين لبنان والاراضي المحتلة من ساحل “الناقورة” إلى قرية “العديسة ” على طول بلغ حوالي 50 كيلومتراً مربعاً وهذا الامر أثار العديد من الشكوك حول عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على صد هجوم قوات “حزب الله” المحتمل لتحرير جزء من الأراضي المحتلة.
وفي هذا الصدد قال السيد “حسن نصر الله” في خطابه الذي ألقاه في الليلة الثالثة من شهر محرم الحرام إن العملية الذي نفذتها قوات تابعة للحزب داخل الاراضي المحتلة كانت خطوة جديدة في الدفاع عن حدود لبنان، وقال: إن الرد على العدوان الإسرائيلي سيستمر.. كل هذه الاحداث وكل هذه التصريحات دفعتنا إلى دراسة سيناريو تحرير قوات “حزب الله” للجولان المحتل.
مع اقتراب نهاية الأزمة السورية ومحاولة الكيان الصهيوني استغلال إمكانات إدارة “دونالد ترامب” في الولايات المتحدة التي تتبع النهج الصهيونية بالكامل يبدو أن الاحداث الاخيرة سوف تفتح جبهة جديدة في عملية المواجهة بين “تل أبيب” وجبهة المقاومة التي كانت ناشطة في المنطقة منذ عام 1967م، والتي أصبحت في يومنا هذا أكثر تأثراً بالتطورات السياسية والأمنية.. يذكر أن الكيان الصهيوني فرض عدوانًا مباشرًا على الكثير من المناطق المختلفة في سوريا خلال السنوات الماضية، مما وفر مبررًا لرد دمشق على هذا العدوان الاسرائيلي السافر وبالإضافة إلى ذلك يبدو أن دمشق ستتمكن أخيرًا من الانتهاء من قضية الإرهابيين الذين لا يزالون يتمركزون في مدينة “إدلب”.
استراتيجيات وأطماع اسرائيلية في الجولان العربي المحتل
كشفت العديد من المصادر الإخبارية عن أنه بعد الحرب عام 1967م مباشرة لم تُبق إسرائيل في الجولان سوى سبع قرى فقط من أصل 139 قرية عربية، ولقد خلق تهجير الجيش الإسرائيلي شبه الكامل للسكان السوريين من الجولان إبان الحرب ظروفاً مواتية لشن حملة مُمنهجة استهدفت تدمير القرى والمزارع والمنازل المتبقية، وقد سرّع هذا التدمير الإسرائيلي إعادة بناء الجولان جغرافيًا وديموغرافيًا، ليتلاءم مع المشروع القَومي الصهيوني، وكان هذا التدمير بمثابة استكمال شبيه بالتدمير الذي طال فلسطين التي كانت مأهولة عقب النكبة عام 1948م.
ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أنه في 14 ديسمبر 1981م قرر الكنيست الإسرائيلي فيما يسمى بـ”قانون الجولان” فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان، ولم يعترف المجتمع الدولي بالقرار ورفضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قرار برقم 497 من 17 ديسمبر 1981م، وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم “الجولان السوري المحتل” كما تشير إليه بهذا الاسم وسائل الإعلام العربية وبعض المنظمات الدولية الأخرى، وقد أكد مجلس الأمن في قراره أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة، واعتبر قرار إسرائيل ملغيًا وباطلًا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي؛ وطالبها باعتبارها قوة محتلة بأن تلغي قرارها فوراً، مع ذلك لم يفرض مجلس الأمن العقوبات على إسرائيل بسبب قرار ضم الجولان.
الجدير بالذكر أن الإسرائيليين يطمعون في هضبة الجولان لأنهم يرون أهمية كبيرة في السيطرة عليها لما تتمتع به من موقع استراتيجي، فبمجرد الوقوف على الهضبة يستطيع الناظر تغطية الشمال الشرقي من فلسطين المحتلة بالعين المجردة بفضل ارتفاعها النسبي، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، فالمرتفعات تكشف الأراضي السورية أيضاً حتى أطراف العاصمة دمشق، وقد أقامت إسرائيل محطات إنذار عسكرية في المواقع الأكثر ارتفاعاً شمالي الهضبة لمراقبة تحركات الجيش السوري.
ردود فعل عربية ودولية منددة بالاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان
نددت عدة أطراف عربية ودولية بتوقيع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إعلانا باعتراف بلاده بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل من سوريا عام 1967م وضمتها عام 1981م، وفي حين رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالخطوة الأمريكية نددت دمشق على لسان وزير خارجيتها: وأدانتها الدول الأوروبية في مجلس الأمن، كما أعلنت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا وبولندا – الأعضاء في مجلس الأمن – رفضها القرار الأمريكي، وقال سفراء هذه الدول طبقا لقرارات الأمم المتحدة: “لا نعترف بسيادة إسرائيل في المناطق التي تحتلها منذ يونيو 1967م، بما في ذلك مرتفعات الجولان” التي “لا نعتبرها جزءا من أراضي دولة إسرائيل”.
وزارة الخارجية الفلسطينية من جانبها أدانت القرار الأمريكي، معتبرة إياه “تماديا في انقلاب الإدارة الأمريكية على مواقف وسياسة الإدارات السابقة، وعدوانا صريحا على الحقوق العربية، وانتهاكا صارخا للشرعية الدولية وقراراتها”.. وفي سياق متصل أدان الأمين العام للجامعة العربية “أحمد أبو الغيط” بأشد العبارات الإعلان الأمريكي، معتبرا أنه “باطل شكلا وموضوعا”.
ومن جهتها حذرت روسيا- حليفة النظام السوري- من “موجة توترات جديدة” في الشرق الأوسط بعد الخطوة الأمريكية، ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية “ماريا زاخاروفا” قولها “للأسف قد يؤدي ذلك إلى موجة توترات جديدة في الشرق الأوسط”، كما ذكر “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمم المتحدة أن الأمين العام للمنظمة الدولية “أنطونيو غوتيريس”، “واضح (في القول) بأن وضع الجولان لم يتغير”، وقال “دوجاريك”: “إن سياسة الأمم المتحدة بشأن الجولان انعكست في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وإن تلك السياسة لم تتغير”، كذلك قال وزير الخارجية التركي “مولود تشاوش أوغلو” إن القرار الأمريكي بشأن الجولان هو أمر يستحيل على بلاده قبوله، وأنها ستتخذ إجراءات ضده، بما في ذلك في الأمم المتحدة.
هل تستطيع قوات محور المقاومة تحرير مرتفعات الجولان؟
كشفت الاحداث الاخيرة التي شهدتها المنطقة أن محور المقاومة يمتلك العديد من الخيارات التي سمحت له بتهديد الكيان الصهيوني.. وحول هذا السياق أعرب العديد من الخبراء العسكريين بأن الانتصارات الميدانية التي حققتها قوات محور المقاومة في سوريا والعراق ضد الجماعات الارهابية كشفت للعالم أجمع عن أن هذه القوات تمتلك الكثير من المعدات العسكرية المتطورة التي من شأنها أن تهدد أمن واستقرار المدن الإسرائيلية.. وفي هذا الصدد لفت العديد من المسؤولين اللبنانيين إلى أنه لو تجرأ الكيان الصهيوني على شن هجمات داخل العمق اللبناني، فإن قوات محور المقاومة المنتشرة في العديد من البلدان العربية سوف تجتمع تحت مظلة واحدة وسوف تبدأ بشن عمليات عسكرية لتحرير هضبة الجولان المحتلة، وهنا قال الرئيس اللبناني “ميشيل عون :”هضبة الجولان أرض سورية عربية ولا يمكن لأي قرار أن يغير هذا الواقع، ولا لأي بلد أن يزوِّر التاريخ بنقل ملكية أرض من بلد إلى آخر”، وحذر: “إذا كانت إسرائيل تعتقد أنها ستتوسع بالاستيلاء على الأراضي عن طريق العنف والعدوان، فإنها ستجد نفسها في عزلة أكبر وأمام هزيمة عسكرية جديدة لن تنفعها عندها لا قوتها ولا عنصريتها”، وشدد على أن إسرائيل “لن تجد أمنها إلا بالسلام العادل والشامل”.
النتيجة
“ما وراء مرتفعات الجولان هي سوريا، والنظام الإيراني موجود هناك، حيث يحاول النظام الإيراني إحضار صواريخ طويلة المدى دقيقة إلى سوريا، وأيضا صواريخ متطورة ومميتة”.. هذا النص من رسالة “نتنياهو” التي كتبها على “تويتر”، وهو يعكس القلق المتزايد لدى الكيان الصهيوني بشأن التطورات في سوريا والجولان، حيث قال “نتنياهو” في رسالة أخرى: “لسنا مستعدين لقبول هذا الامر وإجراءاتنا ستستمر ضد جهود إيران التي تسعى إلى نشر قوة عسكرية في سوريا وإدخال أسلحة متطورة إليها”.
الجدير بالذكر هنا أن عمليات الجيش السوري وحلفائه في جنوب سوريا، والتي شابتها هزيمة الجماعات الإرهابية وتمّكن القوات السورية والقوات المتحالفة معها من التقدم لبضعة كيلومترات داخل الأراضي المحتلة أثارت قلق الصهاينة بشأن احتمال انتهاء الأزمة الأمنية في سوريا.. وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لهضبة الجولان لدى الكيان الصهيوني، فإن تحرير هذه المناطق من قبل قوات محور المقاومة يمكن أن يشكل ضربة قوية لوجود الكيان الصهيوني في المنطقة، وقد يؤدي إلى زواله من الخارطة.